मिन नक़्ल इला इब्दाक तंज़ीर
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
शैलियों
وقد يقبل ابن رشد عرض الغزالي لحجج الفلاسفة وهو عرض في غاية البيان. ولكنه يرفض أمثلته التي تشوش عليه. يعطيه حقه في الفكر والاعتراض ويعترض على أمثلته الشارحة. يقول أبو حامد شيئا في غاية البيان ثم يضرب المثل فيشوش على القول. لذلك يرفض ابن رشد قياس العالم على الشرع وأخذ المثال الوضعي من الطلاق. كذلك لا يصح في الموجودات قياس الله على العالم. ويضرب الغزالي المثل بعلاقة الله بالعالم عند الفلاسفة بعلاقة الرئيس بالمدينة الفاضلة.
104
وبالإضافة إلى المنهج الجدلي الذي يستعمله ابن رشد ضد الغزالي، البحث عن الحقيقة سلبا عن طريق إيقاع الخصم في التناقض هناك أيضا المنهج البرهاني، البحث عن الحقيقة إيجابا اعتمادا على العقل وطلب اليقين ولجوءا إلى الفطرة السليمة. يعتمد ابن رشد على الذوق السليم وهو مرادف للعقل. فلا يعني العقل والمنطق الاستدلال فقط بل أيضا الحس السليم والفهم المشترك والبداهة. والفطرة هي السبيل إلى معرفة المعروف، مثل حاجة المريض إلى الدواء. ويتصف بها الفلاسفة وهم العلماء والراسخون في العلم الذين اطلعوا على الحقائق بالطريق البرهاني. والقول البرهاني أشبه بالمقدمات الهندسية التي يتسق بعضها مع بعض إن لم تكن لها شهرة الأقاويل الجدلية والإقناعية التي يتضارب بعضها مع بعض. وهما أضعف أنواع الكلام. ويستعمل ابن رشد ضرورة العقل والحس مثل ابن حزم. يزيح الشكوك، ويطلب اليقين، ويبتعد عن المشهور وأقوال الجمهور لأنها بعيدة عن البرهان. ومقدمات الجمهور قد تكون محمودة. ولكن سرعان ما يكتشف العقل أنها من قبل المستحيل مثل الأقاويل عن الخرافات والجن والمعجزات. والفرق بين الظن واليقين أدق من الشعر عند البصر.
105
وينقل ابن رشد العلم على مستوى النفس. ويميز بين ما هو داخل النفس وما هو خارج النفس. فالعدد موجود خارج النفس أو داخلها للأشياء الواقعة. أما الممكنة فلا عد فيها. والحقيقة أن العد داخل النفس وليس خارجها. الأشياء خارج النفس لا يعلمها أحد لأنها مدركة ولا توجد إلا كإدراك. وقد يقع الخطأ إذا ما توهم الإنسان أن ما بالنفس يوجد خارجها بالفعل مثل توهم النفس أن كل ما وقع في الماضي متناه وأن كل ما يحدث في المستقبل لا متناه. الزمان نفسه وهم أي في النفس وليس خارج النفس. القبل والبعد في المكان، والماضي والمستقبل في الزمان . يحلل ابن رشد الشعور لمعرفة ما هو داخل النفس وما هو خارج النفس، ما هو في عالم الأذهان وما هو في عالم الأعيان. الفوق والأسفل وهميان، والقبل والبعد حقيقيان. وقد أخطأ أبو حامد عندما انتقل من لفظ الفوق والأسفل إلى الوراء والخارج، وكذلك النهاية في الزمان غير النهاية في العظم. الأولى في النفس، والثانية خارج النفس. وهو أيضا من فعل الوهم، توهم أن العالم أكبر أو أصغر عما هو عليه.
106
وينقد ابن رشد الغزالي على ثلاثة مستويات: النقد الشخصي فيما يتعلق بنواياه ومستوى علمه، والنقد المنهجي لطرقه في التفكير وأنواع أقواله، والنقد الموضوعي في التصورات الفلسفية ذاتها. الأول أشبه بالمقدمات والثاني بطرق الاستدلال، والثالث بالنتائج.
وبالرغم من تسمية الغزالي بكنيته أبي حامد، والدعاء له «رضي الله عنه» سواء من المؤلف أو الناسخ إلا أن فكره كله يرجع إلى شخصيته ودوافعه ومقاصده وغاياته غير البريئة، وأحيانا يتحول النقد الموضوعي إلى سب في بيان الدوافع والأسباب وتحليل الشخصية ومزاجها وطريقة تفاعلها مع الظروف السياسية والاجتماعية. ونقد الفكر بنقد الشخص ناتج من أن العالم هو العلم، والعلم هو الدافع عليه. فالغزالي لا أخلاقي. علمه من الفلاسفة. فاقت شهرته، وعظم صيته ولكنه لم يراع مكانته كعالم في المجتمع. نابه موهوب ولكن ليس لخدمة الحق. قصده ليس معرفة الحق بل إبطال أقاويل الفلاسفة متعصب متحيز، مجادل متغرب، شتام هجاء سليط اللسان.
وهو إما شرير أو جاهل أو كلاهما معا. أحيانا يكون أقرب إلى الشر منه إلى الجهل. والعالم مبرأ من الصفتين. ومع ذلك قد يصدر عن غير الجاهل جهل، ومن غير الشرير شر. هو جاهل يسيء التأويل، وهو ما لا يليق بمثله. قد يكون فهم الأشياء على حقائقها وعبر عنها على غير حقائقها كما يفعل الأشرار. وربما لم يفهمها على حقائقها فيتحدث عما لا يعلم كما يفعل الجهال. فأبو حامد لا يخلو من احتمالين، شرير أو جاهل. ولما كانت قيمته أعلى من ذلك فإن لكل جواد كبوة. وكبوة الغزالي «تهافت الفلاسفة». ولعل السبب في ذلك عرض الدنيا ونزوات الزمان والمكان أي السلطة والمنصب. يرد ابن رشد الكتاب إلى ظروفه النفسية والاجتماعية والسياسية للكاتب. فالموضوع هو الدافع، والحقيقة في النفس. ليس الغزالي عالما مدققا. مهمته التشنيع على الجميع والتشهير بهم وكأننا في قضية إعلامية بلغة العصر. لم تكن غايته البرهان بل استثارة غضب الجماهير على الخصوم واستدعاء السلطان عليهم استثارة لحفيظة العامة والفقهاء. تتحكم في الغزالي أهواء البشر. أراد أن ينفي عن نفسه تهمة الانتساب إلى الحكماء فهاجمهم. ولم يستطيع مخاطبة الخاصة فتملق العامة. لم يستطع المعارضة فتقرب إلى السلطان، خضوعا لأهل الزمان ومصالح العصر. هو ملبس مدلس. يقصد الغلط لا الحق في حين أن الفلاسفة يطلبون الحق. أراد التشويش على الفلسفة فشوش على نفسه، والتشويش ليس من شجاعة العلماء. يكيل بمكيالين. إذا كان الفلاسفة موحدين يتهمون بالكثرة وإذا قالوا بالكثرة اتهموا بأنهم من أنصار الوحدانية. وفي كلتا الحالتين الفلاسفة متهمون، والاتهام قائم. نقد الغزالي للفلاسفة ليس بريئا لوجه الله. بل الباعث عليه هو الدفاع عن السلطة الدينية، سلطة الأشاعرة تدعيما للسلطة السياسية بالرغم من ادعائه أنه لا ينصر مذهبا مخصوصا على طريقة «يكاد المريب يقول خذوني».
107
अज्ञात पृष्ठ