بفرسه عدْوًا لا يدع معه مجالًا لسابق ولا شأوًا للاحق، وأنه وأنه ... وهو لم يركب فرسًا قط! أما أنا فقد علمت عجزي، ورحت أتمثل مصرعي تحت سنابك فرس الشاعر الفارس وأن الأمة ستخسر بموتي فردًا منها ويربح الأدب قصيدة في الرثاء جديدة، أحسب صاحبي الشاعر لا يضنُّ عليّ بها وقد منحها الدجاجة.
وقفنا على مفترق الطرق ننظر، وكلما هبَّ غبارٌ قلنا هذا غبار الموكب الذي جاء لاستقبالنا، ولكن الانتظار طال ولم نبصر إلاّ راكبًا على دابة عجفاء قد ارتفع لنا في الأفق. فرقبناه حتى إذا ما اقترب منا سألناه: هل أبصرتَ موكبًا طويلًا عريضًا فيه خيول مطهَّمة وسروج حسنة وحلية مذهّبة؟
فقال: والله ما أفقه حديثكم، وما أريد إلاّ أن تدلّوني على أستاذنا الجديد.
قلنا: ومن أنت حفظك الله وأكرمك؟
فقال: أنا حارس حلبون.
فقلنا: تشرفنا بك يا حضرة حارس حلبون، هذا هو الأستاذ ونحن ...
فولاّنا ظهره، قصم الله ظهره! ولم يرد أن يعرف مَن نحن، ولكن الشاعر لحقه يقول له: أنا ... أنا ... نعم، أنا الشاعر.
وخجل الأستاذ منا، وحار في أمرنا، فعزمنا على الذهاب مشيًا. وكنت قد أقسمت على الشاعر أن يصحبنا، ليسلينا أحياء ويرثينا أمواتًا.
1 / 84