आकीदा से क्रांति तक (2): तौहीद
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
शैलियों
كما يوجد التضاد أيضا في الانفعالات الإنسانية التي يمكن تصنيفها أيضا إلى انفعالات إيجابية وانفعالات سلبية. فهناك الشجاعة والجبن، الجرأة والخوف، الإقدام والإحجام، الرضا والسخط، المحبة والكراهة، الكرم والبخل، التواضع والغرور. وهو ما حاول الصوفية والأخلاقيون تصنيفه والاعتماد عليه في ترقي الروح والاتحاد بالذات المؤله. ويوجد التضاد أيضا في الذهن الإنساني في مقولاته عن الضد والعكس والقلب والمعارضة والقابلة والتناقض. فلكل قضية عكس، ولكل تصور ضد، ولكل شيء مقابل. والذهن هنا تابع للإحساسات بالأشياء وبالانفعالات الإنسانية. ويقدم مقولاته للتعبير عن بناء الواقع أو بناء الشعور. ويعم التضاد شتى النواحي الإنسانية. ففي الأخلاق المثالية يوجد التناقض بين الكرم والبخل، بين الشجاعة والجبن، بين الصدق والكذب، بين التضحية والخيانة، بين الغيرية والأنانية، وهو ما يسمى بقائمة الفضائل وقائمة الرذائل. وفي الجمال هناك الحسن والقبيح، العقلي والذهني، الروحي والحسي، الصوري والمادي. وفي الدين هناك الحلال والحرام، الخير والشر، الحسنة والسيئة، النفع والضرر، النفس والبدن، الآخرة والدنيا، الملاك والشيطان، الجنة والنار، الإيمان والكفر، الثواب والعقاب. وهو ما وضح في الأخلاق القديمة وتصنيف الفلاسفة للفضائل والرذائل. كما يوجد التضاد في الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فهناك الفقر والغنى، العبد والسيد، الثورة والثورة المضادة، العامل وصاحب رأس المال، التحرر والاستعمار، التقدم والتخلف، النهضة والسقوط، وهو التضاد الغالب في هذا العصر. وكل محاولة لإلغاء التضاد هي محاولة للقضاء على مصدر الحركة في الحياة الإنسانية وفي التاريخ. ولا يكون هذا الإلغاء بأفكار الوسط والتوازن والمصالحة والتحالف والاتحاد والوحدة إلا لصالح الوضع القائم خوفا من تطور الواقع تطورا طبيعيا لصالح الطرف الغائب المقهور.
وقد ظهر هذا البناء الشعوري في كل القضايا التي يعبر بها الإنسان عن آماله وطموحاته أو عن فشله وإحباطاته. وهي العبارات التي اخذ في المجتمع المتدين معاني دينية، بل وتكون علما هو علم الكلام أو علم العقائد. فلو قمنا بإحصاء شامل لكل ما قيل عن الله، وما صدر من عبارات وقضايا تجعل الله موضوعا في قضية أو مبتدأ في جملة فإنها لا تتعدى نوعين من القضايا: الأولى قضايا إيجابية مثل الله موجود، الله عالم، الله قادر، الله حي، سواء كان المحمول من أوصاف الذات الست أو من الصفات السبع أو من الأسماء التسعة والتسعين، وفي هذا النوع من القضايا يوصف الله بصفة في صيغة الإثبات. والثاني قضايا سلبية مثل الله غير معدوم أو غير حادث أو غير فان، أو ليس في محل، أو مخالف للحوادث، أو ليس اثنين أو ثلاثة إذا ما نفينا أضداد أوصاف الذات. أو أن الله ليس جاهلا، وليس عاجزا، وليس ميتا، وليس أصما، وليس أعمى، وليس أبكما، وليس خاضعا للأهواء إذا ما نفينا أضداد الصفات السبع. أو ليس ظالما، وليس قاسيا، وليس حربا، وليس مقهورا، وليس صغيرا، وليس ناسيا، وليس بخيلا ... إلخ إذا أخذنا أضداد أسماء الله التسعة والتسعين. في العبارات الأولى نثبت له صفات الكمال، وفي العبارات الثانية ننفي عنه صفات النقص. ولا يوجد طريق ثالث كما هو معروف في الفكر الديني، وهو طريق التمثيل. فالحديث عن الله بطريق القياس وضرب الأمثال وشتى أنواع المجاز والاستعارة والكناية هي صور فنية ترجع في حقيقة الأمر إلى النوعين السابقين من القضايا، القضايا الموجبة والقضايا السالبة، القضايا المثبتة والقضايا المنفية. «فالله نور» مجاز ولكن الصياغة قضية موجبة. وكذلك «الله ليس ظلاما» مجاز ولكن صياغتها قضية سالبة.
وقد عرف القدماء هذين النوعين من العبارات أو القضايا فيما يسمى بطريق التشبيه وطريق التنزيه. يثبت الطريق الأول لله صفات الكمال وينفي الطريق الثاني عن الله صفات النقص. الآيات الأولى آيات الإثبات، والآيات الثانية آيات السلوب. وظلت التمرينات العقلية مستمرة على هذا النحو في صياغة العبارات بهاتين العاطفتين، عاطفة إثبات الكمال وعاطفة نفي النقص. وقد جمعتهما الآية البليغة:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . فالأولى سلبية والثانية إيجابية، الأولى نافية والثانية مثبتة. ولما كان السلب أولا كان أساس الإيجاب وسابقا عليه، فالشعور يبدأ نافيا وينتهي واضعا كما هو الحال في الشهادتين «لا إله إلا الله». العبارة الأولى «لا إله» نافية، والثانية «إلا الله» مثبتة. لقد أوجزت هذه الآية المشهورة طريقي السلب والإيجاب على ما هو معروف في تاريخ الفكر الديني. ف
ليس كمثله شيء
تعبير عن التنزيه الذي هو في الحقيقة رغبة في التعظيم والإجلال في صياغة عقلية، وهو أيضا معنى التعالي. كل صياغة للمؤله فإنه يند عنها لأنه أعلى وأعظم وأجل من أية صياغة بشرية. وهذا الطريق السلبي هو الأسلم عادة تجنبا لكل تشبيه أو تجسيم، وهو في الحقيقة نفي لجميع الصفات الحسية التي يرمز إليها الشيء. وهي الصفات التي يعتبرها الشعور نقصا وعيبا، ولا تليق للتعبير عن العظمة والجلالة استقاها الإنسان من العالم ونفاها عن المؤله.
58
والجزء الثاني
وهو السميع البصير
يشير إلى الطريق الإيجابي في إثبات الصفات، وهي مجموع المثل الإنسانية التي عجز الإنسان عن تحقيقها، فأسقطها إلى أعلى على المؤله وتأملها إعجابا ثم عبدها وقدسها تشخيصا. فالصفات كلها سواء كانت إيجابية أو سلبية، صفات نفس أو صفات فعل هي إسقاطات من الشعور تدل على موقف الذات أو موقف الجماعة. فالولاية والعداوة تدلان على موقف إنساني خالص يتحدد فيه الشعور بعاطفتي المحبة والكراهية أو يتحدد فيه الشعور الجماعي بالنسبة للجماعات الأخرى فيقسمها إلى جماعة مؤمنة وأخرى كافرة أو إلى دار إسلام ودار حرب. ثم يسقط هذا البناء النفسي كله على المؤله المشخص. وغالبا ما يكون ذلك لمصلحة الفرد أو الجماعة. فالمؤله المشخص يواليها ويعادي سواها. يخلق الإنسان جزءا من ذاته، ويؤلهه، أي أنه يخلق المؤله على صورته ومثاله. فهو يؤله أحلامه ورغباته ثم يشخصها ويعبدها. فالمعبود دليل على العجز، والمقدس قرينة على عدم القدرة. القادر لا يعبد ولا يقدس، بل يعمل ويحقق خططه وأهدافه. فإن عجز تسربت طاقته بتحقيق ذاتي خالص، فيتصور خططه وأهدافه وأمانيه وقد تحققت بالفعل. والتحقق بالفعل في نطاق الذات وبالخيال هو التشخيص. فتتحول العبادة إلى معبود، والفعل إلى مفعول، وتنشأ الذات التي تستقبل بعد ذلك بسهولة عديدا من الصفات، وتكون مشجبا يسهل عليه تعليق باقي الأماني الإنسانية التي لم تتحقق. وتصبح الذات الإلهية صورة للإنسان الكامل. قد يكون التعبير من الصوفية ولكنه في الحقيقة يصدق أيضا على ما انتهى إليه القدماء في التوحيد. فإن اختيار باقة من الصفات المطلقة ووضعها معا في صورة معبود تشير إلى أن الإنسان إنما يؤله نفسه بعد أن دفع نفسه إلى حد الإطلاق. فالذات الإلهية هي الذات الإنسانية في أكمل صورها.
अज्ञात पृष्ठ