وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فمن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه (الترمذي).
وعن ثابت البناني قال: قال مطرف بن عبد الله: ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت إلى نفسي.
وعن ثابت عن مطرف قال: لأن يسألني ربي عز وجل يوم القيامة فيقول: يا مطرف ألا فعلت؟ أحب إلي من قوله لم فعلت؟ وعنه قال أيضا بعرفة: اللهم لا ترد الجميع من أجلي؟
وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر، ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح، وقد علاه كآبة، فقال: لقد رأيت أصحاب محمد فلم أر اليوم شيئا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا، صفرا، غبرا، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، وقد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله، فإذا أصبحوا ذكروا الله، وتمادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح، وهملت أعينهم بالدموع حتى تبل ثيابهم، والله لكأني بالقوم قد باتوا غافلين، ثم قام فما رئى بعد ذلك ضاحكا حتى كان مقتله، - رضي الله عنه - وأرضاه.
الإخلاص لربك:
يقول ابن الجوزي: عجبت لمن يتصنع للناس بالزهد يرجو بذلك قربه من قلوبهم، وينسى أن قلوبهم بيد من يعمل له، فإن رضي عمله ورآه خالصا لفت القلوب إليه، وإن لم يره خالصا أعرض بها عنه، ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك؛ لأنه يبتغي أن يقنع بنظر من يعمل له. ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه، فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته، لذلك وليعلم الإنسان أن أعماله كلها يعلمها الخلق جملة، وإن لم يطلعوا عليها، فالقلوب تشهد للصالح بالصلاح، وإن لم يشاهد منه ذلك، فأما من يقصد رؤية الخلق بعمله فقد مضى العمل ضائعا، لأنه غير مقبول عند الخالق، ولا عند الخلق، لأن قلوبهم قد التفتت عنه، فقد ضاع العمل وذهب العمر.
***
पृष्ठ 17