मौत माकाली वज़ीर सबीक़न
موت معالي الوزير سابقا
शैलियों
نادرون جدا هؤلاء، ندرة الكلمة الصادقة تضيع بين السماء والأرض؛ كقطرة ماء تضيع في بحر، كخفقة قلب، حقيقة تضيع في أغوار الصدر فلا يعثر الواحد منا عليها لو أراد. وكم من مرة يخفق القلب خفقة حقيقية واحدة وسط ملايين الدقات والضربات. في كل دقيقة يدق القلب سبعين دقة (في المتوسط)، وفي الساعة الواحدة أربعة آلاف، وفي الشهر الواحد ثلاثة ملايين، فكم يمكن أن يدق القلب في سنوات عمرنا؟ وهل يمكن لأحد فينا أن يعرف خفقة القلب الحقيقية من بين بلايين الدقات؟ بل إنه لو عرف فهل هو يمسك بها حتى لو أراد؟
كنت أدرك بعقل آخر غير ذلك علموني به أن حجم حياتي ليست هي عدد السنوات بين تاريخ ولادتي ووفاتي، كنت أدرك عن يقين أن هناك نبضا غير نبض القلب، وأن حجم حياتي كلها قد لا يكون إلا خفقة حقيقية واحدة أنجح في الإمساك بها من بين ملايين الخفقات غير الحقيقية، أو كلمة صدق تلقائية أنجح في الإمساك بها فوق الورق من بين ملايين الكلمات غير التلقائية.
عن يقين كنت أدرك هذه الحقيقة، أدركها بعقلي وجسدي، بالاثنين معا أدركها، وبالحواس التي أملكها ولا أملكها، ومع ذلك كم كان هذا اليقين الهائل يتحول أحيانا إلى شك هائل لا يتسرب إليه شك؛ فيصبح هو اليقين وما عداه هو الشك. هذه اللحظات أحس أنني مقتولة جسدا وعقلا، وأنني مخطئة والعالم هو الصواب. وقد أرى نفسي وأنا سائرة في الشارع أو راكبة سيارتي، لكني أدرك عن يقين أنني مقتولة، وأن جسدي الذي يتحرك هذا ليس هو جسدي الحقيقي؛ فقد أخفى القتلة جسدي في حفرة في بطن الأرض، وأرى جسدي غير الحقيقي يتحرك أمامي، وقد يصافح الناس، وقد يبتسم، وقد ينافق العالم ويقول له إنه على صواب وأنا المخطئة.
كيف كنت أشد جسدي المقتول من بطن الأرض؟ كيف كنت أشد يدي شبه المشلولة وأمسك القلم؟ لم أعرف، لكنها لحظة واحدة، وقد أكون جالسة أو واقفة أو راقدة، وقد أكون وحدي أو وسط ناس آخرين، لكني أبصر جسدي ينتفض وحده فجأة، فإذا بي أقف إذا كنت جالسة، أو أجلس إذا كنت واقفة، وإذا بي أجري بعيدا عن الناس إذا كنت مع الناس، أو أجري إلى الناس إذا كنت وحدي.
كانتفاضة الرعب، كمن يرى الموت وجها لوجه. وأكتشف لدهشتي الشديدة أن جسدي يرتعد فعلا، وصوتي يرتعد، لكنها ليست إلا لحظة خاطفة، كالصرخة الواحدة أطلقها في وجه المتكلم ليصمت أو في وجه الصامت لينطق.
كان المتكلم في لحظة من تلك اللحظات مسئولا كبيرا يرأسني في عملي الطبي. واحد من الرجال الذين يمتلئ بهم العالم. طبيب يقيس نجاحه الطبي بمساحة الأرض التي يمتلكها فوق الكرة الأرضية. رجل كذكور العالم لا يعرف من المرأة إلا الأنثى. وأراد أن يعاملني كما يعامل العالم لكني رفضت، الرفض عندي كان سهلا طبيعيا؛ فأنا بالطبيعة إنسانة ولست أنثى، وأنا بالطبيعة فنانة ولست طبيبة، الرفض عندي كان سهلا وطبيعيا كهواء أتنفسه، لكن الرفض عنده كان صعبا أصعب من الموت.
دائما كنت أتحير لماذا يعجز الرجال في هذا العالم عن تحمل الرفض، وبالذات رفض المرأة لهم؟ أرى وجه الواحد منهم وقد شحب وهرب منه الدم؛ فأصبح لونه أبيض كوجه الميت، هل كان هذا الرفض يكشف له عن حقيقة وجهه، ويدرك لأول مرة أنه وجه ميت، أم أنه كان مرفوضا داخل نفسه أيضا فإذا به عاجز عن احتمال الرفضين معا؟
وقال لي بلهجة الرؤساء إن موظفا لم يخالفه أبدا، وإن امرأة لم تعصه من قبل. وفتح لي درج مكتبه الفاخر، وأخرج شهادات تفوقه وبطولاته ونياشين انتصاراته، وجدران حجرته تغطيها إطارات مذهبة داخلها شهادات وشهادات من مصر والخارج. وكان الدم قد عاد إلى وجهه فلم يعد أبيض، ورأسه أصبح يرفعه عاليا فوق عنق صغير تحوطه ربطة عنق كبيرة (على الطراز الأمريكي الحديث) وصدره منتفخ بعضلات ظهر مشدودة، يحاول أن يشدها بمشقة وجهد، فكأنما هو عاجز عن إقناع عضلات جسده بانتصاراته الخارجية العديدة، وأنه منهزم من الداخل هزيمة لا يعرفها أحد.
وربما هو رأى أو أحس أنني الوحيدة التي شهدت هزيمته، ولأنني امرأة فقد أصبحت هزيمته مضاعفة، وتحول الرضا عنده إلى غضب، والإقبال إلى نفور، والرغبة في ترشيحي إلى الترقية ورفعي إلى السماء السابعة إلى الرغبة في دفني في بطن الأرض وإغلاق الحفرة بالشمع الأحمر.
لم تكن المرة الأولى التي أشهد فيها هزيمة رجل؛ فالرجال كثيرون، وعدد الهزائم أكثر من عدد الرجال، ولست في نهاية الأمر إلا امرأة واحدة، لكني كنت أدرك أنني رغم كوني امرأة ورغم كوني واحدة؛ فإن من بين هؤلاء الرجال الكثيرين المتكاثرين هناك رجل واحد على الأقل لم يهزم، وأنني في كل خطوة فوق الأرض، أو في كل حركة أو لفتة، وإن كانت مجرد تحرك الرأس لحظة وأنا أمشي في أي شارع، أنني كنت بوعي وبغير وعي، بإرادتي وبغير إرادتي، بجسدي وعقلي، بالاثنين معا - أدرك أنني أبحث عن هذا الرجل، وأدرك أيضا أنه ليس واحدا، وأنه قد يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو أربعة، ربما لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة، لكنهم هناك رغم ندرتهم، وطالما أنهم هناك فلا بد أني عاثرة عليهم.
अज्ञात पृष्ठ