मिन नकल इला इब्दाच शरह
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
शैलियों
ويزداد التراكم الفلسفي في «شرح البرهان». ويأتي الفارابي المعلم الثاني في الصدارة ثم ابن سينا ثم ابن باجه ثم متى بن يونس والمتكلمون من كل ملتنا.
28
ويكشف عن أثر جيل المترجمين والشراح الأوائل على فهم أرسطو في عصر ابن رشد؛ لذلك يتكلم عن الالتباس الذي حدث في زمانه. فابن رشد يبدأ من الحالة الراهنة في عصره لفهم كتب أرسطو. ويعيد تصحيح هذا الفهم بالعودة إلى الأصول الأولى كما هو الحال في مناهج التفسير وعلم الأصول.
لقد ظن الناس أن ما أتى به أبو نصر ناقص في أرسطو وهو موجود. فأرسطو كامل لا ينقصه شيء، ويحيل ابن رشد إلى باقي أعماله المفردة العارضة ربما للموضوع وليست الشارحة له. لقد أخطأ الفارابي في اعتباره إيساغوجي جزءا من المنطق لأنه جزء عام مشترك بين الحدود مع أن إيساغوجي لا ينظر في الحدود من جهة أنها موجودات بل تصورات. فابن رشد أقرب إلى أرسطو لأنه لا يعتبر إيساغوجي جزءا من المنطق. إيساغوجي يتعامل مع التصورات، والأجناس والأنواع، وليس مع الموجودات مما يدل على واقعة ابن رشد، أما الفارابي فقد أراد أن يصوغ أجزاء المنطق في مذهب متكامل. فأدخل إيساغوجي كتب المنطق ليقدم منطق أرسطو كاملا متكاملا. كان الفارابي ضروريا في البداية وابن رشد ضروري في النهاية. قسم الفارابي الكتاب إلى أربعة أجزاء غير ما أجمل أرسطو من أجل شرحه وبيانه كما هو الحال في المنهج الأصولي، بيان المجمل وتخصيص العام.
29
ولا يعارض ابن رشد الفارابي على طول الخط كما يفعل في كثير من الأحيان مع ابن سينا ولكنه يستشهد به أحيانا على حسن فهمه لأرسطو؛ ومن ثم يكون ابن رشد هو الشارح للفارابي والمراجع على فهمه وليس التابع له أو المستمد علمه منه. يستشهد به في شرحه بعبارة لأرسطو تحتوي على عرض الكتاب كله. ويدرك ابن رشد الخلاف بين أرسطو والفارابي؛ فالفارابي يجعل القضية عامة للتصديق والتصور وأرسطو يجعلها من مواد التصديق فقط وليس التصور. في هذه الحالة الشرح هو تعميم الخاص وليس تخصيص العام، الضم والتجميع وليس التفصيل والتجزيء. ويقارن أحيانا ابن رشد شرحي الفارابي وابن سينا مع أرسطو لمعرفة أيهما أصدق كما يفعل القاضي عندما يحيل النزاع بين متخاصمين بالرجوع إلى الشيء ذاته. وينتهي ابن رشد بالمصالحة عن طريق الجمع بينهما، وجعلهما رأيين في موضوع واحد على جهتين مختلفتين؛ فالحد الأوسط للموجود الأعظم والأصغر ليس الأصغر فقط كما يريد ابن سينا أو الأكبر فقط كما يريد الفارابي. فالشروح كلها ظنون ولا تطابق يقين أرسطو. وينقد ابن رشد الفارابي في أنه ليس من شرط الجنس المأخوذ في حد المحمول ألا يكون متعديا جنس الصناعة لأن ذلك غلط. فتعميم الفارابي أحيانا يضر بالخاص الذي يتمسك به ابن رشد. العام للأفهام، والخاص للعلم. العام لتقديم نسق أرسطو تقديما فلسفيا، والخاص لفهمه فهما علميا، كما يخطئ الفارابي في ظاهر قوله إن المحولات في كل برهان أحد صنفي العمل. فابن رشد يحترس من الحكم على الفارابي ويحكم على الظاهر في قوله، فقد يكون له تأويل آخر. وقد يوقع ابن رشد الفارابي في تناقض إذا ما جعل الفارابي كل واحد من الأسباب الأربعة تؤخذ حدودا في البراهين المطلقة وجعل في نفس الوقت الحمل البرهاني صنفين، المحمولات في حدود الموضوعات، والموضوعات في حدود المحمولات. والحقيقة أنه لا تناقض هناك لأن منطق التناقض يقوم على وضع أجزاء الكلام في مقابل بعض البرهان دون إحالته إلى الواقع نفسه الذي قد يكون الكلام تصويرا لجهاته المختلفة. كما ينقد ابن رشد الفارابي في خروجه على أرسطو. فعند أرسطو ليس كل ذاتي ضروريا وعند الفارابي ليس كل ضروري ذاتيا، والحقيقة أن الفارابي يغلب أرسطو من أجل إتمام الجزء بالكل، ورؤية الموضوع من وجهة نظر أخرى، واستبدال الموضوع بالمحمول.
30
إن شرح الفارابي لأرسطو يجعله أكثر تخصيصا من عموميته؛ فالمحمول الأول في البرهان لا يحمل على جنس الموضوع عند الفارابي، وعند آخرين العكس. ويحيل ابن رشد إلى باقي مؤلفات الفارابي المنطقية مثل كتاب «المحمول الأول» المفقود مما يدل على أن ابن رشد يدرس الموضوعات ولا يشرح الأقوال، وأن ما يعتبره ابن رشد ظنونا عند الفارابي هي محاولة من الفارابي لقراءة أرسطو من أجل الخروج من مذهبه اللفظي الظاهر إلى نسقه المعنوي العام. يبين الفارابي المجمل كما هو الحال في علم الأصول. ويريد ابن رشد العود إلى الأصول وهو منهج أصولي آخر. عند الفارابي المحمولات البرهانية بها خاص وبها ما هو غير خاص، منها أول ومنها غير أول. في حين اشترط أرسطو الحمل الكلي في البراهين ثم يرد ابن رشد الاعتبار للفارابي جاعلا شرط أرسطو على جهة الأفضل لا شرطا ضروريا بمنهج القاضي وبطريقة المصالحة بين الخصمين.
31
وفي كثير من الأحيان يجمع ابن رشد طريقة أرسطو وطريقة الفارابي كوجهين مختلفين لموضوع واحد . فأرسطو يمثل الأفضل، والفارابي يمثل الضروري لتحويل حكم القيمة إلى حكم الواقع، والانتقال من الضرورة القيمية إلى الضرورة المنطقية. وقد اكتشف ابن باجه من قبل أن قصد أرسطو وقصد الفارابي مختلفان. فعند أرسطو الحدود بالقوة وعند الفارابي الحدود بإطلاق؛ لذلك اختلفت الشروط عند كل منهما، عند أرسطو على الأفضل وعند الفارابي على الضرورة. وكان ابن رشد قد اعتقد مثل ابن باجه بالجمع بين الموقفين، ولكنه عدل في النهاية، وفضل أرسطو على الفارابي. فقد أصاب أرسطو وأخطأ الفارابي حرصا على الأصول وصحة النقل والتزاما به قبل أن يتحول إلى إبداع عند الفارابي، كان سبب خطأ الفارابي هو تبعيته لثامسطيوس لإدخاله الجنس في العمل أي حمل الجنس على النوع وهو تناقض. وهذا هو الذي جعل الفارابي يرسم المحمول الأول بخلاف أرسطو. كما أخطأ الفارابي في إطلاق المقيد بتعبير الأصوليين؛ فقد حول الموضع البرهاني إلى إقناعي في كتابه في التحليل. ويحيل ابن رشد إلى باقي أعمال الفارابي المنطقية مما يدل مرة ثانية على أنه يدرس الموضوع ولا يشرح القول، والمناسبة عند أرسطو هي الذاتية، وعند أبي نصر تنقسم إلى جنس الصناعة. وهنا يقوم الفارابي بتقييد المطلق وليس بإطلاق المقيد. كما يورد الفارابي احتمالات عديدة، يسلم بوجود صناعتين نظريتين في مطلب واحد ولا يسلم بوجود حد أوسط، وهو ما يظنه ابن رشد تناقضا. والفارابي لا يهمه التناقض بقدر ما يهمه عرض شامل لمذهب أرسطو.
अज्ञात पृष्ठ