अकीदा से क्रांति तक (3): न्याय

हसन हनफ़ी d. 1443 AH
150

अकीदा से क्रांति तक (3): न्याय

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

शैलियों

وفي أصل الوحي يشير الغنى إلى أنه فعل أكثر منه اسم، أي أنه نشاط أكثر منه شيء، وهو وإن كان فعل الله إلا أنه أيضا فعل الإنسان، فالغنى صفة لله ومطلب للإنسان، ولكن معظم الاستعمالات الفعلية نافية؛ فالغنى والكسب والمال والأولاد والمتاع كل ذلك لا يغني. والنذر والشفاعة والمولى والآلهة كلها لا تغني، فالغنى زائل. ويظهر البعد الاجتماعي للموضوع في حث الأغنياء على التعفف وعلى ضرورة دورة المال في المجتمع دون أن يكون حكرا على حفنة من الأغنياء. وأموال الأغنياء وإنفاقها في الحرب ضرورة لا استئذان فيها.

77

وكيف يكون الفقر أفضل من الغنى، والفقير أفضل من الغني؟ كيف يكون الفقير الصابر خيرا من الغني الشاكر؟ ألا يعني ذلك بقاء الفقير في فقره واستمرار الغني في غناه؟ ولماذا لا يكون الفقراء أفضل من الأغنياء لا بمعنى التسكين والتخدير، ولكن لثورتهم على الأغنياء ومطالبتهم بحقوقهم ولتحقيق مجتمع العدل والمساواة. فهم أكثر إنتاجا وجهدا وعملا ومقاومة. والأغنياء أكثر بطالة ورخاء وبطنة وترهلا. ولا تعني أفضلية الفقراء على الأغنياء دخولهم الجنة قبلهم ، بل تغيير حالهم في الدنيا. كما لا تعني أن الإنسان يولد فقيرا ويعيش فقيرا ويموت فقيرا، وأنه قد استغنى عن الغنى، فالاستغناء عن العالم المادي ليس تخليا عن المبادئ فيه. والزهد في العالم ليس انعزالا عنه، بل تقوية للنفس واستعدادا للجهاد كنوع من البساطة وضرب المثل لجماهير الفقراء بشظف العيش وقدوة للناس. وإن الدعوة بالحياة مع المساكين والموت والبعث معهم إنما تعني الالتحام بجماهير الأمة، وبأغلبيتها الصامتة وأن تكون القيادة معهم مثلهم كالسمك في الماء وليست أعلى منهم تتكسب على قضاياهم وتعيش على حسابهم؛ ولذلك كان الأنبياء فقراء باعتبارهم قادة أمم ومحرري شعوب. قد يسعد الغني بغناه في الدنيا، ولكن إذا ما قامت ضده الثورة فقط تطاح الرقاب. وشقاء الفقير في الدنيا إنما هو مؤقت ريثما تتحقق العدالة والمساواة. وهناك عالم يتساوى فيه الجميع ليس فقط في الآخرة ضرورة بل في الدنيا إمكانا.

78 (3) خاتمة. هل الحرية مشكلة؟

يبدو أن موضوع العدل إنما يجد حله في أصل التوحيد؛ فقد أدى إثبات أن الصفات زائدة على الذات إلى القضاء على استقلال الطبيعة وإثبات خضوعها إلى إرادة وقدرة خارجية عنها؛ فالذات فعالة في العالم من خلال الصفات والأفعال، وهي علة الكون وسيد الطبيعة. في حين انتهى إنكار كون الصفات زائدة على الذات إلى استقلال الطبيعة وحتمية قوانينها وارتباط العلة بالمعلول ارتباطا ضروريا؛ لأنه لا توجد صفات مطلقة، إرادة أو علم تتدخل في مسارها. فالمؤله ذات خالصة لا يتدخل في قوانين الطبيعة؛ لأنه لا صفات له، وهو التصور العلمي للطبيعة، كما تنشأ المشكلة في إثبات الصفات مع تصور تضاربها وتصور أن العلم مضاد للإرادة أو أن الإرادة معارضة للقدرة: هل ما يعلمه الله يكون أو هل يكون ما لا يعلمه مع أن الأقرب اتفاق الصفات وليس تضاربها ووحدة الله وليس تعدده. (3-1) الطرف الآخر المقابل للحرية؛ الله أم العالم؟

وأحيانا تتشعب الموضوعات كلها حتى يغيب الموضوع الأساسي والتحليل الدال؛ وذلك لأن الحرية ليست في العالم، وأن الطرف الحقيقي لها لفعل الإنسان هو الله وليس العالم ، وأن القيد هو إرادة الله الشاملة وليس الموقف والعقبة والقيد والنظم الاجتماعية والسياسية. وقد أدى ذلك إلى تصور الإنسان والله أعداء، بقدر ما يكون الله حرا يكون الإنسان مجبرا، وبقدر ما يكون الإنسان مجبرا يكون الله حرا بدلا من تصورهما متعاونين كإخوة أعداء.

79

والسؤال الآن: هل هناك مشكلة حقيقية تسمى مشكلة الجبر والاختيار أو مشكلة القضاء والقدر أو مشكلة الحرية؟ لقد أفاض القدماء فيما سموه مشكلة أو مسألة، وتضاربت الآراء بين جبر وكسب واختيار، كل رأي يعتمد على نصوص وحجج لتأييده. والحقيقة أن هذه المشكلة، كباقي مشاكل علم الكلام الأخرى، إنما تنشأ من هذا الوضع المقلوب للعلم ذاته «علم الله» بدلا من «علم الإنسان». فالسؤال الآتي: كيف تتفق إرادة الله المطلقة مع إرادة الإنسان أو علم الله المطلق وقدره المسبق مع حرية الإنسان؟ صياغة خاطئة لموضوع إنساني هو الفعل. لا يستطيع الإنسان إلا أن يشعر بإرادته وليس لديه أية وسيلة للشعور بإرادة خارجية تحد من قدرته وتقف أمامه بالمرصاد أو تساعده وتؤيده. صحيح أن هناك عقبات أمام الفعل الإنساني وهي الموانع الموجودة بالفعل، في الواقع، من قيد بدني أو ضعف باعث أو عدم وضوح فكر أو نقص في كمال غاية أو وجود موانع في البناء الاجتماعي أو عدم حلول لحظة الفعل المواتية كي يتحقق بنجاح، ولكن هذه العقبات عوامل مادية موجودة بالفعل يمكن معرفتها. وتصورها على أنها إرادة خارجية تحد من الفعل وتفرض نفسها عليه تشخيص لها، والتشخيص الانفعالي ضد التحليل العقلي؛ فالأول إدراك خاطئ ووهم بينما الثاني علم ويقين. فإذا لم تقف هذه الإرادة الخارجية للحرية الإنسانية بالمرصاد - مع أن هذا هو الشائع في التراث القديم كله - فإنها تأتي للعون والمساعدة والتوفيق. وهذه المساعدة في حقيقة الأمر ما هي إلا القوة المفاجئة التي تحدث للإنسان صاحب الحق ومحقق الرسالة أثناء الفعل ودون توقع من طبيعة الحركات ومكونات الموقف. هي قوة نفسية خالصة تعبر عن درجة تمثل الإنسان للغاية وشدة الباعث. وهنا لا يكون الكم هو المقياس، بل يضاف إليه الكيف. وكم من مرة انهار كم أمام كيف. كل ذلك تحليل للإرادة الإنسانية ووصف لمضمونها وتحققها في أفعال. ويستطيع الإنسان أن يعلم ذلك بتحليل شعوره ورؤية ما يدور في باطنه واستقراء مسار التاريخ ومعرفة قوانين تطور المجتمعات البشرية.

فإذا أخذ الإنسان هذا الموقف الإنساني بدافع من الأمانة الفكرية والتواضع العلمي، والعلم بمصادر معرفته وبعمليات الشعور، لم ير إلا حريته من خلال وصفه لشعوره وأفعاله، ولم يقع في تشخيص عوامل موجودة بالفعل كالعقبات أو ظهور قوى مؤيدة لم تكن في الحسبان نتيجة لطهارة الوعي، ونقاء الضمير، وصفاء النفس، وكمال الغاية. ولم ير إلا الحرية من خلاله، ولم يشخص إرادة خارجية مطلقة تقف له بالمرصاد. ذلك لا يتم إلا من نقصان في الوعي وسيادة الانفعال على العقل، والإحساس بالضعف أمام العقبات، فيشخصها إلى إرادة أقوى منه مضادة له أو إلى مصدر قوة أخرى يأخذها في صفه ويستمد منها قوته ويعوض فيها عجزه، يتعبدها ويتقرب إليها ويتزلف لها ويرضيها إلى حد النفاق ببناء البيوت كما يفعل لأميره أو لأسرته أو لحبيبته. صحيح أن الوحي المتضمن في الكتاب أخبر عن قدرة مطلقة وإرادة شاملة تعم كل شيء كصفة، ولكن هذه القدرة ضمن وظيفة التوحيد العامة، وهي الإحساس للإنسان بأنه في عالم واحد يشمله قانون واحد. ومهمة الإنسان في معرفة هذا القانون وتحقيق فعله طبقا لمساره وليس مضادا له لأنه هو طبيعة الأشياء، بل إن إرادة الإنسان، بنص الوحي، هي الموجهة والمحققة للإرادة الشاملة. وتنشأ الحركة في هذه الإرادة الخارجية بفعل الإنسان الذي يفعل فيها بفعله. يفعل الإنسان الخير ثم يعطى الجزاء. ولا جزاء قبل فعل الإنسان للخير. ويفعل الإنسان الشر وينال العقاب، ولا عقاب قبل فعل الإنسان للشر. ويستغفر الإنسان وينال المغفرة، ولا مغفرة قبل أن يستغفر الإنسان، ويتوب الإنسان فينال التوبة، ولا توبة قبل أن يتوب الإنسان. ويمكن أن يقال نفس الشيء على مستوى الانفعال لا على مستوى الفعل فحسب، فإذا فعل الإنسان الخير حدث الفرح والسرور عند الآخر، ولا يفرح الآخر أو يسر قبل أن يفعل الإنسان الخير. ويحزن الآخر ويأسى إذا فعل الإنسان الشر، ولا يحزن الآخر ويأسى قبل أن يفعل الإنسان الشر.

مهمة الوحي الإيحاء للإنسان بأن هناك قدرة في الكون أقوى من كل قوة طبيعية أو إنسانية أخرى، بمعنى أن لا شيء في هذا العالم بمستعص على الحركة والتغير. فيتمثل الإنسان حريته ويغير بناء واقعه. فلا شيء بثابت في هذا العالم، وكل شيء خاضع لإرادة عامة، هي الإرادة التي يتحد بها الإنسان بسيره وفق طبيعة الأشياء ومسار التاريخ. مهمة الوحي الإيحاء للإنسان بأن الطبيعة عاقلة، وأن الإنسان يعيش في عالم من المعاني. وأنه لا يوجد شيء في هذا العالم بلا سبب أو غاية. رسالة الإنسان قائمة على وجود سبب هو أنه ليس من طبيعة الأشياء وليس على مستواها؛ لذلك فهو سيد الكون، وأنه كلما تأمل في حياته وجد أنه بقدرته أن يفعل كل شيء وأن يكون سيدا مطلقا في هذا الكون. والسبب قد يؤدي إلى الغاية؛ فالإنسان يعيش في هذا العالم لغاية. فهو رسالة، والكون غاية. والإيحاء بأن هناك قدرة شاملة تعم كل شيء، تعني أن الرسالة موضوع قوة وصراع شامل يوجهه الإنسان لتحقيق رسالته. ولما كان الوحي موجها نحو الإنسان ومعطى له، فهو قصد إنساني موجه إلى الإنسان كغاية. الوحي والإنسان معا غاية واحدة موجهة نحو العالم. كيف إذن يحاول عالم الكلام أن يتصور أن إرادة الوحي وإرادة الإنسان يسيران وجها لوجه في اتجاهين متعارضين، كل منهما يقابل الآخر ويقف له بالمرصاد؟ هذا القلب المبدئي هو سبب هذا التراث العريض من النظريات والحجج لحل مشكلة وهمية لا وجود لها ناتجة عن وضع خاطئ لعلاقة إرادة الوحي بإرادة الإنسان حتى يظهر الصراع بالقيام بمعركة في الهواء تتم في خيال المتكلم وتعبر عن عجزه في الواقع، وعلى سيطرة الانفعال على عقله، وعلى أنه يعيش في عالم حسي خالص. كل ذلك ناشئ عن الوهم بأن الطرف المقابل للحرية هو الله وليس الموقف، وأن الله هو ميدان الحرية وليس الطبيعة، وأن الإرادة الإلهية هي التي تقف للحرية بالمرصاد وليست صنوف القهر وأنواع العقبات التي تمنع الإنسان من التحرر. (3-2) نظرية أم موقف؟

अज्ञात पृष्ठ