205

अकीदा से क्रांति तक (3): न्याय

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

शैलियों

وكيف يمكن شكر النعم كواجب عقلي وعلى فعل الأصلح كواجب حتمي إن لم يكن هناك فعل وإدراك؟

16

ولا يقال إن الأصلح للإنسان ألا تأتيه الرسالة وألا يقوم الرسول بالتبليغ وأن يصرف الله إرادته عنها؛ فالتكليف واجب إنساني. وجهد الإنسان الحر بالنسبة له عملية تتحقق لا تتحدد نتائجها إلا بعد بذل الجهد. الرسالة يقين النظر وباعث على العمل؛ وبالتالي لا تتم عملية التحقق إلا بها، وإلا فكيف يتحول إلى نظام مثالي في العالم؟ ولا ضير في أن يتغير الوحي كشريعة طبقا للصلاح والأصلح على ما هو معروف في الناسخ والمنسوخ حتى تتم عملية المقياس، قياس الشرع على أهلية الإنسان وقدرته. فالشرع موضوع لصالح الإنسان، متغير بتغير مصالحه وليس تعبيرا عن ثبات الذات الإلهية وشمولها. ويمكن للعقل الإنساني أن يدرك الحكمة من هذا التغير ويدرك قانونه الثابت؛ وبالتالي يلحق بالعلم الإلهي الثابت وبإرادة الله المتصلة.

17

وإذا كان الأصلح في الدين يمكن الاتفاق عليه والاعتراف به، فهل الأصلح في الدنيا كذلك؟ والحقيقة أن هذا السؤال إنما يقوم على تفرقة لا وجود لها، إلا افتراضا، بين الدين والدنيا.

18

فما هو مقياس هذه التفرقة؟ إن الوحي تنظيم لشئون الدين، والدنيا تحقيق لهذا التنظيم، والدين هو المثال والدنيا هو الواقع، والمثال يتحقق في الواقع والواقع تحقق للمثال. الأصلح إذن للدين هو الأصلح للدنيا، ولا يوجد صلاحان كل منهما على حدة. وإذا كان الأصلح للعباد فإن مصالح العباد في الدنيا وليس الدين إلا وسيلة لتحقيق هذه المصالح. إن الأصلح ضرورة في الدنيا والدين معا، فالدين هو الدنيا والدنيا هي الدين. وإن جعل الأصلح في الدين فقط دون الدنيا تناقض وتوهم فصل في شيء واحد، وإن كان لا بد من التمييز فإن الأصلح في الدنيا أولى، فيها مصالح العباد مرتبطة بحرية الإنسان وعقله في حين أن الأصلح في الدين لا يمكن للإنسان إدراكه إلا بقياسه على الأصلح في الدنيا. الأصلح واقعة داخلة في نطاق حياة الإنسان بفعل الحرية، لا يوقفها ولا يدفعها أحد، فالأصلح يتحقق من خلال الحرية وفي نطاقها؛ ومن ثم كان الأصلح بعد الخلق والتكليف، ثم اكتشاف الإنسان لنفسه كفعل حر وعقل مستقل وقدرة على إدراك الآيات والبراهين وتجاوز العقبات في المواقف والتمييز بين المصالح والمفاسد، بين الغنى والفقر، بين الصحة والمرض، بين الحياة والموت، بين الحرية والقهر، بين الوحدة والتجزئة، بين الهوية والاغتراب. والأصلح ضرورة عقلية، فالعقل والوجود صنوان، وحكم العقل هو حكم الوجود. والعقل هو شرط الحرية كما أن البلوغ شرط التكليف. الأصلح ضرورة شرعية، إذ يقوم الشرع على جلب المصالح ودرء المفاسد، للفرد وللجماعة. والأصلح ضرورة كافية لا تحتاج إلى ضروريات لا متناهية، والضرورة الكافية هي سبب وجود العقل والشرع والطبيعة معا. والأصلح ضرورة لحياة الإنسان وليس ضرورة لإثبات قدرة مشخصة لا تخضع لأية ضرورة أخرى من طبيعة العقل وواجب الحرية أو بناء الكون ذاته، وليس تشخيصا للطبيعة إما ذهابا بإثباتها أو إيابا بإنكارها. ليس الأصلح تفضلا وكرما، بل هو ضرورة وجودية في طبيعة الأشياء، كما أن الشرع ضرورة كونية ولا مجال فيها للتفضل والكرم والإنعام والإحسان. والأصلح ضرورة دنيوية خالصة وليس أخروية؛ إذ إن الأخرويات كلها نقل من هذا العالم إلى عالم آخر، إما تعبيرا عن أمل أو تعويضا عن حرمان. وإن قيل إن المانع من فعل القبيح وعدم القدرة عليه هو رعاية الأصلح في الآخرة، فإنما يكون ذلك قياسا للغائب على الشاهد وأدخل في موضوع المعاد، والذي لم يثبت بعد في العقليات طبقا لبناء العلم.

19

إن إثبات الأصلح يعني أن الله يفعل الخير دون الشر، أي إنه يرعى مصالح العباد ولا يضرهم، فهو من هذه الناحية تفاؤل وخير وبراءة وطهارة، في حين أن نفيه نظرة شريرة إلى العالم وتصور لله على أنه شرير يفعل الشر ويضر بالناس؛ لذلك كان النفي أقرب إلى التنزيه. ولا يعني النفي أي نقص في عواطف التأليه، بل وضعا لها على أساس إنساني من أجل الإبقاء على مصالح الإنسان. ويتعدى الأمر أحيانا إلى فرض الأصلح على عواطف التنزيه، فتحدد القدرة المطلقة بفعل الأصلح وهو ما عبر عنه الأصوليون من قيام الشرع على المصالح العامة دون تشخيص للقدرة، والحديث عن حكمة الشرع وليس عن شخص الشارع. وما دام الأصلح تعبيرا عن موقف الإنسان وممارسته لحريته وعقله، فإنه يكون تعبيرا عن قانون عام مثل قانون الاستحقاق. والقانون ثابت من وجهة نظر الإنسان. ومن حق الإنسان أن يعيش في عالم يوجهه العقل ويحكمه القانون. أما من وجهة نظر صاحب السلطة والتشريع فالقانون لديه تعبير عن إرادته، يمكنه أن يغيره ويبدله، بل ويوقفه في أي وقت شاء. ولما كنا بشرا ولسنا آلهة، نعبر عن وجهة نظر إنسانية خالصة، فالقانون بالنسبة لنا عام وثابت. وكل محاولة لتغييره أو تبديله أو تأويله أو إيقافه تكون ضد الإنسان ومصالحه. يخضع الإنسان للقانون العام الذي يعبر عن مصلحته لأنه قانون عقلي، ولكنه لا يخضع لإرادة أو لسلطة مطلقة وراء القانون يمكن التلاعب به خاصة ونحن في جيل يتم وضع القانون فيه لحساب الحكام وتعبيرا عن أهوائه ونزواته وليس إثباتا للصالح العام.

والحقيقة أن الصلاح والأصلح تعبير عن ضرورة العقل والشرع معا، وتعبير آخر عن ضرورة الحرية والطبيعة. ليس فيهما أي أثر أجنبي من الخارج، من ثنوية أو غيرها. فالأصلح موضوع أصيل. وهو أساس الشرع ومصدر التشريع وسبب الوحي.

अज्ञात पृष्ठ