المقدمة نحمد الله تعالى على كماله حمد الموجود موجده، ونشكره على عطائه شكر المخلوق خالقه، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى أولي الدراية والنهى وعلى أوصيائهم مصابيح الدجى ولا سيما على خاتمهم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وعلى آله أئمة الديانة والهدى.
وبعد، فإن أول ما يلاحظ الناظر إلى مؤلفات فقهاء الطائفة الإمامية ومصنفات جهابذتها في فقه الشريعة الإسلامية وأصولها هو الدور المهم والبارز الذي مارسه هؤلاء المحققون في حفظ الدين وأحكامه من الدس والتضليل وصيانته من التحريف والتبديل.
فببركة جهودهم المتواصلة ومساعيهم الحثيثة في تفريع الفروع واستنباطها من الأصول ظل هذا الدين الحنيف حيا في نفوس الناس إلى يومنا هذا ومنتشرا في كافة البقاع والأمصار، وهذا هو الذي صار سببا رئيسيا في ظهور مسائل جديدة واستحداث وقائع حديثة تستلزم معرفة نظر الشارع المقدس فيها.
ومن هؤلاء الأفذاذ العلامة أبو منصور الحسن بن يوسف الحلي الذي حاز على قصب السبق في هذا المضمار، وبذل الجهد في هذا الحقل، فطفق بتصنيف كتابه " قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام " حيث جمع فيه أبواب الفقه كاملة ليصير بالتالي سفرا جليلا لما اتسم فيه من غزارة مادته ودقته العلمية اللتين كانتا السبب الأول في تظافر العلماء على الخوض فيه بالشرح تارة والتعليق عليه أخرى، حتى عد صاحب الذريعة ما يقارب الثلاثين شرحا وخمس عشرة حاشية عليه. PageV0MP003
وهذا الكتاب - الماثل بين يديك أيها القارئ والذي سطرته يراعة الفقيه المحقق والعالم المدقق السيد محمد جواد العاملي (1226 ه) - من أشهر هذه الشروح وأنفعها، وذلك لأن المؤلف (رحمه الله) إنما أعده للاستيفاء الشامل لأقوال الفقهاء، المتقدمين منهم والمتأخرين، ولمواقع إجماعاتهم وموارد الاشتهارات المدونة في بطون مصنفاتهم، حتى أضحى مصدرا من مصادر فقه الشريعة الإسلامية، وإحدى الموسوعات الفقهية الضخمة للطائفة الإمامية المحقة.
وقد عرف مصنف هذه الموسوعة بغزارة الاطلاع وسعة الباع والضبط والإتقان وخبرته الطويلة في مجالي الفقه والأصول حتى قال صاحب " روضات الجنات " في ضمن ذكر ترجمة المحقق القمي (1231 ه): إنه كان يرجع في مسائل الفقه عند شكه في وجود خلاف في مسألة ما إلى سيدنا الفقيه المتتبع السيد جواد العاملي صاحب " مفتاح الكرامة " أيام إقامته عنده ونزوله عليه في قم المباركة. (أعيان الشيعة: 4 / 289).
فنظرا لأهمية هذه الموسوعة الفقهية ومكانتها البارزة، ولعدم وجود طبعة لها محققة وموثقة، أزمعت مؤسستنا على تحقيقها وطبعها بالحلة المناسبة لها، فعهدت بمهمة التحقيق والإشراف على مراحل العمل فيه إلى الحجة المحقق الشيخ محمد باقر الخالصي حفظه الله، فانبرى لهذه المسؤولية بهمة وإخلاص، فبذل قصارى جهده في متابعة مراحل تحقيق هذه الموسوعة، مضافا إلى ما دبجته يراعتاه حول شخصية المصنف ومقامه بين العلماء والمحققين، فشكر الله سعيه وجعله ذخرا له في الآخرة.
ولا يفوتنا أن نتقدم بجزيل الشكر لجميع الإخوة العاملين الذين ساهموا في إنجاز هذا المشروع المبارك، سائلين الله سبحانه لهم ولنا دوام الخير والتوفيق إنه بعباده خير رفيق.
مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة PageV0MP004
نبذة من حياة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل لنا طلاقة النطق باللسان وأعاننا عليه بتعلم الكتابة وقدرة البيان ثم شرفنا بشرافة الإخلاص ونعمة الإيمان.
والصلاة الدائمة المتواصلة على أنبيائه الذين بلغوا عنه إلى عباده رسالاته وأدوا عنه إليهم أماناته ولا سيما على خاتمهم وسيدهم من الأولين إلى الآخرين محمد وعلى آله المعصومين أئمة عباده وأمنائهم على بلاده.
وبعد إن هذا الكتاب الماثل بين يديكم أيها القراء الأفاضل هو مفتاح الكرامة في فقه الإمامية، كتبها أحد أعلام الشريعة وأعاظم فقهاء الشيعة الذي عاش بين القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر وهو السيد محمد جواد العاملي (رحمه الله). فلا بد لنا من أن نعرف أولا مؤلفه الفاضل حسب ما ظفرنا عليه من حياته الطيبة وثانيا هذا الكتاب المتفرد في فنه لمطالعيه وناظريه أهل العلم والتحقيق المراجعين إليه في طي تفحصهم في الفقه الجعفري.
نسبه الشريف:
أما اسم مؤلفه فهو - على ما أنسبه إليه المحقق الفقيه السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله)، الذي هو من البيت وأهل البيت أدرى بما في البيت - محمد جواد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قاسم بن علي بن علاء الدين بن علي الأعرج ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن مظفر بن محمد بن علي بن حمزة بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن
पृष्ठ 1
علي بن أبي طالب (عليهم السلام). وقد يصف نفسه في بعض مصنفاته بالحسيني الحسني الموسوي، وكان وجه انتسابه نفسه إلى الحسن المجتبى وموسى الكاظم (عليهما السلام) من جهة أمهاته أو جداته.
فالرجل ينتهي إلى النجيب الشريف الثائر المتعهد المحامي عن شرف العترة الطاهرة، زيد بن علي بن الحسين ثم إلى الأئمة زين العابدين وأبي عبد الله الحسين وأمير المؤمنين وفاطمة سيدة النساء عليهم أفضل الصلاة وأحسن السلام، فنسبه أشرف الأنساب وعروقه أعرق الأعراق وصلبه أصلب الأصلاب.
وأما مولده فهو ولد (رحمه الله) في قرية " شقراء " من قرى جبل عامل بلبنان.
وأما سنة ولادته فلم يضبطه أحد على التحقيق والتعيين إلا أن الأمين العاملي (رحمه الله) أثبتها في حدود المائة ونيف وخمسين بعد الألف.
مسيره في تحصيله وأساتيذه من ابتدائه إلى انتهائه:
والظاهر أن أوائل ابتدائه في تحصيل العلوم كان في جبل عامل، فشرع في مقدمات العلوم الإسلامية الدخيلة في التفقه في هذا المكان. ثم بعد استكماله تلك المقدمات سافر إلى العراق، فأقام في إحدى الحوزتين المعروفتين الدائرتين في ذلك الزمان وهي كربلاء المقدسة بعد النجف الأشرف فاستوطنها وذلك لأن بلدة كربلاء في ذلك الزمان صارت حوزة علمية عالية للمريدين وقطبا دائرا لتحصيل العلوم الإسلامية للمتعلمين ولا سيما في الفقه الجعفري وأصوله الاعتقادية والفقهية.
وكان قطب رحا حوزة كربلاء المقدسة ومحور تحقيقها وتدريسها حينئذ هو الفقيه الأمجد والأصولي الأوحد أستاذ فقهاء عصره المحقق المدقق آية الله وحجة الاسلام آقا محمد باقر الشهير بالوحيد البهبهاني (رحمه الله) وبعده في الشهرة والعظمة ابن أخته الفقيه الأصولي آية الله السيد علي الطباطبائي صاحب رياض المسائل.
ومعاصر هذين الأستاذين المحققين في تلك البلدة الطيبة المستقر في طرف ضدهما من حيث المبنى والمسلك الفقيه العالم المحقق آية الله الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناضرة وهؤلاء الأعلام وغيرهم كانوا مصابيح العلم في تلك البلدة المقدسة وآية تحقيقها في تلك الكلية الفقهية وكان طلبة العلم
पृष्ठ 2
والفقه يشدون الرحال من جميع نواحي البلاد الإسلامية إلى تلك الحوزة وإلى حوزة النجف الأشرف.
فلأجل ذلك قصدها أي كربلاء المقدسة المترجم له بعد أن اشتغل بمقدمات العلوم مدة غير يسيرة في جبل عامل لبنان، فهاجرها قاصدا من ذلك اكتساب العلوم وتحصيل الحقائق فاستوطنها إلى أن مات أستاذه الوحيد البهبهاني (رحمه الله).
ويظهر مما ذكره بعض الأعلام أنه بعد وروده تلك البلدة الطيبة والحوزة المباركة حضر جلسة مذاكرة السيد الفقيه السيد علي الطباطبائي ولذا حكى عن بعض مصنفاته وإجازاته أنه قال: إنه - أي صاحب الرياض - أول من علمني ورباني وقربني وأدناني، ولذا يعبر عنه كثيرا ما في كتابه هذا ب " شيخنا " أو " أستاذنا " وهذا الكلام المحكي عنه بظاهره يشعر بأن صاحب الرياض أول أساتيذه ومعلميه وأنه لم يتعلم قبله من أحد، إلا أن ذلك بعيد جدا، فإن صاحب الرياض كان - إذ هبط الشارح ذلك المهبط - من الفقهاء المجتهدين ومن مدرسي خارج الفقه والأصول ومثله لا يكون مدرسا لمقدمات العلوم ومبادئها التي يتكفل تعليمها أوساط الطلبة ومن يتردد في بادئ الرأي من المعلمين.
ثم بعد أن حضر مجلس بحث الطباطبائي برهة من الزمن حضر حوزة أستاذه الوحيد البهبهاني (رحمه الله) وقيل: إنه كان ملازما لدرسيهما معا في زمان واحد مشغولا بذلك عن الخروج من كربلاء حتى لزيارة النجف الأشرف وهو (رحمه الله) دائما يعبر عن أستاذه هذا ب " أستاذنا الآقا أو الأستاذ أدام الله حراسته ". وهو (رحمه الله) قد عنى في هذا الكتاب بنقل كلام هذا الأستاذ أكثر من عنايته بنقل كلام سائر أساتذته.
ثم بعد أن ارتحل الوحيد البهبهاني إلى رحمة الله تعالى هاجر سيدنا المترجم له إلى النجف الأشرف الحوزة الأم لجميع الحوزات العلمية للشيعة الإمامية فحضر حلقة درس العلامة العابد والحجة المجاهد والفقيه الزاهد صاحب الملكات القدسية والنفس الزكية السيد مهدي الطباطبائي المعروف ب " بحر العلوم " وحلقة بحث الشيخ الأكبر أفقه المتأخرين المحقق المدقق الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء الذي اشتهر لأجل تأليف هذا الكتاب العظيم في فنه المتقن في بيانه المبتكر في كثير من آرائه ب " كاشف الغطاء " وحلقة بحث الشيخ الفقيه المتعبد
पृष्ठ 3
الشيخ حسين نجف.
ولكنه على ما يقال: لم يزل كان ملازما لجلسة بحث العلامة الطباطبائي إلى أن ارتحل الطباطبائي إلى رحمة الله ورضوانه وبقي ملازما لحوزة درس الشيخ جعفر مدة مديدة إلى أن سافر الشيخ المشار إليه إلى إيران لأجل تبليغ الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك لأن هذا الشيخ كان مهتما شديد الاهتمام بهذا القانون ويحسب أن العمل بهذا القانون الإلهي من وظائفه الخاصة المعينة عليه، لأنه كان يرى نفسه مستعدا لهذا الأمر أكثر من أن يرى غيره مستعدا لذلك. فاستقل المترجم له بالتدريس والتحقيق بعد سفر أستاذه ولم يحضر حلقة درس هذا الشيخ الأكبر بعد رجوعه من بلاد إيران أيضا.
فالرجل - على ما عرفت - ولد وترعرع في بيت السيادة والشرافة ونشأ وتربى في منبت العلم ومهد العلماء الأفاضل والفقهاء الأماجد فعليه لا غرو ولا عجب من ارتقائه بعد برهة غير طويلة إلى أعلى مدارج الكمال، وهو الفقاهة حسب ما بينه الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) بحيث صار مشارا بالبنان ومرجعا لحل معضلات الفقه ورفع مشكلات علوم الدين حتى أقر بفضله مثل هؤلاء الأبطال في ميدان التحقيق والأساتذة النادرة في مقام التدقيق.
قال أستاذه المحقق البهبهاني في إجازته التي كتبها له على ما حكي: استجاز مني العالم العامل والفاضل المحقق المدقق الماهر العارف ذو الذهن النقاد والطبع الوقاد مولانا السيد السند السيد محمد جواد حرسه الله تعالى وأبقاه ووفقه لما يحبه ويرضاه فأجزت له، إلى آخر ما كتب له بخطه.
وقال المحقق القمي صاحب القوانين في إجازته التي كتبها بخط يده على مجلد الفرائض من مفتاح الكرامة حينما زار أئمة العراق وأقام مدة يسيرة في الغري: أما بعد فقد استجازني الأخ في الله السيد العالم العامل الفاضل الكامل المتتبع المطلع على الأقوال والأفكار الناقد المضطلع بمعرفة الأخبار والآثار السيد جواد العاملي مؤلف هذا الكتاب فاستخرت الله وأجزت له أدام الله أفضاله وكثر في الفرقة الناجية أمثاله، إلى آخر ما كتب له بخطه.
وحكي عن بعض أهل الورع أنه قال: مما تحققناه من أحواله على حد التواتر
पृष्ठ 4
أنه كان مشهورا بين علماء عصره من زمن حضوره على أستاذه الوحيد البهبهاني إلى يوم وفاته بالضبط والاتقان وصفاء الذات وأن أجلاء العلماء - سواء من مشايخه المتقدم ذكرهم أو من غيرهم - كانوا إذا أشكلت عليهم مسألة أرادوا تدريسها أو تصنيفها أو الإفتاء بها ووجدوا الأساطين مضطربين في كلماتهم والأخبار متعارضة متخالفة في مداليلها أو مسانيدها، سألوه عما حققه هو في تلك المسألة فإن لم يكن له تحقيق فيها التمسوا منه كتابتها وتحقيقها فيقفون عند قوله وتحقيقه، لعلمهم بغزارة اطلاعه وجودة انتقاده وشدة ممارسته لكلمات العلماء وعرفانه بمحط أنظار الفقهاء ومأخذ براهينهم واستدلالاتهم ولخبرته بعلم الرجال.
وقد قيل: إن تأليف جل كتبه أو كلها إنما كان بالتماس أسطوانة من هذه الأساطين أو أستاذ من هؤلاء الأساتذة. وهذا أمر يظهر بالنظر في ديباجة كتبه المشار إليها. وهذا يدل على علو شأنه وانفراده في عصره بما لا يشاركه فيه غيره من علماء زمانه.
قال صاحب روضات الجنات: كان من فضلاء الأواخر ومتتبعي فقهائهم الأكابر وقد أذعن بكثرة اطلاعه وسعة باعه في الفقهيات أكثر معاصرينا الذين أدركوا فيض صحبته بحيث نقل إن الميرزا أبا القاسم صاحب القوانين كان إذا أراد في مسألة تشخيص المخالف والمؤالف يرجع إليه فيظفر به.
وقال في ترجمة صاحب القوانين: إنه كان يرجع في مسائل الفقه عند شكه في وجود مخالف في المسألة إلى سيدنا الفقيه المتتبع السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة أيام إقامته عنده ونزوله عليه في قم المباركة.
ولأجل هذه الشهرة الحسنة والاعتبار المقبول المشهور ولأجل هذه السابقة المضيئة كان معظما مبجلا عند العلماء كافة.
نقل: أن أستاذه بحر العلوم اعتزل التدريس أياما فاشتد الأمر على تلامذته وعزموا على أن يشفعوا لديه وجها مقربا ورسولا معتبرا فلم يروا في العلماء من يكون لديه أقرب ولا أوجه من صاحب الترجمة فأرسلوه إلى السيد تشفعا فلما رآه السيد الطباطبائي استبشر به وجعل يعتذر من اعتزاله عن الدرس بأن ذلك
पृष्ठ 5
كان لأجل خطور الشك في قلبه من ملاحظة أخبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ورد فيهما من التحريص عليهما والوعيد على تركهما، وقال: إني تمكنت في هذا الزمان ما لم يتمكن منه غيري فلم يحصل لي يقين الخروج عن عهدة هذا التكليف ولا انكشف عن قلبي حجاب الشك إلا بمجيئك لدي وشفاعتك في تركي الاعتزال عن التدريس. ثم أخذ بيده وخرج مظهرا للجماعة المنتظرة لقدومهما أن تبدل رأيه وانصرافه عن ترك التدريس كرامة لسيدنا الجواد (رحمه الله).
وهذا يدل على أن قوله ورأيه كان معتبرا لدى السيد أكثر من اعتبار رأي فقيه محقق، بل كان اعتبار رأيه عنده في حد اعتبار الحجة الشرعية والآية الربانية، فلاحظ وتأمل.
ويقال: إن الشيخ جعفر أراد أن يرسل الفقيه المعظم صاحب الجواهر إلى أصفهان، فاستشار في ذلك أستاذه صاحب الترجمة فمنعه من ذلك وبشره بأنه سيكون قريبا صاحب المنبر الأعظم للتدريس في النجف الأشرف فكان الأمر كما قال.
استقامته وثباته في المسير:
كان صاحب الترجمة في أمر درسه وتحقيقه من أول الأمر ولا يزال ثابت القدم قوي الإرادة، عظيم الهمة، لم يرجع عن عزمه وتصميمه ولو ساعة واحدة بل كان يشتغل جميع الأوقات في تحقيقه وكتابته، ليله ونهاره إلا برهة يسيرة منهما استثناها لأجل الواجبات الشرعية أو الأمور الضرورية كالأكل والنوم.
حكي عن ابنته - وكانت على ما يقال مشهورة بالتقوى - أنها قالت: كان والدي يكتب ويقرأ وكتبه كلها مفتوحة بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله وهو يدور عليها والقلم والكاغد بيده يطالع ويكتب وكان كثيرا ما ينسى أكل طعامه في وقته فالتزمت والدتي أن تقدم الطعام إليه كل يوم وليلة في وقته وتنبهه على تناوله في حينه.
ومما اشتهر عنه أن سبطه الشيخ رضا ابن زين العابدين كان معه في داره
पृष्ठ 6
فكان إذا فرغ من مطالعة دروسه ينام ويبقى هو مشغولا بشغله فكثيرا ما كان (رحمه الله) يلتفت إليه ويقول: ما هذا التعشق للنوم أنه ليكفيني منه هكذا، ثم يضع رأسه بين ركبتيه وينام من حينه سنة ولا يكاد يلتذ بنومه هذا حتى يستيقظ فيرجع إلى اشتغاله بالكتابة والمطالعة.
وحكي عن ابنته هذه: إنه ربما كان يوقظ سبطه المذكور للنافلة ولكن لم نجده يقوم للنافلة بنفسه وكان ذلك منه حرصا على اشتغاله.
ومما يؤيد ذلك ما كتبه في آخر مجلد الإقرار من مفتاح الكرامة فقال: كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية أجزاء أو تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء مع هذا التتبع والاستيفاء وذلك أني تركت له سائر الأعمال التي يعملها العاملون في شهر رمضان إلا ما قل جدا مؤثرا للتحصيل والاشتغال على جميع أعمال شهر رمضان.
ومما يدل على ذلك أنه (رحمه الله) صنف وألف جملة من مصنفاته في أيام محاصرة الخارجي سعود بن عبد العزيز الوهابي لبلدة النجف الأشرف ومن تلك المصنفات جملة من مجلدات هذا الكتاب، مع أنه كان يجالس مع العلماء لإعمال الحيلة فيما يخلصهم من هذه العويصة وربما كان مع جملة منهم يمر على الحفظة والحرس ويحرضهم على الجهاد والمدافعة عن تلك البلدة المشرفة.
فإذا انتهى الكلام إلى هذا المقام فجدير أن نذكر بعض ما أوصى به هذا السيد في آخر كتاب الإقرار إخوانه في التحصيل والتحقيق، فقال بعدما أوصى به من الجد والسعي في التحقيق ودوام التحصيل: وأوصي إخواني أن لا يغادروا من أوقاتهم في غير التحصيل وبالزهد في هذه الدنيا فإن الميل إليها آفة التحصيل انتهى. وأنا أقول: ولله دره فقد أصاب في الكلام وأجاد في المرام بل الواقع هو أنه لا آفة للتحصيل أضر وأمنع من الميل إلى الدنيا فضلا عن الخوض فيها والتلوث بلوثها والتسكر من سكرها .
هذا بعض ما طلع علينا من أطراف حياة مؤلف هذا الكتاب من زوايا تاريخ حياته المشرقة وجهوده المشكورة. ولعل للقارئ الكريم في هذا المقدار تنبه
पृष्ठ 7
وكفاية عن أكثر من ذلك فإن بروق هذه الزوايا من تاريخ حياة هذا العالم الديني والرجل الإلهي تكفي المتعلم السالك في طريق التحصيل والتعلم للاطلاع على طريق الصواب من طرق كيفية الاشتغال لمشتغلي علوم الدين ولمريدي طريق المعرفة واليقين.
المقدمة مؤلفات الشارح:
للشارح المعظم تآليف علمية كثيرة وتصانيف ثمينة ذكر بعضها السيد الخوانساري (رحمه الله) في الروضات وذكر أسماء جلها أو كلها السيد الأمين العاملي (رحمه الله):
منها: " شرح طهارة الوافي " وهو تقرير بحث أستاذه بحر العلوم يتكلم فيه عن أخباره أولا من جهة السند وثانيا من جهة الدلالة. ابتدأ فيه البحث من خبر علي ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) في رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا، إلى آخره.
وسبب ابتدائه البحث بهذا الخبر أنه لما عزم على الكتابة كان الدرس في هذا الخبر وانتهى الكلام فيه إلى بحث مسح الأذنين والقفا في الوضوء. وهذا الكتاب يشتمل على تحقيقات رجالية وفوائد جليلة في معاني تلك الأخبار.
ومنها: " حاشية على طهارة كتاب المدارك " تقرب من خمسة آلاف بيتا.
كتبها في الأيام التي حضر فيها حلقة درس الشيخ حسين نجف ووصل فيها إلى آخر مبحث تنجس الماء القليل بالملاقاة.
ومنها: " حاشية على تجارة القواعد " كتبها حين قراءته على أستاذه بحر العلوم. بدأ فيها بتفسير العوض وأنه يصدق على الثمن والمثمن وختمها بمبحث تملك العبد وعدم تملكه.
ومنها: " حاشية على كتابي الدين والرهن من القواعد " كتبها حين قراءته على شيخه الشيخ جعفر (رحمه الله). ابتدأ فيها من قول العلامة: ويتملك المقترض، وانتهى إلى أواخر الرهن عدا ثلاث ورقات عن آخره.
ومنها: رسالة مبسوطة سماها " العصرة في حكم العصير العنبي والتمري " كتبها بالتماس من أستاذه الشيخ جعفر حين قراءته عليه هذه المسألة. فقال له
पृष्ठ 8
الشيخ (رحمه الله): استقر نظري في هذه المسألة على الحلية واختار سيدنا بحر العلوم الحرمة، فأحب أن تكتب ما ذكر فيها من الشهرة والإجماع وما ورد فيها من الأقوال وتورد فيها جميع ما ورد في تلك المسألة في الوسائل والوافي من الأخبار. قال الأمين العاملي (رحمه الله): وجدت عليها تقريظ شيخه الشيخ حسين نجف وتقاريظ أخرى.
ومنها: " رسالة في المواسعة والمضايقة " كتبها بالتماس شيخه السيد صاحب الرياض.
ومنها: " حواش على الروضة " كتبها على المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة وبعض الوصايا وتمام النكاح وبعض الطلاق.
ومنها: " شرح على الوافية " للفاضل التوني. قال الأمين العاملي (رحمه الله): مجلدان أكبر من القوانين تام على الظاهر إلا قليلا، بسط فيه الكلام وتعرض لأغلب كلمات الأساطين من الأصوليين والأخباريين المتقدمين منهم والمتأخرين، وذكر فيه جميع ما وقع من المباحثة والمناظرة بين الشيخ الأكبر الشيخ جعفر والمحقق السيد محسن البغدادي في جريان أصل البراءة في أجزاء العبادات.
ومنها: " رسالة في مسألة الشك في الشرطية والجزئية في العبادات " وذكر فيها مباحثه التي وقع بينه وبين شيخه صاحب الرياض في ذلك.
ومنها: " رسالة في مناظرة أستاذه الشيخ جعفر والمحقق السيد محسن الكاظمي " جمع فيها مناظرتهما بتمامها وما تكاتبا به وفيها بعض ما كتبه الشيخ جعفر بيده.
ومنها: " حاشية صغيرة على أول تهذيب الأصول " للعلامة الحلي.
ومنها: " أوراق في مقدمة الواجب " علقها على المعالم.
ومنها: " رسالة في التجويد ".
ومنها: " رسالة في الرد على الأخباريين " نافعة جدا وقد قرظها المحقق البغدادي بعبارات بعضها: لا زلت موفقا لهداية الخلق وإرشاد الناس إلى الحق والكشف عن الخفايا والدلالة على الخبايا.
पृष्ठ 9
ومنها: " رسالة في وجوب الذب عن النجف الأشرف " لأنها بيضة الإسلام.
مختصرة كتبها من خطه ولم تكن عنده كتبه.
ومنها: " منظومة في الرضاع " نحو مائة وأربعين بيتا.
ومنها: " منظومة في الخمس " تقرب من ثمانين بيتا.
ومنها: " منظومة في الزكاة " تقرب من مائة وعشر أبيات.
ومنها: " رسالة صغيرة في مسألة جواز العدول عن العمرة عند ضيق الوقت إلى الإفراد ".
ومنها: " مفتاح الكرامة " هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه ونقده وتصحيحه.
تلامذته:
وأما تلامذته ومن كان يحضر حلقة بحثه ودرسه واستضاء من ضوئه واستنار بنوره فالعادة تقتضي في مثل هذه السادة القادة كثرتهم إلا أنا لم نجد من يتعرف في كتب التراجم بذلك إلا صاحب الجواهر (رحمه الله) كما مرت الإشارة إليه قريبا والشيخ مهدي المشهور بملأ كتاب والشيخ محسن بن أعسم ولعل السبب في قلة تلامذته أنه كان شديد الاشتغال بالفحص والقراءة أو الضبط والكتابة دائما.
مفتاح الكرامة ومكانته بين المؤلفات الفقهية منذ ألف هذا الكتاب القيم بيد مؤلفه الفاضل صار مرجعا لمحققي مسائل الفقه الشيعي ومنظرا للفقهاء المؤلفين لكتب الفقه الجعفري.
وذلك أولا لاعتماد أساتيذ الفقه ومعلميها في ذلك الزمان على كتابه في نقل الإجماع والشهرة ونقل الأقوال الواردة في كل مسألة فقهية، فهذا صاحب الجواهر الفقيه المحقق مؤلف جواهر الكلام الذي لم يسبق له نظير في تاريخ تأليف فقه الشيعة اعتمد في نقل الأقوال والإجماع والشهرة على كل مورد نقلها صاحب مفتاح الكرامة. وقد نقل بعض مشايخنا الفضلاء (رحمه الله) عن العلامة الفقيه المحقق آية الله الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي إن هذا الكتاب كان مرجعا لصاحب الجواهر في تحقيقاته الفقهية في كتابه كثيرا، وقال (رحمه الله): إنه لم يكن معروفا في
पृष्ठ 10
حوزة قم المباركة قبل نزول السيد البروجردي تلك البلدة وهو الذي عرف هذا الكتاب وكتاب كشف اللثام للفاضل الهندي بين محصلي علوم الدين ومحققي مسائل الشريعة.
وثانيا أن تأليفه حسب ما صرح به نفسه في أول كتاب الطهارة إنما كان بأمر من شيخه وأستاذه الأعلم الأفقه في زمانه الشيخ جعفر كاشف الغطاء. فإنه هو الذي أمره بأن يؤلف كتابا يذكر فيه جميع الأقوال الواردة في كل المسائل الفقهية وينقل في كل مسألة من تلك المسائل الإجماعات والشهرات المذكورة أو المنقولة في كتب الفقهاء وجعل عليه أن يصرح فيه بأسامي مصادر تلك الأقوال والإجماعات ويذكر فيه الدليل الذي لم يتعرض له الأصحاب وقال له: أما كتاب مختلف الشيعة تأليف العلامة الحلي (رحمه الله) وإن كان مؤلفا في هذا الموضوع إلا أنه إنما ذكرت فيه الأقوال والإجماعات والشهرات في المسائل الخلافية وهو مع ذلك لم تذكر فيه جميع تلك الأقوال الواردة في تلك المسائل، بل ولم تذكر فيه جميع المسائل الخلافية. فعندئذ أجابه صاحب المفتاح في مسؤوله وتلقاه بقبوله.
وهذا الأمر يعطينا أن الشيخ جعفر الذي قيل إنه الأفقه من جميع الفقهاء ما عدا الشهيد والمحقق الأولين لم يعتمد في ذلك على غيره والحال أنه كان هناك كثير من الفقهاء من أصحاب القلم لا يزالون يؤلفون ويصنفون، بل كان هناك صاحب الجواهر وصاحب مقامع الفضل وغيرهما في حال تأليف كتابيهما في نفس ذلك الزمان وهما كغيرهما كانوا بمنظر منه ومسمع ومع ذلك كله لم يعتمد عليهما ولا على غيرهما في هذا الأمر وإنما كلفه نفسه بتأليف مثل هذا الكتاب.
قال صاحب الروضات: لم ير عين الزمان أبدا بمثله كتابا مستوفيا لأقوال الفقهاء ومواقع الإجماعات وموارد الاشتهارات وأمثال ذلك من غير خيانة في شئ منها والاجتهاد له في فهم ذلك كما هو عادة تلميذه بما لا مزيد عليه لكل من يريد اجتهادا في مسألة من مسائل الفقه (1).
وقال العلامة الأمين العاملي (رحمه الله): هو كتاب لم يسمح الزمان بمثله في استيفاء
पृष्ठ 11
أقوال العلماء ومواقع الشهرة والإجماع والتنبيه على الخلل الواقع في جملة من الأنقال مع كمال التتبع وعدم الاكتفاء بالنقل. وبالجملة فهو في بابه عديم النظير بين مصنفات الأصحاب (1).
وأما نفس الكتاب فمن حيث المتانة وفصاحة العبارة ومن جهة الترتيب وصحة النقل فلنا في ذلك بعض الكلام لأنه من حيث المتانة وفصاحة العبارة وإن كان بمكان ومقام إلا أنه لا يحتوي من ذلك على كل المكان والمقام لأنه يمكن للمؤلف العارف بأساليب الكلام أن يجئ بما هو أمتن وأفصح من عبارته وأبلغ، فانظر إلى كتاب كشف الغطاء تأليف أستاذه فإنه أدرج فيه من المطالب العلمية الأصولية والفقهية بأفصح عبارة وأبلغ كلام بما يتعجب منه الأديب الأريب الممارس.
وأما من حيث الترتيب فكذلك لأنا نرى المؤلف كثيرا ما يذكر فرعا يتبعه بفروع ثم بعد فاصلة كثيرة يرجع إلى الفرع السابق أو أنه يذكر فرعا ثم يتجدد ذكره مرة أخرى أو أنه يذكر إجماعا وشهرة على فرع ثم يذكرهما في مكان آخر من غير ضرورة واحتياج. وكذلك أمره من حيث صحة النقل فإنه (قدس سره) كثيرا ما حكى عن كتاب إجماعا أو شهرة أو ينقل عن فقيه أو مؤلف قولا ورأيا في مسألة مع أنا إذا راجعنا إلى المأخذ المنقول عنه الإجماع المذكور أو الشهرة المذكورة لم نره فيه أصلا أو نرى أن المنقول إنما ورد في المصدر المشار إليه على صورة أخرى غير الصورة التي نقله عنه في كتابه أو على ضد ما حكاه عنه بعبارته. وأنت إذا طالعت هوامشنا وتعاليقنا على هذا الكتاب رأيت ذلك الذي بيناه منه كثيرا.
ولعل التوجيه المناسب لمثل هذا المؤلف ولمثل هذا الكتاب إن نسخته التي نقل عنها هذا الكلام المنسوب إلى قائله أو تلك الشهرة أو ذاك الإجماع المدعى على المسألة نقلتها كذلك. وهذا توجيه يدل عليه بعض القرائن فإنه قد ينقل شيئا عن بعض الكتب والحال أنا إذا طالعناه لم نر فيه عينا ولا أثرا كما سيمر عليك موارد ذلك في الحواشي التي علقناها على الكتاب.
पृष्ठ 12
سيرتنا في تحقيق هذا الكتاب لقد استصعب علي الأمر حينما استدعى مني مسؤول مؤسسة النشر الإسلامي تحقيق الكتاب والتعليق عليه وذلك لما كان ذلك مانعا من سائر اشتغالاتي الفقهية والأصولية وغيرهما ولغير ذلك من الأمور التي لا نشير إليها وكان قرارنا في بادئ الأمر على مجرد الإشراف والنظارة على العمل المذكور إلا إني بعد ما تأملت في الكتاب وبدأت بالعمل وجربت أطرافه رأيت أنه لا محيص لي عن الإشراف الكامل العام والنظرة الدقيقة في جميع ما يجب أن يحقق أو يستخرج في الهوامش أو الحواشي ولذا جعلت على اللجنة المعينة من إخواننا أهل العلم المساعدين لي في هذا الأمر أن يرمزوا إلى كل مورد لم يمطئنوا في صحة إخراجه أو تحقيقه ولو بالخمس من المائة وكنت بعد ذلك ناظرا في تلك الموارد التي صرحوا بعدم اطمئنانهم للمطابقة ومحققا في الهوامش ما انتهى إليه نظري وجرت إليه قضاوتي ومعلقا على كل مورد ما يلزمه من النقد أو التقرير. ولأجل ذلك الذي ذكرنا طال زمان التحقيق المتعلق بكتاب الطهارة.
أضف إلى ذلك أن الكتاب يحتوي على فروع كثيرة مع آراء مختلفة وأقوال متعددة من كتب فقهية وأصولية شتى وقد تحتوي صفحة من صفحاته على أزيد من ثمانين نقلا من كلمات الفقهاء يجب علينا تحقيقها واستخراجها الصحيح من مآخذها ومصادرها. ولو كنا تسامحنا في ذلك واستسهلنا الأمر كما هو الذي يتراءى من محققي كثير من كتب الفقه وغيرها لكان يكفينا للتعليق على طهارة الكتاب وتحقيقه من الزمان سنة واحدة.
تنبيه وشكر ومن الجدير بالذكر للقارئ المحقق إن بعض مصادر أقوال الكتاب وآرائه لم نظفر عليه ولو خطيا وذلك ككتاب الدلائل المجهول علينا مؤلفه ومجمع الفوائد الذي نسبه الشارح إلى المحقق الثاني وحاشية الميسي وحواشي الشهيد الأول على القواعد وشرح الارشاد لفخر المحققين والأنوار المضيئة وأمثالها ولذلك لم نذكر في كل حاشية مربوطة على عدم الظفر به بل ننبه على فقده
पृष्ठ 13
في هذا الموضع من المقدمة.
نعم كنا نحتمل قويا أن مجمع الفوائد هو بعينه جامع المقاصد وإنما هما اسم مركب لشرح القواعد الذي ألفه المحقق المذكور وذلك لأجل ما رأينا كثيرا اتحاد الأقوال والكلمات المنقولة عنه في الشرح مع ما في جامع المقاصد إلا أن هذا احتمال لم تطمئن به النفس اطمئنانا ثابتا بل يحتاج إلى فحص وتحقيق أكثر.
وفي الختام يجب علينا أن نقدم الشكر لإخواننا الفضلاء الذين ساعدونا وأعانونا على هذا السعي البليغ والجهد العظيم ولسائر إخواننا أعضاء المؤسسة.
وأرجو من الله تعالى أن يوفقني وإياهم لمرضاته وينيلني وإياهم جزيل ثوابه وتوفيقاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
محمد باقر الخالصي تنبيهات 1 - اعتمدنا في نسخ هذا السفر الجليل على النسخة المطبوعة سابقا، وذلك لأنها مصححة بيد البحاثة الفقيه السيد محسن الأمين العاملي قدس سره العارف بالفقه واصطلاحاته معرفة تامة كاملة. وقد صرح (رحمه الله) بأنه قد بذل جهده في تصحيح أحسن نسخ هذا الكتاب، واهتم باختيار الأصح والأكمل منها. وهذا هو الحق على ما وجدناه أثناء تحقيقنا له. ومع ذلك فإنها لا تخلو من موارد ينبغي التأمل فيها، وقد صححنا كثيرا منها.
2 - إن أكثر موارد استخراج المنابع التابعة لكتاب " النهاية " بل غالبها هو من كتاب " النهاية ونكتها " المطبوع في هذه المؤسسة، فلا تغفل.
3 - إن الغالب في استخراج المنابع قد حذف لفظ " كتاب " من عبارة " كتاب الطهارة " أو " كتاب الصلاة ". وقد تداركنا ذلك في الجزء الرابع من هذا السفر القيم.
والحمد لله رب العالمين.
पृष्ठ 14
مفتاح الكرامة
पृष्ठ 15
خطبة قواعد الأحكام الحمد لله على سوابغ النعماء وترادف الآلاء، المتفضل بإرسال الأنبياء لإرشاد الدهماء والمتطول بنصب الأوصياء لتكميل الأولياء والمنعم على عباده بالتكليف المؤدي إلى أحسن الجزاء، رافع درجات العلماء ومفضل مدادهم على دماء الشهداء وجاعل أقدامهم واطئة على أجنحة ملائكة السماء. أحمده على كشف البأساء ودفع الضراء وأشكره في حالتي الشدة والرخاء. وصلى الله على سيد الأنبياء محمد المصطفى وعترته الأصفياء صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء.
पृष्ठ 17
أما بعد، فهذا كتاب قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، لخصت فيه لب الفتاوى خاصة وبينت فيه قواعد أحكام الخاصة إجابة لالتماس أحب الناس إلي وأعزهم علي وهو الولد العزيز محمد الذي أرجو من الله تعالى طول عمره بعدي وأن يوسدني في لحدي وأن يترحم علي بعد مماتي كما كنت أخلص له الدعاء في خلواتي، رزقه الله تعالى سعادة الدارين وتكميل الرياستين، <div>____________________
<div class="explanation"> أن يوفقني لإتمام هذا الكتاب وأن يمن علي بفضله بالهداية والصواب وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعني به يوم الدين وأن يجعله تذكرة للعالمين وتبصرة للمتعلمين إنه أرحم الراحمين.
وقد امتثلت أمر سيدي وأستاذي ومن عليه بعد الله سبحانه وأوليائه صلى الله عليهم معولي واعتمادي الإمام العلامة المعتبر المقدس الحبر الأعظم الشيخ (1) جعفر، جعلني الله تعالى فداه وأطال الله تعالى للمؤمنين بقاءه.</div>
पृष्ठ 18
فإنه بر بي في جميع الأحوال، مطيع لي في الأقوال والأفعال والله المستعان وعليه التكلان.
<div>____________________
<div class="explanation"> قال أدام الله تعالى حراسته: أحب أن تعمد إلى قواعد الإمام العلامة أعلى الله تعالى في الجنان مقامه فتنظر إلى كل مسألة اختلفت فيها كلمات الأصحاب وتنقل أقوالهم وتضيف إلى ذلك نقل شهرتهم وإجماعهم وتذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها ذلك وإذا عثرت على دليل في المسألة لم يذكروه فإذ كره ومتنه واذكر عند اختلاف الأخبار مذاهب العامة على وجه الاختصار ليكمل نفعه ويعظم وقعه، فإن المختلف (1) وإن كان عميم الفائدة إلا أنه قد خلا عنه ذكر كثير من المسائل الخلافية وما ذكر فيه منها قد خلا عنه ذكر كثير من الأقوال، فامتثلت أمره الشريف ورجوته أن يسعفني بدعائه الصالح المقبول وفوضت أمري إلى الله وتوكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.</div>
पृष्ठ 19
وقد رتبت هذا الكتاب على عدة كتب: الأول:
كتاب الطهارة وفيه مقاصد: الأول في المقدمات وفيه فصول: الفصل الأول في أنواعها. الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة. وهي وضوء وغسل وتيمم. وكل واحد منها إما واجب أو ندب <div>____________________
<div class="explanation"> تعريف الطهارة قال الإمام المصنف العلامة قدس الله تعالى رمسه الشريف:
* (كتاب الطهارة) *. لا ريب أن الطهارة قد نقلت في العرف إلى معنى مناسب للمعنى اللغوي (1) وقد صرح جماهير الأصحاب بأنها حقيقة شرعية وفي</div>
पृष्ठ 20
<div>____________________
<div class="explanation"> " غاية المراد (1) والمدارك (2) " أن الأصحاب اختلفوا في المعنى المنقول إليه هل أخذ فيه إزالة الخبث أم لا؟ قال في " البيان " (3) الذي استقر عليه اصطلاح علماء الخاصة أن الطهارة هي كل واحد من الوضوء والغسل والتيمم إذا أثر في استباحة الصلاة انتهى.
وهذا ظاهر في دعوى الإجماع على عدم أخذ إزالة الخبث في تعريفها إن كان المراد بالاستباحة ما لا يمكن الدخول في الصلاة إلا به كما يأتي عن المحقق.
ولقد تتبعت فما وجدت أحدا أخذ ذلك صريحا في تعريفها سوى الشيخ المفيد أبي علي في " شرح النهاية " (4) فإنه عرفها بأنها الطهر من النجاسات ورفع الأحداث وسوى الفاضل العجلي كما يأتي.
نعم، وقع ذلك للعامة فعرفها جماعة (5) بأنها رفع مانع الصلاة من حدث أو خبث بماء أو رفع حكم بصعيد، وآخرون (6) بأنها عين اختصت بصفة تقتضي جواز القربان إلى الصلاة.
والأمر في هذا سهل وإنما الاختلاف الشديد في جواز إطلاقها على الصورة حقيقة أو ظاهرا كوضوء الحائض والمجدد؟
ومن ثم اختلف العلماء في تعريفها. وقد عرفها المصنف هنا بأنها غسل بالماء أو مسح بالتراب الخ.
وقد أورد عليه المحقق نصير الدين محمد بن علي القاشاني (7) عشرين إيرادا وقد ردها الشهيد في " غاية المراد " (8) إلى سبعة عشر وأجاب عنها كلها بأجوبة</div>
पृष्ठ 21