मिन अकीदा इला थौरा इमान
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
शैलियों
وهو واجب عقلا وشرعا. فالظلم يعرف عقلا، يحس به الإنسان وتدركه الطبيعة، ولو لم يكن واجبا عقلا لكان مغريا بفعل القبيح. ويستحيل أن يكون للوجوب أساس في الطبيعة البشرية.
6
ولا يستلزم وجود الإمام، ولا تقوم به الأئمة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل للرقابة عليهم. وإن تطبيق الأئمة للشريعة وتنفيذهم للحدود ليس أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، بل هو تطبيق لأحكام الشريعة. وأحيانا يكون دليل وجوب الإمامة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأن الإمامة أصلها ومستندها في الرقابة الشعبية. إنما يجب على عامة الناس قدر الإمكان ندبا، وواجب على علماء الأمة فرضا. وهو ليس فرض كفاية على العلماء إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر، ولكنه فرض عين على كل عالم ما دام قد استوفى شروطه . فالعلماء ورثة الأنبياء، وإلا ارتكن العلماء بعضهم إلى بعض، وأوكل العالم الأمر إلى غيره حتى يضيع الأصل. فإذا ما استعصى على العامة وعلى العلماء، فإنه في هذه الحالة وحدها يمكن اللجوء إلى الإمام حتى لا تستدعي السلطة على الناس بلا مبرر، وحتى يعطي للرقابة الشعبية أكبر فرصة ممكنة.
7
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط تضمن وقوعهما وإحداث أثرهما ونجاحهما، وتخفف من حدتهما وثقلهما على النفس، وتقلل أسباب فشلهما، وأهمها ألا يثيران فتنة أو غضبا، أو ينفران الناس من الإسلام والمسلمين، ويبعدانهم عن الأمة وعلمائها؛ فالنصائح صعبة على النفس، والتوجيه ثقيل عليها. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يتمان حرصا على الإسلام الذي يشترك فيه الناصح مع المنصوح، فليس الناصح بأكثر إسلاما من المنصوح، أو بأشد غيرة على الإسلام منه. ويشترط أيضا عدم التجسس والتلصص على الناس، وتتبع عوراتهم، وفضحهم على رءوس الأشهاد، بل على العكس، التستر على الناس يجعلهم أقرب إلى قبول النصح وقبول التذكرة عن طيب خاطر. فما الفائدة من الإتيان بأصل مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهدم أصل آخر وهو المحافظة على حرمات الناس؟ وعلى الناصح أن يعلم أن المأمور به معروف وأن المنهي عنه منكر، وإلا أمر بالمنكر ونهى عن المعروف؛ فالعلم شرط النصيحة. وقد لا يغني الظن عن العلم؛ لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا، وتترك النصيحة حينئذ لمن هو أهل للعلم لا للظن. ولا بد أن يكون المنكر حاضرا، فلا يعقل أن يتم نهي عن منكر لم يحدث بعد، وإلا كانت النصيحة مجرد إعلان عن النفس، ومزايدة في الإيمان، وطلب منصب أو جاه. فالواقع أساس الممارسة، وأصل عقلي منصوص عليه في الوحي بلا واقع يكون مجرد هراء وظيفته تعمية الواقع دون الكشف عنه أو تغييره. وتتوقف ممارسة الأصل إذا ما أدى النهي عن المنكر إلى منكر أعظم منه، مثل قتل الدب لصاحبه. وطبقا لحساب الضرر فإن الضرر الأقل يبدو مقبولا في سبيل تفادي ضرر أعظم. ولا خلاف بين أن يقع الضرر على الغير ، أي المنصوح، أو الذات، أي الناصح؛ فقد تتوقف ممارسة الأصل إذا ما أدى إلى إلحاق الضر بالنفس، سواء كان ذلك في الحياة أو في المال؛ أي الضرر المعنوي أم المادي. ويترك تقدير هذا الضرر لقدرة العالم الناصح على التحمل، وهو ما يختلف فيه العلماء، كل طبقا لقدراته وطاقاته ووضعه. وأخيرا لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا إذا كان له أثر في الواقع حتى يحقق غرضه. أما إذا لم يكن له تأثير، وكان أشبه بالصراخ أو إقامة الأذان في الصحراء حيث لا مجيب، فإنه يكون أيضا فارغا بلا مضمون. فالشهادة ليست للشهادة، والإعلان ليس هدفه الإعلان، إنما الكلمة تهدف للتأثير والتغيير.
8
أما طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها تختلف فيما بينها بالنسبة لكل منهما؛ فالأمر بالمعروف يكفي مجرد الأمر به دون إلزام، أما النهي عن المنكر فلا يكفي فيه مجرد النهي، بل لا بد من الإلزام؛ وبالتالي لزمت وسائل تحقيقه وتنفيذه من أجل إحداث التغيير المطلوب، ويبدأ التغيير بالفعل والذي يرمز إليه باليد؛ أي بالقوة. ويختلف في مداها بالضرب أو بالقتال، كما يختلف في الضرب بالأيدي أو النعال، ويختلف أيضا في القتال بالقبض والسلاح، أي بالسيف، أو بمعركة حاسمة وفاصلة يجمع لها الجنود بالآلاف. فإن صعب التغيير باليد فلا يبقى إلا اللسان؛ أي الكلمة والقول. ويختلف في القول بين القول اللين والقول الخشن. فباستمرار الإعلان يمكن إحداث التأثير، وبدوام القول يزداد وعي الأمة وتضغط بنقلها من أجل إحداث التغيير. فإن استحال القول نظرا لظروف القهر وكبت الحريات ومنع الكلمة لم يبق إلا القلب؛ أي الاستمرار والثبات على الحق دون مخالفة الضمير أو بيع الذمة أو الرضا بالقهر. ولما كان ذلك يتطلب اتفاق القول والعمل مع الوجدان، فإن النهي عن المنكر بالقلب يحرس الإنسان من الوقوع في النفاق وقول ما لا يؤمن به، أو في الممالأة وفعل شيء لا يرضى عنه، ويحرسه من التصفيق والتهليل أو المداهنة والمجاراة، وحتى لا يكون الناس على دين ملوكهم.
9
ولكن تنشأ من ذلك صعوبتان؛ الأولى: هي استعمال العنف ضد الأمة أفرادا أو جماعات، وهو العنف الذي يصل إلى حد القتال والدخول في المعارك بالآلاف؛ وبالتالي شق الأمة وإشعال حرب أهلية داخلية طاحنة. والثانية: قتال من ضد من؟ هل تقاتل عامة الناس وحدهم، أو علماء الأمة وحدهم، أم عامة الناس بقيادة علماء الأمة وحدهم، أم بظهور إمام جديد عادل؟ وهل العامة أو العلماء أو الإمام الجديد الخارج يقوم كل منهم بتغيير المنكر بيده، أم تكفيهم النصيحة ويوكل الأمر إلى الإمام؛ أي إلى السلطة الشرعية لتغيير المنكر، فيكفيهم البلاغ والإعلان؟ وضد من سيقع القتال؟ ضد مرتكبي المنكر من عامة الناس، أو من العلماء ضد الإمام الذي عقدت البيعة له ولم يستمع لنصح؛ وبالتالي تجوز الثورة عليه؟ ألا يكون ذلك مدعاة للخروج المستمر على السلطة الشرعية، وتفتت الأمة وتشرذمها، وإشاعة الفوضى في البلاد؟ ونظرا لهاتين الصعوبتين يمكن قلب طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبداية بالتغيير بالقلب؛ أي بعقد العزم والنية على القسط بالحق، والإبقاء على صفاء النفس، وإخلاص الضمير دونما تهاون أو مداهنة أو نفاق، فيصبح المسلم بسلوكه واعتقاده اعتراضا مجسما ورفضا مشخصا لما يراه أمامه من منكر. وهو نوع من المقاومة السلبية للظلم يؤتي ثماره إذا ما شاع وانتشر، فإن لم يفلح فالتغيير بالقول واللسان. ويظل طريق التغيير النصيحة والإرشاد، والإعلان عن الحق في مواجهة الباطل، وإنما بقاء الباطل في غيبة الحق عنه. فإذا ما تراكمت الأقوال وعم الوعي وانتشر الحق، فقد يحدث التغيير الفعلي، فالكلمة فعل، والقول أثر. فإن لم يحدث التغيير لم يبق إلا اليد؛ أي التغيير بالقوة بعد استنفاد كل الوسائل السلمية الممكنة. ومع ذلك تنشأ صعوبتان أخريان؛ الأولى: الاتهام بالطاعة العمياء للإمام، والتسليم بالأمر الواقع، وإيثار الطاعة على الخروج، والرضا على الثورة؛ مما يؤدي إلى القعود عن نصرة الحق. والثانية: ما العمل في الإمام الجائر وحكم البغاة؟ هل يكفي في ذلك النهي عن المنكر بالقلب ثم باللسان ثم باليد، أم أن مقاومة البغي بالفعل فرض شرعي؟ لم يكن هناك مفر إذن من التسليم بأن طاعة الإمام مشروطة بطاعته للشريعة، فلا طاعة في معصية. ومن قاتل دون ماله فهو شهيد، ومن قاتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قاتل دون مظلمة فهو شهيد. ولا يكفي أن يكلم الإمام الباغي، بل يجب أن يخلع، فإن لم ينخلع وحب خلعه وسل السيوف إذا اقتضت الضرورة؛
10
अज्ञात पृष्ठ