आस्था से क्रांति तक (1): सैद्धांतिक परिचय
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
शैलियों
48
فإذا كان القصد إلى النظر أو الشك سابقا على النظر، فإن الخواطر توجد مع النظر. وقد توسع المعتزلة وحدهم في موضوع الخواطر لأنهم هم الذين يوجبون النظر عقلا، ويصفون مسار النظر ابتداء من القصد إلى النظر حتى توليد النظر للعلم. والخاطر هي البارقة التي تظهر في الشعور. يستطيع الإنسان بها أن يدرك الدلالة إدراكا مباشرا، وقد يكون مجرد فرض علمي يحتاج إلى برهان أو نظرية جزئية في حاجة إلى نظرة أعم وأشمل. الشعور موطن الخواطر، يعطي البرقات، وهذه تتوالد في الشعور تلقائيا؛ نظرا لطبيعة الشعور المعطي الواهب. ويرجع إنكار الخواطر إلى رد هذه الدلالات إلى كمال العقل وطبيعة عمله، وليس إلى خلق الشعور المستمر وعمله المتجدد. وبصرف النظر عن إثبات الخاطر أو كمال العقل، فإن الناظر ترد عليه الخواطر وهي الدلالات التي يتم رؤيتها. شعور الناظر في حركة دائبة وبحث مستمر عن الحقيقة، وهذه الحركة تجعل شعوره خالقا لدلالات وواضعا لمعان في مقابل النافي للنظر الذي يتحجر شعوره ويصبح مصمتا بليدا، غافلا راكدا. ولا يقال إن الخواطر والدواعي غير ضرورية ما دام الإنسان يعرف أحواله بنفسه؛ لأن معرفة أحوال النفس لا تتم إلا بالخواطر والدواعي.
49
يرد الخاطر على النفس بأفعال الشعور الداخلية وليس من أفعال خارجية أو من إرادات مشخصة متعددة أو واحدة. الشعور بطبيعته وهاب للمعاني. لا يأتي الخاطر من «الله» لأن الخواطر ظنون وافتراضات تتحول إلى براهين فيما بعد، و«الله» لا يوحي بظنون طبقا لهذا الافتراض الذي لم يدخل بعد في نظرية العلم تحت التأسيس. الخاطر معنى غامض وخفي وإلا كان معرفة بديهية، اضطرارا أو استدلالا.
وقد يكون الخاطر اعتقادا أو كلاما؛ فالخاطر برد على النفس من تداعي الذكريات، ومن حديث النفس الداخلي، ومن حياة الشعور الدائبة. الشعور إدراك وتذكر وتخيل بل وتوهم. وقد يتم الإدراك داخليا وخارجيا معا. كما قد يرد الخاطر من الكلام مسموعا أو مقروءا أو من رؤية إشارة أو تعبير في الوجه بالعين أو بلون البشرة أو بحركة الجسم. يتم الخاطر هنا بحضور المدرك، ومع أن الكلام أخص من الخاطر إلا أنه لا يتم فهمه إلا بالخاطر. فالخاطر أيضا سابق على الكلام، وشرط فهمه. ولا يمكن فهم الكلام إلا بفهم قصد المتكلم، وهذا لا يتم إلا بالخاطر. وكون الخاطر كلاما يعني ارتباطه باللغة. ولكن لا يعني ذلك عدم تعميمه على العقلاء جميعا لأنه لا دليل على وجود عقلاء قد جهلوا اللغات. ولا يكفي في الخاطر أن يكون معنى يرد على النفس أو اعتقاد ظن، بل لا بد أن يكون معبرا عنه في كلام مسموع أو مقروء. ولا ضير أن يحل الكلام في الجسم، فالكلام لا يكون محمولا إلا على جسم، الأذن أو اللسان أو الشفاه أو الهواء. ولا يعني التباس الكلام في الفكر، كما هو الحال عند النائم، ألا يكون الخاطر كلاما؛ إذ يمكن بعد الانتباه التمييز بين الكلام والفكر. فإذا لم يكن الخاطر مجرد ظن أو اعتقاد ونابع من ذاتية خالصة، وإذا لم يكن كلاما حسيا ماديا لبشر أو لغفير بشر فإنه يكون معنى. المعنى هو الجامع بين الذاتية والموضوعية، إما أن يرد على النفس بفعل من أفعال الشعور أو بفعل من أفعال الجوارح. الأول لا يكون إلا ظنا أو اعتقادا لأنه مجرد خاطر لم يتحول بعد إلى يقين في حين أن التالي مرئي محسوس مثل الكلام والكتابة. أما الإشارة فإنها تتوقف على قصد المشير، وبها حضور المتكلم، وبها الموقف، وبها العلاقات بين الذوات في حين أن الكتابة مصمتة يغيب فيها الكاتب، وليست موقفا حيا، ولا توجد فيها علاقات بين الذوات.
50
وقد تحولت الخواطر لدينا إلى إلهامات ورؤى منفصلة عن النظر مصدر العلم تحت تأثير التصوف وازدواجه مع الأشعرية، وأصبحت أقرب إلى البرقات والمكاشفات عند الصوفية.
ولا يرد الخاطر على النفس إلا بشروط، منها: أن يفيد الوجه الذي يدل على وجوب النظر وحسنه بأن يساعد الشعور على إدراك المعاني وعلى رؤية عالم يحكمه الفكر، وأن يتضمن وجوب المعرفة التي يؤدي إليها النظر؛ فالنظر ليس هدفا في ذاته، بل وسيلة للحصول على المعرفة، وأن يتضمن وجه الخوف من ترك النظر ورؤية قبحه، وذلك بالإشارة إلى الأمارات والعلامات التي تبعث على الخوف، وأن يتضمن ترتيب النظر حتى يكون منتجا. وورود الخاطر دون بيان دلالاته يقبح عقلا؛ لأنه يكون بلا فائدة. وإذا كان الخاطر من «الله»، فإن حكمته تبين وجه النفع والضرر فيه. والخاطر من حيث هو تنبيه على الدليل قد يكون عاملا مرجحا بين احتمالين، وهو ما يقوم مقام «المعجزة» عند الأشاعرة.
51
وهناك شروط أخرى غير واجبة، مثل أن يكون هناك خاطر مقابل ضد الخاطر الأول حتى لا يكون هناك إلجاء من خاطر واحد. والحقيقة أن الخاطر الواحد لا يلجئ بل يدفع ويحث. الخواطر لا تتعارض ولا ينفي بعضها بعضا، بل تجتمع وتتآزر لتؤسس الفكرة. ولا يأتي الخاطر مستمرا بل متقطعا، ولا يأتي ممن ظهرت «المعجزات» عليه؛ لأن الخاطر يحدث من كلام أو اعتقاد، وكلاهما من أفعال الشعور. الخاطر ظن يتحول إلى يقين بالبرهان بعد النظر، فلا يحتاج إلى يقين خارجي عن طريق المعجزات. ولا ينتج عن الخاطر معرفة بالضرورة؛ لأنه لا يصبح معرفة إلا بعد النظر.
अज्ञात पृष्ठ