وهل كانت خواطرها تخيل لها هذا المصير الذي بلغته، يوم كانت تجلس مجلسها من الصف الأخير في حجرة الدراسة؟
وهل ... وهل عرف من عرف، كم بين الدرس الأول والدرس الأخير ...؟ وأين ما بدأ مما انتهى ...؟
وانفض السامر، وتهيأ أهلي للانصراف ومازلت في مجلسي أفكر، حتى خف الزحام فنهضت، فإني لألتمس طريقي إلى الباب إذ حانت مني التفاتة فرأيت، فتنحيت عن طريقي، وقلت للتي بجانبي: «تفضلي» وكانت سيدة ورجلها وبينهما طفل، أما السيدة فأعرفها، فما تخفى علي ملامح تلميذة من تلميذاتي مهما باعد بيننا الزمان، وأما الرجل فزوجها، هكذا يعرف كل من يراه ويراها، وأما الطفل ... ... هذه فتاة أخرى من تلميذاتي تبرز لعيني فجأة بعد غياب سنين ... «هذه» واحدة و«تلك» واحدة ...
ليت «تلك» التي توارت خلف الستارة منذ قريب قد رأت ما رأيت لعلها تعلم ماذا باعت وما اشترت!
وشيعت «الأسرة السعيدة» بعيني، ثم ارتد نظري إلى الوراء لأشيع الأخرى ...
وكأنما اجتمعت لي هاتان الصورتان في زمان ومكان ليشغلني أمرهما من بعد ما يشغلني، فلا أزال أسأل نفسي كلما حضرتني الذكرى: «أيهما خير ...؟»
إنه أخي ...
كان المطر ينهمر، والريح العاصف تقذف قطرات الماء إلى وجوه المارة وثيابهم فتغمض عيونهم، وهم يسيرون على حيد الطريق في حذر ورقبة؛ خشية أن تنزلق أقدامهم فيتدحرجوا في الوحل، والسيارات منطلقة براكبيها من ذوي اليسار والنعمة، تقذف عجلاتها رشاش الماء على جانبيها فيصيب وجوه الناس وثيابهم، لا يكادون يدفعون عن أنفسهم شيئا مما تقذفهم به الأرض أو تنالهم به السماء!
وكان الليل في أوله ...
وفي منعطف يفضي إلى أربعة بيوت في حي «شبرا»، كان فتى دون الثلاثين واقفا تحت السماء وقفة مرتقب وعيناه معلقتان بنافذة مغلقة، لا يزيد على أن يرفع إليها عينيه حينا وإلى الطريق العام حينا آخر، وهو واقف، والساعات تمضي، والمطر ينهمر، والريح تلطم وجهه بقطرات الماء، وفي يده ورقة مطوية ...
अज्ञात पृष्ठ