وَلَو ذَهَبْنَا نستقصي الصَّحِيح إِلَى الْمَوْضُوع لهالتا الْأَمر، فَهَذَا هُوَ الإِمَام
مَالك يثبت فِي موطإه مَا يبلغ قرَابَة النّصْف فِي الْمِائَة من جملَة مَا جمعه.
وَعند البُخَارِيّ لَا تكَاد تبلغ نِسْبَة مَا أثْبته فِي كِتَابه من الصَّحِيح إِلَى جملَة مَا جمعه، وَلم يَصح لَدَيْهِ فَلم يُثبتهُ وَاحِدًا فِي الْمِائَة.
فَكيف بالكثيرين سواهُمَا مِمَّن جمع وصنف..مَعَ قرب الإِمَام مَالك زَمَانا ومكانا لمهبط الْوَحْي، ودقة الْإِمَامَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم وَصدق تحريهما للحق وَالصَّوَاب.
إزاء هَذَا الطوفان من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة، هبت كتائب الْحق من أهل الحَدِيث ونقاده، تتحرى حَال الروَاة من نقلة الحَدِيث، فتعدل وتجرح، وتوثق وتضعف، وتسلط الضَّوْء على الْأَسَانِيد، فتكشف من شَأْن رجال السَّنَد مَا كَانَ خافيا، وتسبر من غوره مَا كَانَ مَسْتُورا.
حَتَّى لم تعد هُنَاكَ صفة لراو إِلَّا عرفت، وَلَا خبيئة فِيهِ إِلَّا كشفت، وَلَا نادرة عَنهُ إِلَّا رويت، وَلَا حَادِثَة إِلَّا دونت.
مَا تعلق من ذَلِك بمذهبه وآرائه، وَمَا مس عقائده دَرَجَات حفظه، وأقرانه وشيوخه.
كَذَلِك مَا اعتوره فِي مُخْتَلف أطوار حَيَاته ومراحل عمره وشيخوخته من اجْتِمَاع الذاكرة أَو الْخَلْط وَالوهم.
وَمن الامانة فِي النَّقْل أَو التديس، حَتَّى يخلص من كل ذَلِك إِمَّا إِلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، أَو إِلَى تَركه.
بعد تفنيد حَاله من رقة دينه أَو تقواه وخشيته.
وعَلى عاتق هَؤُلَاءِ عبر الْمِائَة الثَّانِيَة وَبَعض الثَّالِثَة، وضعت المسئولية كَامِلَة، فحملوا مَا حملُوا من هَذِه الْأَمَانَة، وَلم يهنوا، وَلم يضعفوا، وتجردوا للذود عَن الصَّحِيح من حَدِيث النَّبِي الْكَرِيم وتمييزه من السقيم الْمَصْنُوع.
وَكَانَ مِنْهُم قلَّة من الْفُقَهَاء، وَكَثْرَة من الْمُحدثين، مِنْهُم سوى من ذكرنَا: الشَّافِعِي وَاللَّيْث بن سعد وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز.
وَمن أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَعلله وَنقد رِجَاله: ابْن عدى، وَأَبُو حَاتِم ابْن
1 / 12