मिन अकीदा इला थावरा (4): नुबुव्वत - माअद
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
शैलियों
أما فيما يتعلق بالشفيع وهو الرسول، فإن شفاعته تأتي بطلب الناس بعدما يتقاعس الجميع، ويرفض باقي الرسل؛ إذ يسأل الناس الرسل، فيعتذرون ولا يتقدم إلا سيد الخلق، فيقول أنا لها، ويسجد ويشفع؛ فهو الذي يتصدر الجمع، ويسبق الرسل، ويشهد على جميع الشهداء.
25
وللرسول شفاعتان: شفاعة خاصة وشفاعة عامة. الأولى لمن يستحق من مرتكبي الكبائر، والثانية مقام محمود للناس جميعا. إذا كانت الأولى نوعا من الاستحقاق، فالثانية نوع من التفضل، لا يبدأ الرسول في طلبها إلا بعد أن يسجد، فإذا أذن له الله شفع من أسعد الناس بها، ولا تكون لمن أشرك بالله.
26
فإذا كانت الشفاعة الصغرى خاصة لأهل الكبائر، فإن الشفاعة الكبرى تكون لكل من دخل في قلبه ذرة إيمان، بل لكل مخلوق من البشر إنقاذا له من هول الموقف. فإذا كانت الصغرى زيادة على التوبة، فإن الكبرى قضاء على الاستحقاق كلية، وتغليب للنظر على العمل. وكيف تكون الشفاعة من هول الموقف والحساب لم يتم بعد، وكأن الشفاعة هنا ضد الحساب؛ أي مناقضة لتطبيق قانون الاستحقاق؟ وقد تكون للنبي شفاعات أخرى غير هاتين الشفاعتين، يكثر من ذكرها الخيال الشعبي الذي ينطلق لتحديد زمانها ومكانها وأشخاصها كلما زاد الإحساس بالبطولة الفردية، واشتدت حاجة الإنسان إلى مخلص بعيدا عن فعلهم وخارج أنفسهم.
27
وكيف يشفع الرسول لغيره وهو نفسه بشر ينطبق عليه قانون الاستحقاق، وهو نفسه محاسب مثل غيره من البشر؟ كيف يكون له هذا القدر من الشفاعة وهو أيضا محكوم عليه وليس حاكما، وهو متهم وليس قاضيا؟
والأخطر من ذلك كله هو تعميم الشفاعة لغير الرسول؛ وبالتالي لا تصبح خاصة به وحده وميزة له باعتباره آخر الأنبياء والمرسلين، وتصبح عامة للملائكة والأبناء والرسل والأولياء والصحابة والشهداء والعلماء وصلحاء الأمة والمؤمنين ولكل الناس على قدر منازلهم والفقراء وأطفال المؤمنين. إن تعميم شفاعة النبي له ولغيره يقضي على الخاص فيصبح عاما؛ وبالتالي يضيع كلية قانون الاستحقاق، ووقوع الجزاء طبقا للأعمال، كما أنه يسقط شفاعة النبي كخصوصية له، وهو القصد من الشفاعة، بل إنه ينفي الشفاعة كلية طالما غاب القصد منها، وتوقف معناها الأول، كما أن تعميم الأوقات والأماكن والأشخاص هو قضاء على وقت الحساب وخصوصية المكان وأصحاب الكبائر. وإن إثبات الشفاعة في الدنيا ولكل الناس ليجر إلى الوساطة والمحاباة والتحيز، ويقضي على العمل، وهو أساس الاستحقاق في الدنيا. وكيف تكون الشفاعة لملك والملك غير مكلف أساسا، والإنسان أعظم منه؟ وطبقا لأي مقياس سيشفع الملك؟ كيف نشفع الملائكة في البشر؟ أليس الإنسان أفضل منها بتقبله الأمانة؟ ألم تسجد الملائكة لآدم؟ ألم تعارض الملائكة إرادة الله كما فعل إبليس؟ وهل الملائكة لها رسل وتكليف، خاطبها الله ونادى عقلها واستثار حريتها كما فعل مع الإنسان؟ لا يشفع للإنسان إلا عمله؛ فالاستحقاق أحد مظاهر التكريم. وهل يشفع نبي لنبي آخر مثله؟ وإذا كانت الشفاعة لصاحب الكبيرة، فهل من الأنبياء من ارتكب الكبائر؟ وإذا كان قد حدث فلماذا يشفع للنبي ولا ينال استحقاقه ثوابا بحسناته وعقابا بسيئاته، وهو بشر، أسوة بباقي البشر؟ أليس محمد سيد المرسلين وخاتم الأنبياء والشفاعة خاصة به وتكريم له؟ كيف يشفع له نبي آخر وهو شاهد الشهداء، «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا»؟ وكيف يشفع موسى وهو الغاضب الكاره؟ كيف يشفع نوح وهو اللاعن المدمر؟ كيف يشفع عيسى وهو الحنون القابل لكل الشرور والآثام عن رضا وطيب خاطر؟ كيف يشفع يحيي وهو المقطوع الرأس؟ كيف يشفع النبي وهو يستسلم للقضاء، ويرى أن كل ما يقع من شرور في العالم إنما يتم بإذن الله وبكامل إرادته ومشيئته؟ وهل يشفع الأولياء؟ ألا يضع ذلك الأولياء في مصاف الأنبياء والرسل والملائكة؟ وما مقياس صدق الولاية؟ لقد فرق الفقهاء من قبل بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن؛ من أجل التفرقة بين الكذب والادعاء والسحر والشعوذة، وبين الولاية الحقة. وهل هناك ولاية أساسا؟ أليس ذلك إدخالا لعلوم التصوف في علم أصول الدين؟ إن الاعتماد على شفاعة الأولياء هو تدمير للعقل وللفعل، وهما دعامتا قانون الاستحقاق. وهل تشفع الصحابة وهم أولى بالشفاعة؟ وهل الصحابة في مكانة الملائكة والأنبياء والرسل كشفعاء؟ ألا يخطئ الصحابة ويصيبون؟ الصحابة محاسبون مشفوع لهم مثل غيرهم. كيف يكون المشفوع له شفيعا؟ وهل يشفع عمر إن شفع عثمان؟ ومن يشفع لأبي سفيان؟ وهل يشفع عمر لخالد بن الوليد أو خالد بن الوليد لعمر؟ وهل يشفع الشهداء؟ إن الطليعة قد ضحت بنفسها، وطالما حاولت تجنيد الجماهير معها. فبعد ذلك هل تشفع الطليعة في الخانعين والهابطين والمثبطين والقاعدين والمخلفين الذين اثاقلوا إلى الأرض؟ هل يشفع الشهداء فيمن أعطاهم الشهادة؛ القتلة والظلمة والحكام والسلاطين؟ صحيح أن منزلة الشهادة في منزلة النبوة، ولكن الشهادة عمل، فكيف يشفع العامل فيمن لا عمل له؟ وهل يشفع العلماء؟ والعلماء عكس الشهداء؛ هم أصحاب نظر، والشهداء أصحاب فعل. ألا يعطي ذلك أولوية للنظر على العمل، أو على الأقل يكون النظر مساويا للعمل؟ صحيح أن النظر قيمة، ولكن العمل قيمة أعظم. كيف يشفع العلم للجهل، والمعرفة للشك، واليقين للظن؟ ألم يخش العلماء غير الله، فباعوا علمهم على موائد الحكام؟ وهل يعمل كل العلماء بعلمهم، أم إنهم هم العاملون وحدهم؟ وهل يشفع اجتماع النظر والعمل في أحد أجزائه؛ أي النظر وحده أو العمل وحده؟ وهل يشفع صلحاء الأمة وأتقياء القوم؟ وهل يشفع الأصل في الأقل صلاحا؟ ألا يمنع ذلك الصالح أن يكون أصلح ما دام الأصلح سيشفع له، وما فقده الإنسان في الدنيا يجده في الآخرة، وما لم يحصل عليه في البداية يحصل عليه في النهاية؟ وهل يشفع المؤمنون بعضهم لبعض وكأن الأمر مجاملة، أو بتعبير شعبي «شيلني وشيلك»؟ وكيف يشفع مؤمن لنبي، ويشفع الأقل درجة للأعلى درجة؟ هل المؤمن أعلى درجة من النبي؟ هل يشفع أحد من الصحابة وهم في ذروة الإيمان لمحمد؟ هل يتشفع مؤمن منهم في باقي الأنبياء والرسل في إبراهيم وموسى وعيسى؟ وكيف يتشفع مؤمن لمؤمن آخر؟ في هذه الحالة لن تكون الشفاعة كرامة للأنبياء، وخاصة لخاتم المرسلين، بل تكون عامة لجميع المؤمنين؛ وبالتالي تضيع الشفاعة باعتبارها كرامة للأنبياء. وإن الشفاعة بهذا المعنى لتعطي الإنسان المؤمن أكثر مما يستحق، ويعطى المشفوع له أقل ما يستحق، وتحيل البشر إلى قسمين؛ يدا عليا تعطي ويدا سفلى تأخذ. وكيف يشفع الناس قدر منازلهم؛ وبالتالي تصبح الشفاعة عامة للكل، وتفقد خصوصيتها لواحد بعينه؟ وإذا كانت المنزلة هي التي تحدد قدر الشفاعة، فالعمل أساس المنزلة والشفاعة معا. وهنا تسقط الشفاعة باعتبارها بديلا للفعل. وكيف يشفع الفقراء؟ ولماذا لا يأخذ الفقراء حقهم في الدنيا بدل أن يكونوا وسيلة لدفع العقاب عمن سلبوهم حق الحياة ونهبوا ثرواتهم؟ أليس ذلك إرضاء للفقراء في الآخرة عن طريق الإيهام، وتحويل عبوديتهم إلى سيادة، وضعفهم إلى قوة، وعجزهم إلى إرادة، فينسوا فقر الدنيا أمام غنى الآخرة؟ بعد أن كان الفقير محكوما أصبح حاكما، وبعد أن كان عبدا أصبح سيدا، وبعد أن كان مشفوعا له أصبح شفيعا! وكيف يشفع أطفال المؤمنين الصابرين على البلاء؟ وأي بلاء يصيب الأطفال في الجنان؟ وكيف يرفع الظلم عن الأطفال المذبوحين المعذبين المبتوري الأطراف المبقوري البطون بإيهام الشفاعة لهم، وبأنهم شفعاء لجلاديهم؟
28
لذلك كله كانت الشفاعة مستحيلة؛ بناء على عدم جواز العفو والمغفرة قبل التوبة.
अज्ञात पृष्ठ