وقوله: بجواز المساقاة والمزارعة على الأرض البيضاء والتي فيها شجر، وسواء كان البذر منهما أو من أحدهما، وجواز ما يشبه ذلك وإن كان من باب المشاركة ليس من باب الإجارة، ولا هو على خلاف القياس ونظير هذا كثير. أهـ (١).
وسترى في هذا الكتاب -في غالب أبواب الفقه- مسائل انفرد بها الإمام أحمد وكان الدليل في جنبته، ووافقه عليها أئمة كبار من أتباع المذاهب الأربعة وغيرهم.
أسباب الانفراد:
إن من يستقرئ المسائل التي انفرد بها أحمد، والتي دَوَّن غالبها لنا هذا الكتاب لا بد أن يلمس أن وراء هذا الانفراد أسبابًا سوغت للإمام أحمد أن يخالف ما سمعه من مشايخه -كالشافعي وغيره- وما نقل إليه من بعض علماء السلف قبله. وقد تكون هذه الأسباب التي نشير إلى بعضها يشترك مع الإمام فيها أئمة المذاهب الأخرى أو بعضهم. لكن الاختلاف في تطبيق القاعدة على المسائل الفرعية هو السبب الكامن وراء هذا. الانفراد، ولا نستطيع أن نحصر جميع الأسباب التي نشأ عنها الخلاف في جميع هذه المفردات ولكنا هنا نذكر أهمها بإيجاز فنقول:
الأوّل: كثرة الأحاديث النبوية الصحيحة:
كثر تدوين الأحاديث في عصر الإمام أحمد فألفت الصحاح وجمعت السنن والمسانيد والمصنفات، وتوفر بين يدي طلبة العلم ما اجتمع من أحاديث الآفاق.
وكان أحمد حافظة عصره؛ طاف في طلب الحديث كثيرًا من البلاد الإِسلامية، والتقى بحفظة العصر وأئمة الحديث في العراق والشام والحرمين واليمن، فاجتمع له ثروة عظيمة لم تكن لأحد من معاصريه أو سابقيه. ولقد
_________
(١) الفتاوى: ٢٠/ ٢٢٩.
1 / 36