قال أبو الفضل: وكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا أو رغيفين في هذه الأيام، فلم أقدر عليه. وأخبرني رجل حضره أنه تفقده في هذه الأيام الثلاثة وهم يناظرونه ويكلمونه، فما لحن في كلمة، وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه.
قال أبو الفضل: دخلت على أبي رحمه الله يوما، فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي فقال: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك. فقال فضل: لا جعلت أحدا في حل فتبسم أبي وسكت، فلما كان بعد أيام قال لي: مررت بهذه الآية {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم، حدثني المبارك، حدثني من سمع الحسن، يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة، نودوا: ليقم من أجره على الله عز وجل، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، وجعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله بسببه أحدا.
أخبرنا محمد بن حمد، أخبرنا علي بن الحسين، أخبرنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن علي بن عمران، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حامد، قال: قرئ على العباس بن المغيرة: حدثنا أبو علي حنبل، قال: قال أبو عبد الله: ولقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطلق لساني أن أحكيه، أنكروا الآثار وما ظننتهم على هذا حتى سمعت مقالتهم، وجعل ابن عون يقول: الجسم وكذا وكذا، فقلت: لا أدري ما تقول. وقلت: هو الأحد الصمد. قال أبو عبد الله: فاحتججت عليه، فقلت: زعمتم أن الأخبار تردونها باختلاف أسانيدها وما يدخلها من الوهن والضعف، فهذا القرآن، نحن وأنتم مجمعون عليه، وليس بين أهل القبلة فيه خلاف، وهو الإجماع.
पृष्ठ 60