وضحكت ثم أردفت: «وأحسب خديجة قد اقتنعت ببعض ما قلت فوعدتني أن تكتب إليه!»
وفاءت خديجة إلى نفسها حين جاء اسمها في عرض الحديث، فقالت معجلة: «ماذا؟»
قالت صاحبتها ضاحكة: «أين كنت ...؟ آه، لقد نسيت أن أخبرك أن خطيبة أخي «كامل» اسمها خديجة أيضا، كاسمك ... فلعلنا منذ اليوم في حاجة إلى أن نقول: خديجة الأولى، وخديجة الثانية؛ كما يتعاقب الملوك في الدولة على اسم مشترك!»
وضحكت ثانية، وضحك صواحبها كما ضحكت، وانفرجت شفتا خديجة عن شيء يشبه الابتسام، ولكنهما ظلتا منفرجتين، وزاغت عيناها ودارت بها أرض المكان، ثم استمسكت ... وأطبقت شفتيها على السر ...!
ووضحت الحقيقة كاملة لعين الفتاة وعرفت، واستيقظت من الحلم الرائع الذي عاشت منه عمرا سعيدا في أيام ...
وانصرف صواحبها، ونهضت متثاقلة إلى غرفتها لتفتح حقيبتها فتخرج الرسالة التي ضلت طريقها إلى صاحبتها لتضل هي بها ... ونظرت إليها نظرة حزينة منكسرة ثم دفعتها إلى النار وتهاوت على مقعدها خائرة! ... وصفا ما بين الحبيبين وفاء قلباهما إلى الرضا، وتحطم قلب ثالث ...
وكانت خديجة في بعض الطريق ذات مساء، حين أبصرتهما يمشيان ذراعا إلى ذراع، فأتبعتهما عينيها في ألم ولهفة، ثم دارت على عقبيها ورجعت من حيث أتت.
وعادت إلى أطفالها الذين كانوا؛ تلتمس بينهم العزاء والسلوى، فما وجدت أطفالها ولكن أطفال الناس.
واستنجدت أمومتها، فإذا أمومتها التي كانت عدتها من قبل في تأليف هؤلاء الصغار هي أمومة الأثر الغيران الذي يتشهى ولا يجد، ويرجو ولا يرى سبيلا إلى تحقيق الرجاء.
ونظرت فإذا طفل يهمس في أذن رفيقه، فابتسمت، ثم قطبت، ثم مدت يدها إليهما بالعصا!
अज्ञात पृष्ठ