आस्था से क्रांति तक (1): सैद्धांतिक परिचय
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
शैलियों
والغاية من الجدل إفحام الخصم وليس الوصول إلى اليقين الذي يتجاوز الخصمين معا، غايته نفعية خالصة وليست نظرية، في حين أن العلم هو العلم النظري، غايته إقناع الآخرين ليس بالضرورة عن طريق البرهان، بل يمكن أن يتم ذلك عن طريق الإيهام وأساليب الإيحاء وشتى وسائل الإقناع، الجدل مثل الخطابة، كلاهما فن يهدف إلى التأثير على النفوس، الأول بحضور الخصم المجادل، والثاني بحضور جماهير الناس.
10
ولما كانت الغاية من الجدل ليس الوصول إلى الحق، بل إفحام الخصم والانتصار عليه، ولو كان على حق استعملت كل أساليب الإقناع للانتصار عليه، ولو كانت تقوم على الباطل، فالغاية تبرر الوسيلة؛ وبالتالي يصبح الجدل كل المنطق وتمحي التفرقة بين منطق الإقناع (الجدل) ومنطق البرهان (القياس)، ويتحول المنطق من علم معياري إلى علم نفعي، كما يتم الجدل على مستوى انفعالي خالص، ولا يستخدم العقل إلا للعثور على حجج لتأييد الانفعال السابق، والحقيقة أن العلم لا يكون علما إلا إذا تحول إلى نظرية، وقام على أسس عقلية خالصة، والجدل هنا ليس هو جدل الأفكار أو جدل التصورات أو جدل التاريخ، بل هو مجرد الحوار بين متخاصمين، قد يفيد في المعارك الفكرية، في الحوار المعقود بين وجهات نظر مختلفة، ولكنه لا يمكن أن يكون أساسا لعلم، بل يكون نوعا من توحيد الجهود النظرية للوصول إلى الحد الأدنى من الاتفاق الفكري . ليست الغاية أن يقتنع أحد المتحاورين بوجهة النظر الأخرى والتسليم بها، بل إيجاد أوجه الاتفاق كأساس لوحدة فكرية وأوجه الاختلاف وجعلها أقل قدر ممكن تشير إلى الأطر النظرية العامة التي لا أثر لها في المواقف العملية، ولكن دون ذلك لا يؤدي الجدل في النهاية إلى أية نتيجة، إذ لا ينهزم أحد، ولا ينتصر أحد، ولا يبقى إلا التعاند والخصام، فالغاية مجرد إظهار قدرة المجادل وضعف غريمه طلبا للمدح والثناء، إما من العامة أو من السلطان.
11
كما يؤدي الجدل إلى النزاع في الحق، والحق النظري لا نزاع فيه، ويؤدي إلى تغلب وجهات نظر فردية تعبر عن قصر نظر أو هوى أو مصلحة على الحق الواحد المجرد الشامل، وبكثرة الجدل تتعدد الحقائق وتضيع وحدتها كمبدأ مسبق، كبديهية ومسلمة، ويكون كل شيء فيه قولان كما هو الحال في الفقه، وكما نسخر في حياتنا اليومية عندما نضرب المثل بضياع الحق من خلال تضارب الأقوال.
12
لا يدافع عن الحق بالجدل؛ فالحق لا يدافع عنه، بل يعرض ويحلل عقلا وواقعا ببيان أسسه العقلية والواقعية، الحق فكرة بديهية أو تجربة إنسانية أو مشاهدة حسية لا خلاف عليها، وكثيرا ما يتحول الجدل إلى مهاترات خالصة، يتحدث المجادل وخصمه في الكل ولا شيء بلا تحديد للألفاظ أو بحث عن المعاني أو إشارة إلى الأشياء، ويصبح الحوار بين صم، لا يسمع أحدهما ما يقول الآخر، المتكلمون يتكلمون، ويفهم الواحد نصف ما يقوله الآخر فهما خاطئا، يسقط ما لا يريد، ويزيد على ما يريد، ويحور ما يفهم حتى يتفق مع مقاله، فلا يفهم إلا ما يريد، ولا يدرك إلا ما يفيده في الرد على الخصوم، وكثيرا ما يأتي الرد قبل الفهم، وبالتالي ينتهي الجدل إلى حوار بين الذات ونفسها، وكأنه حديث النفس بصوت عال، لا يسمعه إلا صاحبه، أو كمن يصدر أصواتا ولا يتلقى إلا صداها. وإذا كان الجدل يهدف إلى إفحام الخصم والقضاء على البدع، فإنه يؤدي إلى عكس ما قصد إليه؛ فالرد على البدع نشر لها، وتعريف بها، بعدها تقوى البدعة، ويتحمس الناس لها.
13
لذلك كان التوقف عن الحكم أولا ثم عدم الدخول في علم الكلام ثانيا وسيلة للقضاء على البدعة.
وقد أدرك القدماء أن الجدل يقوم على مسلمات خاطئة؛ إذ يدافع الجدلي عن معتقداته على أنها مسلمات دون أن يبحثها سلفا، ويثبت صدقها؛ الجدل بهذا المعنى تعصب وهوى، بل لا ضير أن يسلم الجدلي بمقدمات الخصم حتى ولو كانت خاطئة ما دام الغرض من ذلك هو إفحامه أو على معاندة الخصم، وذلك بإنكار ما للخصم من مسلمات حتى ولو كانت سليمة، فكما أن الجدل تشبث بالباطل، قد يكون أيضا إنكارا للحق؛ لذلك وصفت الفرق الكلامية المختلفة بأنها «أهل الأهواء»، وتاريخ الفرق بأنه تاريخ «الهوى»، والهوى يقود إلى الضلالة،
अज्ञात पृष्ठ