मौत माकाली वज़ीर सबीक़न
موت معالي الوزير سابقا
शैलियों
لكن شيئا واحدا لم أرغبه؛ أن يضيع مني في الزحام وجهك، وأن تختفي من أمامي في الزمن عيناك. تعرف يا صديقي أنني لا أرغب منك شيئا؛ فأنا آكل وأشرب وأنام، وأمارس الجنس، وأقود سيارة مثل سيارتك، ولكني لا أريد أن تضيع مني في هذا الخضم. الحياة أمامي من غيرك كفيلم صامت غير ملون، أبيض وأسود فحسب، ولكن كل شيء معك يتغير، وتعود الألوان، وتصبح الأشياء كلها ملونة بجميع ألوان الطيف.
في هذه اللحظة أود لو ارتفعت يدي، وحوطت أصابعي يديك، لو تحول عمري كله إلى أصابع رقيقة حانية ولامست وجهك، لو تمزق جسدي كله إلى ملايين الأنامل الصغيرة الدقيقة ومسحت الإرهاق في عينيك. أيمكن بعد كل هذا أن تتهمني بالعجز عن الحب؟ أيمكن أن تقول لي مرة أخرى إنني لا أفهم وليس عندي ذكاء فطري؟ أيمكن أن تفهمني قليلا أو أفهمك قليلا؟ أرجو ذلك، بل لا بد!
القناع
تنبهت فجأة فرأيت نفسي جالسة وأمامي زجاجة خمر لم يبق منها إلا القليل، ومطفأة سجائر مليئة بأعقاب سجائر من نوع غريب لم أره من قبل، لكني تذكرت على الفور أنها سجائري الجديدة التي أصبحت أدخنها منذ ثلاثة أعوام أو أربعة.
رفعت رأسي من فوق المطفأة فرأيت رجلا لم أره من قبل أبدا، كان عاريا إلا من ثوب حريري مفتوح يطل منه صدر مشعر، وفخذان مشعرتان. بين الصدر والفخذين سروال مخطط ضيق ملتصق باللحم. رفعت عيني المذهولتين إلى وجهه، الآن فقط أدركت أنني رأيته من قبل، ظلت عيناي في عينيه لحظة وابتسمت ابتسامة غريبة تلقائية، وخاطفة في سرعتها كسرعة الضوء، أو كسرعة التيار الكهربائي، لا تترك وراءها إلا نوعا عجيبا من الحيرة؛ كحيرة الإنسان الأزلية في بحثه عن الله أو السعادة. لماذا يحدث ذلك الخلل في الكون وفي جسدي في تلك اللحظة بالذات، مع أن عيني تلتقيان بمئات العيون أو الآلاف كل يوم؟! ويظل الكون كما هو ويظل جسدي كما هو كحيرة الإنسان الأزلية، لكنها سرعان ما تنتهي ويعود الكون إلى ما كان عليه، ويعود جسدي إلى ما كان عليه، وتمضي الحياة ككل يوم، ثلاثة أعوام أو أربعة منذ رأيته لأول مرة، وأكاد أنساه تماما في زحمة العمل والبيت والناس.
هبطت عيناي مرة أخرى إلى جسده العاري وفخذيه المشعرتين، وجهي وأنا أنظر إلى جسده ليس هو وجهي وأنا أنظر في عينيه، مشكلتي أن ما أحسه في أعماقي يظهر فوق وجهي على الفور. عيناه هما الجزء الوحيد من جسده الذي أرتبط به ارتباطا حقيقيا. وتتبدد الغرابة والوحشة، وتصبح علاقتي به علاقة حقيقية وسط عديد من العلاقات غير الحقيقية. ثلاث سنوات - ربما أربع - وفي كل مرة ألتقي به صدفة في شارع أو مكتب أو ممر، أتوقف لحظة لأندهش وأتحير، ثم أسير في طريقي وأنا أعلم أنها علاقة شديدة الغرابة، لكنها في الوقت نفسه مألوفة ومقبولة وسط عديد من العلاقات غير المقبولة.
وحينما أصبحنا نلتقي بصفة منتظمة أو شبه منتظمة، لم تكن علاقتي به تمتد إلى أجزاء أخرى من جسده غير عينيه، ساعات طويلة نجلسها ونتحدث، دون أن تتحول عيناي عن عينيه، نوع من لقاء العقل له متعة، ولكن تظل المتعة ينقصها شيء، ما هو هذا الشيء ؟
قلت لنفسي: ربما هي رغبة الجسد في لقاء الجسد؟ ولم لا؟ أليس هو في النهاية رجلا وأنا امرأة؟ وبدت لي الفكرة جديدة - بل وغريبة - وتملكني استطلاع رهيب. ترى ماذا يكون لقاء جسدي بجسده؟ رغبة استطلاعية عنيفة قد تكون أحيانا أعنف من رغبة الحب، وقد تدفعني أحيانا إلى لقاء بغير حب لمجرد إشباع الاستطلاع، وفي كل مرة أشعر بالنفور، ويتأكد عقلي من أن جسدي ينفر من جسد الرجل إلا في حالة واحدة، هي حالة الحب.
كنت أعرف سبب النفور؛ فهو نفور طبيعي لا علاقة له بالجسد وإنما له علاقة بالتاريخ، بقدر ما عبد الرجل ذكورته بقدر ما نفرت منه المرأة. نفور النساء هو الوجه الآخر لعبادة الإله الذكر. ولم تكن من قوة في العالم تزيل نفور المرأة إلا أن ينتصر الحب على الإله الذكر، ويعود التاريخ إلى ما قبل ستة آلاف عام، حين كانت الإلهة أنثى. أينتصر الحب؟ وهل تكون العلاقة بيننا حبا؟ لم أكن أعرف. لم يكن عندي دليل، وهل للحب دليل؟ تلك الرغبة التي تطفو أحيانا على سطح حياتي المزدحمة في أن أنظر في عينيه؛ كمن يذهب من حين إلى حين إلى عين ماء مقدسة، يركع ويصلي ثم يعود، لم أكن أركع ولا أصلي، ولا أعترف بإله غير عقلي داخل رأسي، ما الذي كان يشدني إلى عينيه؟
أيكون الحب أسطورة كأسطورة آدم وحواء وسندريلا والعنقاء والشاطر حسن؟ كل الأساطير انتهت وسقط عنها القناع، أقنعة كثيرة سقطت أمام عقلي وهو يكبر، وعند سقوط كل قناع أبكي بالليل حزنا على الوهم الجميل الذي ضاع، لكني في الصباح أرى عيني لامعتين غسلتهما الدموع كما يغسل الندى الزهر والياسمين والورد. وأترك المرآة وأمشي فوق القناع الساقط على الأرض، وأدوس عليه بقوة جديدة تزيد عن قوة الأمس.
अज्ञात पृष्ठ