मिन नकल इला इब्दाक तालिफ
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
शैलियों
42
وهي الرسالة الوحيدة المقسمة إلى أبواب (وفصول)، وعرض ملخصها سلفا، والموضوع هو حل الخلاف بين الفلاسفة القدماء حول طبيعة الممكن، وحله عن طريق «اقتصاص كلام أرسطو»؛ أي العودة إلى الأصول والتنبيه على مواطن الغلط ضد النافين له، وإيراد البراهين على إثباته، وبيان المستغلق من كلام أرسطو وتوضيحه. فالتمثل يعني إزالة الخلاف بين الشراح اليونان والذهاب من الأنا إلى الآخر، ثم توضيح الأصول ذاتها عند الآخر؛ فهو واجب تجاه الآخر قبل أن يكون واجبا تجاه الأنا. وحجة النفاة مأخوذة من كلام أرسطو من ضرورة صدق أحد النقيضين وكذب الآخر. نشأ الخلاف بين الفلاسفة القدماء ابتداء من كتاب العبارة لأرسطو باري أرمنياس. والخلاف بين القدماء هو: هل الجزئيات في الزمان المستقبل ممكنة أم هي ضرورية كلها؟ وحله باقتصاص كلام أرسطو الفيلسوف في حجة النافين للممكن، ثم إبطالها من غير زيادة أو نقص على «قصته». المعاني الكلية فيها الإيجاب والسلب؛ وبالتالي الصدق والكذب، وليست المعاني الجزئية. ويتم شرح ذلك تفصيلا حسب معانيه بتحليل ألفاظ الزمان مثل «الآن»، وألفاظ الحكم مثل السلب والإيجاب، وبيان مضمون بعض الألفاظ مثل الأمرين، ويعنيان الوجود والعدم. يرد أرسطو على النافين للممكن سلبا ثم يثبته إيجابا. ويشرح ابن عدي غرضه في فصل فصل من العبارة حتى يلم العبارات بقصدها. مواضع الغلط في حجج النافين هو عدم التمييز بين حال وجود الشيء إذا كان موجودا وحال وجوده على الإطلاق.
ويبدو التصور الديني في حجة نفي الممكن، وهو سبق العلم الإلهي، وهو علم ضروري خال من الممكنات، وهو ليس سببا عنصريا (ماديا) أو صوريا أو فاعلا أو كماليا (غائيا) أو أدويا (من أداة) أو مثاليا، وهو تحديد للموضوع عن طريق السلب لأنواع العلل الأرسطية أن تكون نافية للممكن. وعلم الله المسبق هي حجة المتكلمين لإثبات القدر ونفي الاستطاعة وخلق الأفعال. يحيل ابن عدي إلى رسالته في ماهية العلم؛ مما يدل على تكامل مشروعه الفكري. وتضرب الأمثلة بزيد وعمرو لبيان الفرق بين الماهية والوجود طبقا للأسلوب العربي. ويوصف الباري بجل اسمه، وتعالى عما يقوله الضالون. ويتم عرض الرسالة بتأييد الله ذي الجود والحكمة، ولي العدل وواهب العقل، وهي صفات الحكماء ونعوتهم لله. ويتم البحث بمعونة الله وحسن توفيقه بالتوكل على الله.
ثالثا: الكندي
(1) الرسائل الفلسفية والطبيعة (أ) نظرا لأن الكندي (252ه) أول الفلاسفة، ويمثل تحولا من الترجمة إلى التأليف، ومن الكلام إلى الفلسفة، ظهر «تمثل الوافد» لديه بوضوح. وأهم ما يميز تأليف الكندي، مثل «رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى»، انفتاحه على الوافد إلى أقصى حد؛ مما ساعده على تمثله، ونقده إلى أقصى حد؛ مما ساعد على تجاوزه، الانفتاح على الآخر والاستقلال عنه، تقريظ القدماء وتطويرهم، والتأكيد على أهمية الأوائل وتصحيح أقوالهم، ضرورة البداية بالسلف وضرورة استمرار الخلف، الجمع بين القديم والجديد، أو بلغة العصر بين الأصالة والمعاصرة. أهم ما يميز الكندي إذن هو الوعي التاريخي العام بتطور الحضارات، وإكمال اللاحق منها السابق. وكما لا تستطيع حضارة واحدة أن تصل إلى كل شيء، كذلك لا يستطيع فرد واحد أن يعرف كل شيء. ومن هنا أتت ضرورة التكامل والتراكم والتعاون بين الحضارات؛ فكل حضارة لها المبرزون والعاديون. ونظرا لعدم استطاعة إنسان واحد بعمره القصير وجهده المحدود الوصول إلى الحقيقة، لزم تضافر الجهود، وتراكم الأعمار، ومساهمة الأجيال، وتعاون الأمم، وتكامل الحضارات. هناك شركة بين الحضارات وألفة بين الشعوب. وتتحقق هذه الوحدة الحضارية من خلال العمل . تتعاون الأمم حضاريا فيما بينها، ويساهم كل منها بدوره في صياغة حضارة إنسانية شاملة واحدة. يحدث التراكم الحضاري من أجل التقدم البشري. البشرية كلها مشروع بحث عن الحق والكشف عنه، ومساهمة كل أمة في هذا المشروع دون مركزية لإحداها، أو عنصرية لقوم، أو إجحاف لحق الأمم الأخرى، بل الاعتراف بدور الأمم السابقة وفضلها بالدفاع عنها. كل أمة تكمل الأمم السابقة، ما نقص عندها. هناك تكامل بين الأمم، وليس الهدم أو الإنكار المتبادل. مهمة المحدثين إكمال ما ترك القدماء ناقصا في نظرة كلية شاملة؛ فالأجزاء فيه تتجه نحو التكامل، والكل يضم الأجزاء فيه.
1
الخلاف بين الحضارات في اللسان، وليس في الفكر، أو في البحث عن الحق وطلبه، أو الوصول إليه؛ لذلك لزم شكر القدماء والاعتراف بفضلهم؛ إذ لا يمكن ذم من كانوا أحد أسباب المنافع الكبرى والصغرى، حتى وإن قصروا عن الحق فإنهم شركاء فيه بما أفادوه من ثمار فكرهم التي استفاد منها البشر جميعا. لم يستأثر شعب بالحق كله، بل ساهم في معرفته الجميع؛ فالشكر لهم جميعا للصغير والكبير لمن ساهم بالقليل وبالكثير؛ فلولا القدماء لما كان المحدثون، والحق فوق الأمم والشعوب، ولا يضير الحق أن يعلن من الأمم البعيدة والأجناس القاصية، وكأن الكندي يعبر عن آية
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .
2
بداية الوعي بالتاريخ هو البداية بالقدماء وإكمالهم، والتحول من النقل إلى الإبداع.
अज्ञात पृष्ठ