ورأس الميزان، ومدار الشمس والقمر، وسائر النجوم على محاذاة دائرة فلك البروج دون دائرة معدّل النهار وتمرّ الشمس على دائرة معدّل النهار عند حلولها بنقطتي الاعتدالين فقط لأنها موضع تقاطع الدائرتين، وهذا هو خط الاستواء الذي لا يختلف فيه الزمان بزيادة الليل على النهار ولا النهار على الليل. لأنّ ميل الشمس عنه إلى كلا الجانبين الشماليّ والجنوبيّ سواء فالشمس تدور الفلك وتقطع الاثني عشر برجا في مدّة ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم بالتقريب. وهذه هي: مدّة السنة الشمسية وتقيم في كل برج ثلاثين يوما وكسرا من يوم، وتكون أبدا بالنهار ظاهرة فوق الأرض، وبالليل بخلاف ذلك وإذا حلت في البروج الستة الشمالية التي هي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة فإنها تكون مرتفعة في الهواء قريبة من سمت رؤوسنا وذلك زمن فصل الربيع وفصل الصيف، وإذا حلت في البروج الجنوبية وهي: الميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، كان فصل الخريف وفصل الشتاء، وانحطت الشمس وبعدت عن سمت الرءوس.
وزعم وهب بن منبه أن أوّل ما خلق الله تعالى من الأزمنة الأربعة الشتاء فجعله باردا رطبا، وخلق الربيع فجعله حارا رطبا، وخلق الصيف فجعله حارا يابسا، وخلق الخريف فجعله باردا يابسا، وأوّل الفصول عند أهل زماننا الربيع ويكون فصل الربيع عندما تنتقل الشمس من برج الحوت، وقد اختلف القدماء في البداية من الفصول فمنهم من اختار فصل الربيع وصيّره أوّل السنة، ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفيّ، ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفيّ، ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الشتويّ، فإذا حلت أوّل جزء من برج الحمل استوى الليل والنهار واعتدل الزمان وانصرف الشتاء ودخل الربيع، وطاب الهواء، وهبّ النسيم، وذاب الثلج، وسالت الأودية، ومدّت الأنهار فيما عدا مصر، ونبت العشب، وطال الزرع، ونما الحشيش وتلألأ الزهر وأوراق الشجر، وتفتح النور، واخضرّ وجه الأرض ونتجت البهائم، ودرت الضروع، وأخرجت الأرض زخرفها، وازينت وصارت كصبية شابة قد تزينت للناظرين ولله درّ القائل، وهو الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليعمريّ رحمه الله تعالى:
واستنشقوا لهوا الربيع فإنه ... نعم النسيم وعنده ألطاف
يغذي الجسوم نسيمه وكأنه ... روح حواها جوهر شفاف
وقال ابن قتيبة: ومن ذلك الربيع يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي فيه النور، والورد، ولا يعرفون الربيع غيره، والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وهو الخريف وفصل الشتاء بعده ثم فصل الصيف بعد الشتاء وهو الوقت الذي تدعوه العامّة الربيع ثم فصل القيظ وهو الذي تدعوه العامّة الصيف، ومن العرب من يسمي الفصل الذي يعتدل وتدرك فيه الثمار وهو الخريف الربيع الأوّل، ويسمى الفصل الذي يتلوه الشتاء ويأتي فيه الكمام والنور الربيع الثاني وكلهم مجتمعون على
1 / 16