ثم اتبع ذلك بما سبق الوعد بذكره وبيانه حسب تيسير الحق وارادته.
ما في الديار مجاوب الا صدى المتصوت ناديت: أين أحبتي؟ فأجاب: أين أحبتي؟
فمن ذلك (1): ان من علامات من عرف هذه الأصول كشفا - لا عن فهم وتسلط بذكاء وفطنة - انه يجد حيرة لا يتوقع رفعها وزوالها ولا يشك فيها ولا يمكنه دفعها، ومتى لم يجد ذلك فليس بذائق لما ذكر، ومن علامة صحة وجدان هذا الذوق أيضا ان يتحقق انه ليس ثمة شئ في نفس الامر على صورة ما - معقولة أو موجودة محسوسة - يطمع في ادراكها ومعرفتها على التعيين والتحقيق البتة، بل بالنسبة إلى مرتبة ما أو حال أو ادراك أو مدرك بحسب قوة أو صفة أو آلة ونحو ذلك.
فان قيل: فما متعلق نفس الامر؟
فاعلم أنه ليس الا مجموع الأمور والاحكام المختلفة الواقعة في جميع الادراكات العقلية المعنوية والمشهودة الحسية والغير الواقعة بالنسبة، وهذا مما يظن أكثر العالم انه واضح جلى لا شك فيه - وليس كذلك - وصاحب هذا الذوق لا يتأسف على فوات أمر أصلا، وان شاهد الأرجح من كل أمرين وقع أحدهما قبل الاخر أو دونه وهو المرجوع ترجيحا فطريا أو مزاجيا أو حاليا أو موطنيا أو مقاميا ونحو ذلك. ولا يندم أيضا ولا يعول على شئ بعينه ولا يعتمد عليه ولا يتشوف لتحصيل مطلب معين شريفا كان أو غير شريف بالنسبة، الا ان عينه الوقت أو الحال أو المزاج أو الموطن أو المرتبة التي أقيم فيها ولا ينفعل جملته لأمر معين - لا دفعة ولا بالتدريج - بل بعض لبعض، ولا يرى في الكون من حيث الوجود تفاوتا لا في نفسه ولا في ما خرج عنه باعتبار ولا يحكم بالوجود على المراتب ولا بالعكس أيضا.
पृष्ठ 68