فالجواب: إن لَفْظ «الْإِرَادَةِ» مُجْمَلٌ لَهُ مَعْنَيَانِ: فَيُقْصَدُ بِهِ الْمَشِيئَةُ لِمَا خَلَقَهُ، وَيُقْصَدُ بِهِ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَى لِمَا أَمَرَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ أَنَّهُ أَحَبَّ الْمَعَاصِيَ وَرَضِيَهَا وَأَمَرَ بِهَا، فَلَمْ يُرِدْهَا بِهَذَا الْمَعْنَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَلَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، بَلْ قد قَالَ لِمَا نَهَى عَنْهُ ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا شَاءَ الله خَلقَهُ فَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَكُونُ فِي الْوُجُودِ إلَّا مَا شَاءَه، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ يُرِيدُهَا وَفِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُرِيدُهَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ أَنَّهُ شَاءَهَا خَلْقًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا ولا أَمر بها، قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾. وَقَالَ نُوحٌ: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾، وَقَالَ فِي الثَّانِي: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾. وَقَالَ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ • وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا • يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾. وَقَالَ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
1 / 112