आस्था से क्रांति तक (1): सैद्धांतिक परिचय
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
शैलियों
25
ومع ذلك، تنحو معظم المصنفات نحو رفض الخطأين معا: الاختصار المخل والتطويل الممل، خاصة فيما يتعلق بحجج الخصوم حتى تتحقق الأمانة في عرضها ونقلها مستوفاة لقوة الحجج وضرورة الإقناع، ويحدد كل مصنف منذ البداية الهدف من مصنفه وأسلوبه المتبع، وعيوب التأليف في عصره، وأوجه نقص المصنفات التي أمامه، من اختصار أو تطويل أو نقص في الحجة والبرهان واكتفاء بالخطابة والإقناع أو إشارة إلى المقاصد من بعيد أو زيادة وإسهاب في السؤال والجواب، وكثرة الاستدلال أو الاعتماد على الأغاليط لترويج الرأي أو الاحتواء على تناقض داخلي في الاستدلال وترتيب المقدمات واستنتاج النتائج أو الازدحام بالمادة المكررة كتحصيل حاصل أو تجميع لكل شيء دون تمحيص أو تدقيق، يأتي مصنف جديد ويتخلى عن كل هذه العيوب ، ويأتي بأضدادها محاسن.
26
والحركات الإصلاحية الحديثة تنسج أيضا على نفس المنوال، وترفض الإيجاز والتطويل، وتؤثر التركيز على وحدة الفكر وترك الاختلافات بين المذاهب، والجمع بين القديم والجديد طبقا لحاجات العصر مع التركيز على الوضوح والبساطة في الفهم.
27
كما أشارت المقدمات الإيمانية إلى حجم المؤلف ونسبته من الاختصار والتطويل، والإيجاز والإطناب؛ فمنها المختصر ومنها المطول، ومعظمها يحاول أن يبتغي بين ذلك سبيلا، وبالرغم مما يبدو على مصنفنا هذا من طول إلا أنه حاول الجمع بين «التراث والتجديد»، وبيان الجذور التاريخية لأزمات العصر في التراث القديم، قراءة للماضي في الحاضر، ورؤية للحاضر في الماضي، فلا يوجد تحليل قام به القدماء إلا وتمت الإشارة إليه، قدر الوسع والطاقة، ليظل وسطا متناسبا بين إيجاز كتب العقائد والأصول وإطناب كتب الحوار والجدل، وقد يكون أحد أسباب الإطالة أيضا ضرورة وضع بعض النصوص القديمة في الهوامش حتى يشعر القراء بالتجارب التي نحللها، وحتى يروا معنا الجذور التاريخية لأزمات العصر في التراث القديم، فإذا ما عاش القراء تجارب القدماء، فإنهم قادرون على مراجعة تحليلات المعاصرين لها، والتحقق من صدقها، وإلا فإنهم يحصلون على المعاني دون تجارب، وعلى الصورة دون مضمون؛
28
لذلك نرجو ألا يقرأ البحث كله دفعة واحدة، بل فصلا فصلا، وموضوعا موضوعا؛ فكل فصل يضع مشكلة مستقلة، وكذلك كل باب يحتاج إلى مناقشة وتدبر، وقد تكون إحدى الفقرات أو العبارات أولى من الأخرى وأدل؛ لذلك كانت سهولة الأسلوب مطلبي في التأليف، فليس العلم هو التعقيد والتصعيب حتى يظن السامع أنه أمام عالم عويص، بل إن أسلوب العلم هو الأسلوب السهل البسيط الذي يستطيع أن يفهمه كل الناس، وهو أسلوب «التراث والتجديد». ليس العلم هو وعورة الأسلوب وصعوبة المفاهيم، وتعقيد الألفاظ، فذلك هو التعالم. إنما العلم هو المدون بأسلوب سهل بسيط، يفهمه العامة قبل الخاصة، وهو ما سماه علماء البلاغة «السهل الممتنع»، هذه السهولة هي أحد دوافع الشروح والملخصات التي تحاول شرح العويص المعقد مع أنها أحيانا أخرى تشرح البسيط السهل زيادة في السهولة والإيضاح! وتوخي البساطة في الفهم التي يبغيها البعض إنما تحدث بعرض المادة الكلامية عرضا عقليا خالصا، فالبداهة هو مقياس الفكرة، وعلم أصول الدين يقوم على اليقين العقلي، وكل ما هو داخل في الظنيات ليس من صميم العلم، ومن مقتضيات البساطة التخلي عن المصطلحات العويصة كما حاولت بعض الحركات الإصلاحية الحديثة.
29
أما روح العصر فهي التي نحتويها بين ضلوعنا، وهي تجاربنا المعاشة، وواقعنا المضني، وسلوكنا اليومي، هي أساسا هذه المادة الحية غير المدونة والتي قد نختلف في تفسيراتها، ولكننا لا نختلف في وجودها، هي المنهل الذي منه يأخذ الأدباء والشعراء والفنانون والمفكرون الاجتماعيون مادتهم، قد تستلهم في الأعمال الأدبية، والمصنفات الفنية، كما قد تدون بطريقة تلقائية في الأمثال العامية والحكم والأساطير والمأثورات الشعبية بوجه عام. لم نشأ الاعتماد على ذلك حتى لا نضع بجوار التراث شيئا أقل منه علمية ودقة وإحكاما، ويختلف عنه مصدرا ورافدا، وحتى لا نقع في انتقائية الأمثلة أو اختلاف تفسيراتها، تركنا ذلك لدراسات أخرى هامشية على «التراث والتجديد» لمخاطبة الجمهور العريض من خلالها، بحيث تكون أقرب إلى تحليل روح العصر، ووصف الواقع وتنظيره تنظيرا مباشرا دون الرجوع إلى التحليل العلمي الصارم القديم.
अज्ञात पृष्ठ