ولكنه لم يقنع بسعادة ليلة، وعاد يتعرف القاهرة من جديد؛ القاهرة التي فتنته قبل أن يراها، والتي ذاق فيها من ألم الحرمان أكثر مما ذاق من لذة الوهم، وراح ينتقم لشهوات نفسه التي قمعها على ألم وضيق عاما وبعض عام ...
ونفدت دراهمه ...!
لم تجر سفينة الشيخ متولي مجراها كما كانت، فركدت ريحه، وأدبرت أيامه، وعادت الحياة تقتضيه مضاعفة الجهد وبذل الموفور.
وجلس إسماعيل مع أبيه ذات يوم صائف بباب متجره، ومر بائع النصيب، وتحلب لعاب الفتى وطارت أمانيه إلى هناك، إلى القاهرة وليالي القاهرة، وإلى فلانة وصواحب فلانة، ولكنه أفاق من حلمه حين رأى ذراعه إلى ذراع أبيه ...!
والتفت فإذا بائع اليانصيب لم يزل واقفا، وإذا أبوه يخرج من جيبه ورقات يكشف بينها عن بخته، ثم يمزقها ويلقيها، وإذا هو يشتري غيرها فيطويها ويجعلها في جيبه ليضم صدره على أمل جديد ...
ونهض الفتى من مجلسه ليخفي ابتسامة ساخرة ويرد إلى فمه كلمات تحاول أن تفلت ...
لم يعد الشيخ متولي يسأل نفسه: من أين اجتمعت هذه الجنيهات التي يحاول أن يشتريها بالقروش ...؟ فلعله كان يعلم أنها اجتمعت من قروشه الكثيرة التي أداها هو إلى باعة البخت، منذ تعلم أن يحاول شراء البخت بالمال ... منذ ربح ولده ...
وضحك «إبليس» من الشيخ متولي وهو يمزق الأوراق ويشتري غيرها، وقال لشيطان صغير وهو يعلمه: انظر هذا الأبله ... ما أرسلت إليه ابنه إلا برسالتي، فقد علقته الحبالة! حسب الإنسان الضعيف أن أريه الحرام مرة، فهذا أول عملي في طبيعته ...
قال الشيطان الصغير: ثم بعد ذلك ...؟
قال المعلم: بعد ذلك - أيها الأبله - طبيعته ...!
अज्ञात पृष्ठ