منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل
منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل
प्रकाशक
دار الشريعة
संस्करण संख्या
الأولى ١٤٢٤هـ
प्रकाशन वर्ष
٢٠٠٣م
शैलियों
مقدمة
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
_________
١- تنبيه: هذه الرسالة كانت عبارة عن محاضرة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ قد ألقاها فضيلته، ثم طبعت في "مجموع الفتاوى" له، وتم فصلها وطباعتها مفردة في حياة الشيخ رحمه الله تعالى.
1 / 5
أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠- ٧١] .
1 / 6
المراد بأهل السنة والجماعة وبيان طريقهم
أهل السنة والجماعة هم الذين هداهم الله تعالى لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكلنا نعلم أن رسول الله ﷺ، بعث بالهدى ودين الحق، الهدى: الذي ليس فيه ضلالة، ودين الحق: الذي ليس فيه غواية.
وبقي الناس في عهده على هذا المنهاج السليم القويم، وكذلك عامة زمن خلفائه الراشدين، ولكن الأمة بعد ذلك تفرقت تفرقًا عظيمًا متباينًا، حتى كانوا على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان عليه رسول الله ﷺ، وأصحابه.
بهذا نقول: إن هذه الفرقة هي فرقة أهل السنة والجماعة وهذا الوصف لا يحتاج إلى شرح في بيان أنهم هم الذين على الحق؛ لأنهم أهل السنة المتمسكون بها، وأهل الجماعة المجتمعين عليها.
1 / 7
ولا تكاد ترى طائفة سواهم إلا وهم بعيدون عن السنة بقدر ما ابتدعوا في دين الله ﷾، ولا تجد فرقة غيرهم إلا وجدتهم فرقة متفرقين فيما هم عليه من النحلة.
وقد قال ﷾ لرسوله ﵊: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٩] .
إذن لا حاجة لنا إلى التطويل بتعريف أهل السنة والجماعة. لأن هذا اللقب يبرهن على معناه برهانًا كاملًا وأنهم المتمسكون بالسنة المجتمعون عليها.
ونحن نلخص الكلام في نقاط رئيسية هي:
أولًا: بيان طريق أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته مع أمثلة توضح تلك الطريقة: أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته أنهم يعتبرون أن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله، أو فيما صح عن رسول الله ﷺ، وهو حق على حقيقته يراد به ظاهره ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء فهم، أو سوء قصد حيث
أولًا: بيان طريق أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته مع أمثلة توضح تلك الطريقة: أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته أنهم يعتبرون أن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله، أو فيما صح عن رسول الله ﷺ، وهو حق على حقيقته يراد به ظاهره ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء فهم، أو سوء قصد حيث
1 / 8
ظنوا أنهم إذا أثبتوا تلك النصوص، أو تلك الأسماء والصفات على مظاهرها ظنوا أن ذلك إثبات للتمثيل، ولهذا صاروا يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد يكونون ممن لم يفهموا هذا الفهم ولكن لهم سوء قصد في تفريق هذه الأمة الإسلامية شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن ما سمى الله به نفسه وما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ، فهو حق على حقيقته وعلى ظاهره، ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين بل هو أبعد ما يكون عن ذلك، وهو أيضًا لا يمكن أن يفهم منه ما لا يليق بالله ﷿ من صفات النقص أو المماثلة بالمخلوقين، بهذه الطريقة المثلى يسلمون من الزيغ والإلحاد في أسماء الله وصفاته، فلا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه،أو أثبته له رسوله ﷺ، غير زائدين في ذلك ولا ناقصين عنه.
ولهذا كانت طريقتهم أن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يمكن لأحد أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، أو أن يصف الله بما لم يصف به نفسه.
1 / 9
فإن أي إنسان يقول: إن من أسماء الله كذا، أو ليس من أسماء الله، أو أن من صفات الله كذا، أو ليس من صفات الله بلا دليل لأنه لاشك قول على الله بلا علم وقد قال الله ﷾: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] .
وقال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] .
ثم إن طريقتهم في أسماء الله تعالى أن ما سمى الله به نفسه.
فإن كان من الأسماء المتعدية فإنهم يرون من شرط تحقيق الإيمان به ما يلي:
١- أن يؤمن المرء بذلك الاسم اسمًا له ﷿.
٢- أن يؤمن بما دل عليه من الصفة سواء كانت الدلالة تضمنًا أو التزامًا.
٣- أن يؤمن بأثر ذلك الاسم الذي كان مما دل عليه الاسم من الصفة.
1 / 10
ونحن هنا نضرب مثلًا:
من أسماء الله تعالى: "السميع" يجب على طريق أهل السنة والجماعة أن يثبت هذا الاسم من أسماء الله فيدعى الله به ويعبد به فيقال مثلًا عبد السميع ويقال يا سميع يا عليم وما أشبه ذلك لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:١٨٠] .
وكذلك أيضًا يثبت ما دل عليه هذا الاسم من الصفة وهي السمع فنثبت لله سمعًا عامًا شاملًا لا يخفى عليه أي صوت وإن ضعف.
كما نثبت أيضًا أثر هذه الصفة وهي أن الله ﵎ يسمع كل شيء وبهذا ننتفع انتفاعًا كبيرًا من أسماء الله لأنه يلزم من هذه الأمور الثلاثة التي أثبتناها في الاسم إذا كان متعديًا أن نتعبد الله بها فنحقق قول الله ﷿: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:١٨٠] .
فأنت إذا آمنت بأن الله يسمع فإنك لن تسمع ربك ما يغضبه عليك لن تسمعه إلا ما يكون به راضيًا عنك، لأنك تؤمن أنك مهما قلت من قول سواء كان سرًا أم علنًا
1 / 11
فإن الله ﵎ يسمعه، وسوف ينبئك بما كنت تقول في يوم القيامة.
وسوف يحاسبك على ذلك على حسب ما تقتضيه حكمته في كيفية من يحاسبهم ﵎.
إذًا القاعدة عند أهل السنة والجماعة:
أن الاسم من أسماء الله إذا كان متعديًا فإنه لا يمكن تحقيق الإيمان به إلا بالإيمان بهذه الأمور الثلاثة:
١- أن نؤمن به اسمًا من أسماء الله فنثبته من أسمائه.
٢- أن نؤمن بما دل عليه من صفة.
٣- أن نؤمن بما يترتب على تلك الصفة من الأثر.
وبهذا يتحقق الإيمان بأسماء الله ﵎ المتعدية.
أما إذا كان الاسم لازمًا فإنهم يثبتون هذا الاسم من أسماء الله، ويسمون الله به ويدعون الله به، ويثبتون ما دل عليه الاسم من صفة على الوجه الأكمل اللائق بالله تعالى، ولكن هنا لا يكون أثر، لأن هذا الاسم مشتق من شيء لا يتعدى موصوفه فلذلك لا يكون أثر.
1 / 12
ونضرب مثلًا بـ "الحي":
فإن الحي من أسماء الله ﷿، نثبته اسمًا لله فنقول من أسماء الله تعالى: "الحي" وندعو الله به فنقول: "يا حي، يا قيوم".
ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمنًا، أو التزامًا وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم، وقدرة، وسمع، وبصر، وكلام وغير ذلك،
فعلى هذا نقول إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فإن تحقيق الإيمان به يكون بأمرين.
أحدهما: إثباته اسمًا من أسماء الله.
والثاني: إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله ﵎.
أما الصفات فإننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه سواء ذكر الصفة وحدها بدون أن يتسمى بما دلت عليه، أو كانت هذه الصفة مما دلت عليها أسماؤه، فإنه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفة على حقيقتها.
1 / 13
مثال ذلك: أثبت الله ﵎ لنفسه أنه استوى على عرشه. وهو يخاطبنا بالقرآن النازل باللسان العربي المبين وكل الناس الذين لهم ذوق في اللغة العربية يعلمون معنى استوى في اللغة العربية.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى وقد سئل عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] . كيف استوى؟ فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". هذا هو اللفظ المشهور عنه واللفظ الذي نقل عنه بالسند قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وهذا اللفظ أدق من اللفظ الذي سقناه قبل، لأن كلمة "الكيف غير معقول" تدل على أنه إذا انتفى عنه الدليلان النقلي والعقلي فإنه لا يمكن التكلم به.
هذه الصفة من صفات الله لم يرد اسم من أسماء الله مشتق منه فلم يرد من أسمائه المستوى،
ولكننا نقول: إنه استوى على العرش ونؤمن بهذه الصفة على الوجه اللائق به ونعلم أن معنى الاستواء هو العلو،
1 / 14
فهو علو خاص بالعرش، ليس العلو المطلق على جميع المخلوقات، بل هو علو خاص ولهذا نقول في قوله تعالى: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف:٥٤] . أي علا واستقر على وجه يليق بجلاله وعظمته، وليس كاستواء الإنسان على البعير والكرسي مثلًا؛ لأن استواء الإنسان على البعير والكرسي استواء مفتقر إلى مكانه الذي يستوي عليه، أما استواء الله جل ذكره فإنه ليس استواء مفتقر، بل إن الله ﵎ غني عن كل شيء، كل شيء مفتقر إلى الله، والله ﵎ غني عنه.
ومن زعم أنه بحاجة إلى عرش يقله فقد أساء بربه ﷿ فهو ﷾ غير مفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل جميع مخلوقاته مفتقرة إليه،
كذلك النزول إلى السماء الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الآخر نؤمن به على أنه نزول حقيقي، لكنه يليق بالله ﷿ لا يشبه نزول المخلوقين،
ومن هنا نقول أنه يجب على المؤمن أن يتحاشى أمرًا يلقيه الشيطان في باله أمرًا خطيرًا للغاية – وهو أمر حمل أهل
1 / 15
البدع على تحريف النصوص من أجل هذا الأمر الذي يجعله الشيطان في قلوب الناس – ألا وهو تخيل كيفية صفة من صفات الله، أو تخيل كيفية ذات الله ﷿.فاعلم أنه لا يجوز أبدًا أن يتخيل كيفية ذات ال له، أو كيفية صفة من صفاته، واعلم أنك إن تخيلت أو حاولت التخيل فإنك لابد أن تقع في أحد محذورين: أما التحريف والتعطيل، وإما التمثيل والتشبيه.
ولهذا يجب عليكم أيها الإخوة أن لا تتخيلوا أي شيء من كيفية صفات الله ﷿، لا أقول لا تثبتوا المعنى يجب أن يثبت لكن تخيل كيفية تلك الصفة لا يمكن أن تتخيلها وعلى أي مقياس تقيس هذا التخيل.
لا يمكن أبدًا أن تتخيل كيفية صفات الله ﷿ لا بالتقدير ولا بالقول يجب عليك أن تتجنب هذا لأنك تحاول ما لا يمكن الوصول إليه بل تحاول ما يخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل وذلك لأن الرب جلت عظمته لا يمكن لأحد أن يتخيله على كيفية معينة لأنه إن فعل ذلك فقد قفا ما ليس له به علم وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء:٣٦] .
1 / 16
وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله والله ﷾ يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] .
وبهذا نعلم أن من أنكر صفات الله أنكرها لأنه تخيل أولًا، ثم قالوا هذا التخيل يلزم منه التمثيل ثم حرفوا!!
ولهذا نقول إن كل معطل ومنكر للصفات فإنه ممثل سبق تمثيله تعطيله. مثل أولًا وعطل ثانيًا ولو أنه قدر الله حق قدره ولم يتعرض لتخيل صفاته سبحانه ما احتاج إلى هذا الإنكار وإلى هذا التعطيل.
ثانيًا: طريقة أهل السنة والجماعة في عبادة الله طريقتهم أنهم يعبدون الله، لله، وبالله، وفي الله. أما كونهم يعبدون الله لله فمعنى ذلك الإخلاص يخلصون لله ﷿ لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم لا يتقربون إلى أحد سواه، إنما ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الاسراء:٥٧] .
ثانيًا: طريقة أهل السنة والجماعة في عبادة الله طريقتهم أنهم يعبدون الله، لله، وبالله، وفي الله. أما كونهم يعبدون الله لله فمعنى ذلك الإخلاص يخلصون لله ﷿ لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم لا يتقربون إلى أحد سواه، إنما ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الاسراء:٥٧] .
1 / 17
ما يعبدون الله لأن فلانًا يراهم، وما يعبدون الله لأنهم يعظمون بين الناس، ولا يعبدون الله لأنهم يلقبون بلقب العابد لكن يعبدون الله لله.
وأما كونهم يعبدون الله بالله. أي: مستعينين به لا يمكن أن يفخروا بأنفسهم، أو أن يروا أنهم مستقلون بعبادتهم عن الله، بل هم محققون لقول الله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] . فـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ يعبدون الله لله، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ . يعبدون الله بالله. فيستعينونه على عبادته ﵎.
وأما كونهم يعبدون الله في الله أي في دين الله، في الدين الذي شرعه على ألسنة رسله، وهم وأهل السنة والجماعة في هذه الأمة يعبدون الله بما شرعه على لسان رسوله محمد ﷺ، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه، فهم يعبدون الله في الله في شريعته في دينه لا يخرجون عنه لا زيادة ولا نقصًا لذلك كانت عبادتهم هي العبادة الحقة السالمة من شوائب الشرك والبدع، لأن من قصد غير الله بعبادته فقد أشرك به، ومن تعبد الله بغير شريعته فقد ابتدع
1 / 18
في دينه والله ﷾ يقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥] .
فعبادتهم لله في دين الله لا يبتدعون ما تستحسنه أهواؤهم لا أقول ما تستحسنه عقولهم لأن العقول الصحيحة لا تستحسنه الخروج عن شريعة الله لأن لزوم شريعة الله مقتضى العقل الصريح، ولهذا كان الله ﷾ ينعي على المكذبين لرسوله عقولهم ويقول: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت:٦٣] .
لو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فرقًا وشيعًا كل يستحسن ما يريد فيتعبد لله به وحينئذ لا يتحقق فينا وصف الله ﷾ في قوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة﴾ [المؤمنون:٥٢] .
ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أذن الله بها ولا أنزل بها من سلطان، كيف كانوا فرقًا يكفر بعضهم بعضًا ويفسق بعضهم بعضًا، وهم يقولون: إنهم مسلمون
1 / 19
لقد كفر بعض الناس ببعض في أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر ولكن الهوى أصمهم وأعمى أبصارهم.
نحن نقول: إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.
إذًا لو أن أحدًا من أهل البدع ابتدع طريقة عقيدة "أي تعود للعقيدة" أو عملية "تعود إلى العمل" من قول أو فعل، ثم قال إن هذه حسنة. والنبي ﷺ، يقول: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" (١) .
قلنا له بكل بساطة هذا الحسن الذي ادعيته أنه ثابت في هذه البدعة هل كان خافيًا لدى الرسول، ﵊، أو كان معلومًا عنده لكنه كتمه ولم يطلع عليه أحد من سلف الأمة حتى ادخر لك علمه؟!
والجواب: إن قال بالأول فشر وإن قال بالثاني فأطم وأشر.
_________
(١) جزء من حديث رواه مسلم جـ٤ كتاب العلم/ باب من سن سنة حسنة أو سيئة.
1 / 20
فإن قال: إن الرسول، ﵊ لا يعلم حسن هذه البدعة ولذلك لم يشرعها.
قلنا: رميت رسول الله ﷺ، بأمر عظيم حيث جهلته في دين الله وشريعته.
وإن قال إنه يعلم ولكن كتمه عن الخلق.
قلنا له: وهذه أدهى وأمر لأنك وصفت رسول الله ﷺ، الذي هو الأمين الكريم وصفته بالخيانة وعدم الجود بعلمه، وهذا شر من وصفه بعدم الجود بماله، مع أنه ﷺ، كان أجود الناس! وهنا شر قد يكون احتمالًا ثالثًا بأن الرسول ﷺ، علمها وبلغها ولكن لم تصل إلينا.
فنقول له: وحينئذ طعنت في كلام الله ﷿ لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] . وإذا ضاعت شريعة من شريعة الذكر فمعنى ذلك أن الله لم يقم بحفظه بل نقص من حفظه إياه بقدر ما فات من هذه الشريعة التي نزل من أجلها هذا الذكر!!
1 / 21
وعلى كل حال فإن كل إنسان يبتدع ما يتقرب به إلى ربه من عقيدة أو عمل قولي أو فعلي فإنه ضال لقول رسول الله ﷺ: "كل بدعة ضلالة١".
وهذه كلية عامة لا يستثنى منها شيء إطلاقًا فكل بدعة في دين الله فإنها ضلالة وليس فيها من الحق شيء فإن الله تعالى يقول: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:٣٢] .
ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة بل قال: "من سن في الإسلام" وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام بل قد قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" وبهذا نعرف أنه لابد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام وإلا ليست سنة في الإسلام ومن علم سبب الحديث الذي ذكرناه علم أن المراد بالسنة المبادرة بالعمل أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها لأن سبب الحديث معلوم وهو أن جماعة جاءوا إلى النبي ﷺ، وكانوا فقراء فحث المسلمين على التصدق عليهم فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت
_________
١ أخرجه مسلم "رقم ٨٦٧".
1 / 22
يده فوضعها بين يديه ﷺ، فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها". وبهذا عرفنا المراد أن من سنها ليس من شرعها لكن من عمل بها أولًا لأنه بذلك أي بعمله أولًا يكون هو إمامًا للناس فيها فيكون قدوة خير وحسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولا يرد على ذلك ما ابتدع من الوسائل الموصلة إلى الأمور المشروعة فإن هذه وإن تلجلج بها أهل البدع وقعدوا بها بدعهم فإنه لا نصيب له منها، إلا أن يكون الراقم على الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء!
أقول: إن بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما أحدث من الوسائل لغايات محمودة.
احتجوا على ذلك بجمع القرآن، وبتوحيده في مصحف واحد وبالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات، فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلة إلى غاية محمودة مثبتة شرعًا لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة
1 / 23
فهذه الوسيلة طبعًا تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله ﷿: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:٦٠] .
وإعداد القوة على عهده ﵊ غير إعداد القوة في زمننا هذا فإذا ما أحدثنا عملًا معينًا نتوصل به إلى إعداد القوة فإن هذه بدعة وسيلة وليست بدعة غاية يتقرب بها إلى الله ولكنها بدعة وسيلة.
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا نعرف أن ما تلجلج به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا أنه ليس لهم فيها دليل أبدًا لأن كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.
فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها.
فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول ﵊ بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة.
1 / 24