بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر ﵀:
هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ العالمين (١)
١ - نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إن الله واحد لا شريك له (٢)
_________
(١) زيادة من نسخة (خ) وغيرها
(٢) إن نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك:
الأول: الشرك في الربوبية وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر ﷾ كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله ﷺ َ:
(صحيح) " القدرية مجوس هذه الأمة ... " الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " رقم (٤٣١٨) [٤٤٤٢]
الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك. وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل " يسمونها بغير اسمها "
الثالث: الشرك في الصفات وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به ﷿ كعلم الغيب مثلا وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية
ومن تأثر بهم مثل قول بعضهم في مدحه النبي ﷺ َ:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين يزعمون أنهم يرون رسول الله ﷺ َ اليوم يقظة ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم ورسول الله ﷺ َ ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته ﴿ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء﴾ [الأعراف: ١٨٨] فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟
هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي صفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) [الزمر: ٦٥] فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة فلا جرم أن المصنف ﵀ بدأ به ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمة وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [الحشر: ١٠]
٢ - ولا شي مثله (١) _________ (١) هذا أصل من أصول التوحيد وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلا لإنكار كثير من صفات الله ﵎ فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته ﷿ سلطوا عليها معاول التأويل والهدم فأنكروها واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) متجاهلين تمام الآية: (وهو السميع البصير) [الشورى: ١١) فهي قد جمعت بين التنزيه والإثبات فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث دون تأويل أو تعطيل وأن يثبت له ﷿ من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف ﵀ تبعا لأبي حنيفة وسائر الأئمة كما تراه مفصلا في الشرح (فبهداهم اقتده) [الأنعام: ٩٠]
٣ - ولا شيء يعجزه
٤ - ولا إله غيره
٢ - ولا شي مثله (١) _________ (١) هذا أصل من أصول التوحيد وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلا لإنكار كثير من صفات الله ﵎ فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته ﷿ سلطوا عليها معاول التأويل والهدم فأنكروها واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) متجاهلين تمام الآية: (وهو السميع البصير) [الشورى: ١١) فهي قد جمعت بين التنزيه والإثبات فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث دون تأويل أو تعطيل وأن يثبت له ﷿ من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف ﵀ تبعا لأبي حنيفة وسائر الأئمة كما تراه مفصلا في الشرح (فبهداهم اقتده) [الأنعام: ٩٠]
٣ - ولا شيء يعجزه
٤ - ولا إله غيره
1 / 31
٥ - قديم (٢) بلا ابتداء دائم بلا انتهاء
_________
(٢) اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم) وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن - هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق وهذا جديد للحديث ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: (حتى عاد كالعرجون القديم) [يس: ٣٩] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وإن كان مسبوقا بغيره كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (١ / ٢٤٥) والشارح في " شرحه " لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في " البدائع " أنه يجوز وصفع سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية
قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان كما سيأتي فيما علقه على الفقرة (٤٥)
٦ - لا يفنى ولا يبيد
٧ - ولا يكون إلا ما يريد
٨ - لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام
٩ - ولا يشبه الأنام (١) _________ (١) فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق ﷾ قال ﷿: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: ١١] وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة ﵀ في " الفقه الأكبر ": لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا. انتهى
٦ - لا يفنى ولا يبيد
٧ - ولا يكون إلا ما يريد
٨ - لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام
٩ - ولا يشبه الأنام (١) _________ (١) فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق ﷾ قال ﷿: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: ١١] وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة ﵀ في " الفقه الأكبر ": لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا. انتهى
1 / 33
١٠ - حي لا يموت قيوم لا ينام
١١ - خالق بلا حاجة رازق بلا مؤنة (١) _________ (١) أي بلا ثقل وكلفة كما في شرح العقيدة الطحاوية (ص ١٢٥ الطبعة الرابعة) [الصفحة ١٢٢، الطبعة التاسعة]
١٢ - مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة
١٣ - مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يزال عليها أبديا
١٤ - ليس بعد خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ (الْخَالِقِ) وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البرية استفاد اسم (الباري)
١٥ - لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ ولا مخلوق
١٦ - وكما أنه محيي الموتى بعدما أَحْيَا اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
١١ - خالق بلا حاجة رازق بلا مؤنة (١) _________ (١) أي بلا ثقل وكلفة كما في شرح العقيدة الطحاوية (ص ١٢٥ الطبعة الرابعة) [الصفحة ١٢٢، الطبعة التاسعة]
١٢ - مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة
١٣ - مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يزال عليها أبديا
١٤ - ليس بعد خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ (الْخَالِقِ) وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البرية استفاد اسم (الباري)
١٥ - لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ ولا مخلوق
١٦ - وكما أنه محيي الموتى بعدما أَحْيَا اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
1 / 34
١٧ - ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (٢) قَدِيرٌ وَكُلُّ شيء إليه
_________
(٢) قال الشيخ ابن مانع ﵀ (ص ٧): " يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير وليس ذلك بصواب بل الصواب ما جاء بالكتاب والسنة: وهو على كل شيء قدير لعموم مشيئته وقدرته تعالى خلافا لأهل الاعتزال الذين يقولون: إن الله سبحانه لم يرد من العبد وقوع المعاصي بل وقعت من العبد بإرادته لا بإرادة الله ولهذا يقول أحد ضلالهم:
زعم الجهول ومن يقول بقوله أن المعاصي من قضاء الخالق
إن كان حقا ما يقول فلم قضا حد الزنا وقطع كف السارق
وقال أبو الخطاب في بيان الحق والصواب:
قالوا فأفعال العباد فقلت ما من خالق غير الإله الأمجد
قالوا فهل فعل القبيح مراده قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده وكان كان نقيصة سبحانه عن أن يعجزه الردى
وهذه الإرادة التي ذكرها أبو الخطاب في السؤال هي الإرادة الكونية القدرية لا الإرادة الكونية الشرعية
فَقِيرٌ وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير) [الشورى: ١١]
١٨ - خلق الخلق بعمله
١٩ - وقدر لهم أقدارا
٢٠ - وضرب لهم آجالا
٢١ - وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ
٢٢ - وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته
فَقِيرٌ وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير) [الشورى: ١١]
١٨ - خلق الخلق بعمله
١٩ - وقدر لهم أقدارا
٢٠ - وضرب لهم آجالا
٢١ - وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ
٢٢ - وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته
1 / 35
٢٣ - وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ لَا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلَّا مَا شَاءَ لَهُمْ فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لم يكن (١)
_________
(١) يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر وهدى أو ضلال والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة يمكن مراجعتها في الشرح وغيره ... والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى
لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله تعالى يحب كل ما يقع فالحب غير الإرادة وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة " بدء الأمالي " بقوله:
مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن
وقالت طائفة من (المثبتة): ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده دينا أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن فهو لذلك يحب الكفر والفسوق العصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن
وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار (يبيتون ما لا يرضى من القول) (ا) [النساء: ١٠٨]
_________
(ا) مجموع الفتاوى (٦ / ١١٥ - ١١٦) وقد شرح ذلك العلامة ابن القيم في " شفاء العليل " (ص ١٢٠ - ١٣٤) فراجعه فإنه مهم
٢٤ - يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا وَيُضِلُّ من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا
٢٥ - وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ
٢٦ - وهو متعال عن الأضداد والأنداد
٢٧ - لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا غالب لأمره
٢٨ - آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ عنده
٢٩ - وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ الْمُجْتَبَى وَرَسُولُهُ المرتضى (١) _________ (١) اعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا وقد ذكروا فروقا بين الرسول والنبي تراها في " تفسير الآلوسي " (٥ / ٤٤٩ - ٤٥٠) وغيرها ولعل الأقرب أن الرسول من بعث بشعر جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله وهو بالطبع مأمور بتبليغه إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك فهم بذلك أولى كما لا يخفى
٢٤ - يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا وَيُضِلُّ من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا
٢٥ - وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ
٢٦ - وهو متعال عن الأضداد والأنداد
٢٧ - لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا غالب لأمره
٢٨ - آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ عنده
٢٩ - وَإِنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ الْمُجْتَبَى وَرَسُولُهُ المرتضى (١) _________ (١) اعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا وقد ذكروا فروقا بين الرسول والنبي تراها في " تفسير الآلوسي " (٥ / ٤٤٩ - ٤٥٠) وغيرها ولعل الأقرب أن الرسول من بعث بشعر جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله وهو بالطبع مأمور بتبليغه إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك فهم بذلك أولى كما لا يخفى
1 / 36
٣٠ - وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء وسيد المرسلين (٢)
_________
(٢) قلت: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح (في الصفحة ١٦٩ - الطبعة الرابعة [الطبعة التاسعة الصفحة ١٥٩، طبع المكتب الإسلامي]) طائفة منها فلتراجع منه فهي تفيد العلم واليقين فهو ﷺ َ سيد المرسلين يقينا ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواترا فكيف يؤمن بها من صرح بأن العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره وقد رددت على هؤلاء جميعا من عشرين وجها في رسالتي " وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين " وذكرت في آخرها عشرين مثالا من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة
وحبيب رب العالمين (١) _________ (١) قلت: بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال ﷺ َ: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ولذلك لم يثبت في حديث أنه ﷺ َ حبيب الله. فتنبه وراجع في الفقرة الآتية (٥٢) بسطا لهذا في كلام الشارح عليها
وحبيب رب العالمين (١) _________ (١) قلت: بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال ﷺ َ: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ولذلك لم يثبت في حديث أنه ﷺ َ حبيب الله. فتنبه وراجع في الفقرة الآتية (٥٢) بسطا لهذا في كلام الشارح عليها
1 / 38
٣١ - وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى (٢)
_________
(٢) قلت: وقد أخبر النبي ﷺ َ أمته نصحا لهم وتحذيرا في أحاديث كثيرة أنه سيكون بعده دجالون كثيرون وقال في بعضها: " كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي " رواه مسلم وغيره (الأحاديث الصحيحة ١٦٨٣) ومن هؤلاء الدجالين " ميرزا غلام أحمد القادياني " الذي ادعى النبوة وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأمريكا ولهم فيها مساجد يضلون بها المسلمين وكان منهم في سوريا أفراد استأصل الله شأفتهم وقطع دابرهم ولهم عقائد كثيرة غير اعتقادهم بقاء النبوة بعده ﷺ َ. وسلفهم فيه ابن عربي الصوفي ولهم في ذلك رسالة جمعوا فيها أقواله في تأييد اعتقادهم المذكور. لم يستطع المشايخ الرد عليها لأنها مما قاله ابن عربي مع جزمهم بتكفيرهم ولا مجال لذكر شيء من عقائدهم الآن وهم بلا شك ممن عناهم رسول الله ﷺ َ في الحديث الصحيح عنه: " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم " رواه المؤلف في " مشكل الآثار " (٤ / ١٠٤)
وهو عند الإمام مسلم (١ / ٩)
وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدءون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى ﵊ ُ فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى ﵊ ُ ويتظاهرون بالإيمان بها ثم سرعان ما يتأولونها ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته بأن المقصود نزول مثيل عيسى وأنه هو غلام أحمد القادياني ولهم ن مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جدا مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. وسيأتي الإشارة إلى بعض عقائدهم الضالة قريبا إن شاء الله تعالى
٣٢ - وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ (١) وَكَافَّةِ الْوَرَى بالحق والهدى وبالنور والضياء _________ (١) أقول: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم ل (الجن) كخلق غير الإنس ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق بما يعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير فما أضلهم
٣٢ - وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ (١) وَكَافَّةِ الْوَرَى بالحق والهدى وبالنور والضياء _________ (١) أقول: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم ل (الجن) كخلق غير الإنس ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق بما يعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير فما أضلهم
1 / 39
٣٣ - وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ
1 / 40
بِسَقَرَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [الْمُدَّثِّرِ: ٢٦] فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [الْمُدَّثِّرِ: ٣٢] عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ البشر (١)
_________
(١) نقل هذا الكلام عن المصنف ﵀ شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (١٢ / ٥٠٧) مستشهدا به وقال الشارح ابن أبي العز ﵀ (ص ١٧٩ الطبعة الرابعة) [الصفحة ١٦٨ - ١٦٩ الطبعة التاسعة طبع المكتب الإسلامي]:
وهذا الذي حكاه الطحاوي ﵀ هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة. وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال
: ثم ساقها ومنها الثالث وهو أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري وغيره قال: وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي
وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة
وقوله: " كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا " - رد على المعتزلة وغيرهم
فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه كما تقدم حكاية قولهم. وقال الشيخ محمد بن مانع رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (ص ٨):
القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطن المذموم فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله والنبي سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من النبي فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة
قال الحافظ ابن القيم ﵀:
وكذلك القرآن عين كلامه ال مسموع منه حقيقة ببيان
هو قول ربي كله لا بعضه لفظا ومعنى ما هما خلقان
تنزيل رب العالمين ووحيه اللفظ والمعنى بلا روغان
وقال الشارح ﵀ (ص ١٩٤ - ١٩٥) [١٨١]:
وكلام الطحاوي ﵀ يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي ﵀ يقول:
كلام الله منه بدا ". وكذلك قال غيره من السلف ويقولون: منه بدا وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدا لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل فبدا الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: " منه بدا " أي هو المتكلم به فمنه بدا لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) [الزمر: ١] (ولكن حق القول مني) [السجدة: ١٣] (قل نزله روح القدس من ربك الحق) [النحل: ١٠٢] . ومعنى قولهم: " وإليه يعود ": يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عده آثار
وقولهم " بلا كيفية ": أي: لا تعرف كيفية تكلمه به " قولا " ليس بالمجاز " وأنزله على رسوله وحيا " أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله وسمعه الرسول محمد ﷺ َ من الملك وقرأه على الناس. قال تعالى: (وقرآنا عربيا لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) [الإسراء: ١٠٦] وقال تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) [الشعراء: ١٩٣] وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى
٣٤ - وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فقد كفر [ف] (١) مَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكفار انزجر [و] (٢) علم أنه بصفاته ليس كالبشر _________ (١) و(٢) زيادتان ثابتتان في كل النسخ التي بين أيدينا
٣٤ - وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فقد كفر [ف] (١) مَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكفار انزجر [و] (٢) علم أنه بصفاته ليس كالبشر _________ (١) و(٢) زيادتان ثابتتان في كل النسخ التي بين أيدينا
1 / 41
٣٥ - وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلَا كَيْفِيَّةٍ كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبِّنَا (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [الْقِيَامَةِ: ٢٢ - ٢٣] . وَتَفْسِيرُهُ على ما أراده اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول ﷺ َ فَهُوَ كَمَا قَالَ (٣) وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَادَ لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا
_________
(٣) اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جدا حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة. منهم الشارح وقد خرج بعضها ثم قال:
وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا
وَمَنْ أَحَاطَ بِهَا مَعْرِفَةً يَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّسُولَ قَالَهَا وَلَوْلَا أَنِّي الْتَزَمْتُ الْاخْتِصَارَ لَسُقْتُ مَا في الباب من الأحاديث ثم قال:
ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: يرى لا في جهة. فليراجع عقله. فإما أن يكون مكابرا لعقله أو في عقله شيء وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة
قلت: وأما رؤيته تعالى في الدنيا فقد أخبر رسول الله ﷺ َ في الحديث الصحيح أن أحدا منا لا يراه حتى يموت. رواه مسلم. وأما هو نفسه ﵊ ُ فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله: " نور أنى أراه " ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في الصحيحين وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به
وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ ﷿ ولرسوله ﷺ َ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ
٣٦ - وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التسليم والاستسلام (١) فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْإِقْرَارِ والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا _________ (١) هذه الفقرة مقدمة على الفقرة السابقة في المخطوطات الثلاث وكذا في نسخة شيخنا الطباخ ﵀ ولعلها أولى
وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ ﷿ ولرسوله ﷺ َ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ
٣٦ - وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التسليم والاستسلام (١) فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْإِقْرَارِ والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا _________ (١) هذه الفقرة مقدمة على الفقرة السابقة في المخطوطات الثلاث وكذا في نسخة شيخنا الطباخ ﵀ ولعلها أولى
1 / 43
٣٧ - وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لمن اعتبرها
مِنْهُمْ بِوَهْمٍ (١) أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ (٢) إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الربوبية بترك التَّأْوِيلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ (٣) . وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التنزيه (٤) . فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ من البرية _________ (١) أَيْ تَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى عَلَى صفة كذا فيتوهم تشبيها. شرح الطحاوية (٢) أَيِ ادَّعَى أَنَّهُ فَهِمَ لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظاهرها وما يفهمه كل عربي عن معناها (٣) في المخطوطات الثلاث والمطبوعات " المرسلين " (٤) قلت: وذلك لأن نفاة الصفا والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيها لله تعالى بزعمهم عن التشبيه وهذا زلل وزيغ وضلال إذ كيف يكون ذلك تنزيها وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية إذ المعدوم هو الذي لا يرى فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة والمشبهة إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفا وتشبيه الخالق بالمخلوق ﷾. والحق بين هؤلاء وهؤلاء إثبات بدون تشبيه وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما
مِنْهُمْ بِوَهْمٍ (١) أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ (٢) إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الربوبية بترك التَّأْوِيلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ (٣) . وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التنزيه (٤) . فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ من البرية _________ (١) أَيْ تَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى عَلَى صفة كذا فيتوهم تشبيها. شرح الطحاوية (٢) أَيِ ادَّعَى أَنَّهُ فَهِمَ لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظاهرها وما يفهمه كل عربي عن معناها (٣) في المخطوطات الثلاث والمطبوعات " المرسلين " (٤) قلت: وذلك لأن نفاة الصفا والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيها لله تعالى بزعمهم عن التشبيه وهذا زلل وزيغ وضلال إذ كيف يكون ذلك تنزيها وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية إذ المعدوم هو الذي لا يرى فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة والمشبهة إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفا وتشبيه الخالق بالمخلوق ﷾. والحق بين هؤلاء وهؤلاء إثبات بدون تشبيه وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما
1 / 44
٣٨ - وَتَعَالَى (٥) عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات (٦)
_________
(٥) في المخطوطات الثلاث وسائر المطبوعات: " تعالى " بدون الواو. ولعله أصح
(٦) قلت: مراد المؤلف ﵀ بهذه الفقرة الرد على طائفتين:
الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسما وجثة وأعضاء وغير ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة وليس فوقها فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يستغل ذلك بعض المبتدعة ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص ١٠):
ومراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق أولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) رد على المشبهة والمعطلة فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحسانا للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائنا من كان ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد
انتهى كلام ابن مانع ﵀
٣٩ - وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ َ وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى (ما كذب الفؤاد ما رأى) (١) [النجم: ١١] ف ﷺ َ في الآخرة والأولى _________ (١) قلت: يعني من آيات ربه الكبرى وأما القول بأنه ﵊ ُ رأى ربه ليلتئذ بعينه فلم يثبت كما تقدم التنبيه عليه قريبا. ولذلك قال الشارح وغيره: " والصحيح أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ "
٤٠ - وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لأمته حق (٢) _________ (٢) قلت: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جدا بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في " النهاية " في آخر تاريخه وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " سبعة أبواب (رقم ١٥٥ - ١٦١) ورقم الأحاديث (٧٣٤ (ا) - ٧٧٦ - بتحقيقي) أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: " والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي ﷺ َ توجب العلم ... " _________ (ا) [كذا أصل الشيخ الألباني والصواب الرقم (٦٩٧) - زهير -]
٣٩ - وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ﷺ َ وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى (ما كذب الفؤاد ما رأى) (١) [النجم: ١١] ف ﷺ َ في الآخرة والأولى _________ (١) قلت: يعني من آيات ربه الكبرى وأما القول بأنه ﵊ ُ رأى ربه ليلتئذ بعينه فلم يثبت كما تقدم التنبيه عليه قريبا. ولذلك قال الشارح وغيره: " والصحيح أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ "
٤٠ - وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لأمته حق (٢) _________ (٢) قلت: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جدا بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في " النهاية " في آخر تاريخه وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " سبعة أبواب (رقم ١٥٥ - ١٦١) ورقم الأحاديث (٧٣٤ (ا) - ٧٧٦ - بتحقيقي) أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: " والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي ﷺ َ توجب العلم ... " _________ (ا) [كذا أصل الشيخ الألباني والصواب الرقم (٦٩٧) - زهير -]
1 / 45
٤١ - وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ كَمَا رُوِيَ في الأخبار (٣)
_________
(٣) قلت: وهي متواترة أيضا وقد عقد لها ابن أبي عاصم في " السنة " ستة أبواب (١٦٣ - ١٦٨) رقم الأحاديث (٧٨٤ - ٨٣٢) وساق طائفة منها الشارح ﵀ في شرحه تضمنت أن شفاعته ﷺ َ ثمانية أنواع فليراجع من شاء البحث والتحقيق فإنه هام
٤٢ - وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وذريته حق (١) _________ (١) قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم ﵊ ُ وقد ذكر في الشرح أربعة منها وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي " تخريج السنة " (رقم ١٩٥ - ٢٠٥) وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص ٢٦٦ - الطبعة الرابعة [شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٠٤]) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهوا مني أسأله تعالى أن يغفره لي فقد تنبهت إلى أن له شاهدا حسنا من حديث أبي هريرة وهو مذكور في " الشرح " وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في " السنة " (٢٠٣) فاقتضى التنبيه. [وسوف نستدرك ذلك في الطبعة الجديدة]
٤٢ - وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وذريته حق (١) _________ (١) قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم ﵊ ُ وقد ذكر في الشرح أربعة منها وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي " تخريج السنة " (رقم ١٩٥ - ٢٠٥) وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص ٢٦٦ - الطبعة الرابعة [شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٠٤]) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهوا مني أسأله تعالى أن يغفره لي فقد تنبهت إلى أن له شاهدا حسنا من حديث أبي هريرة وهو مذكور في " الشرح " وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في " السنة " (٢٠٣) فاقتضى التنبيه. [وسوف نستدرك ذلك في الطبعة الجديدة]
1 / 47
٤٣ - وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ العدد ولا ينقص منه (٢)
_________
(٢) يشير المؤلف ﵀ إلى حديث عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله ﷺ َ وفي يده كتابان فقال: " أتدرون ما هذان الكتابان؟ " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا " فقال للذي في يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ". ثم قال للذي في شماله: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ثم قال رسول الله ﷺ َ بيده فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد (فريق في الجنة وفريق في السعير) [الشورى: ٧] . أخرجه الترمذي (ا) وصححه هو وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (٨٤٨)
_________
(ا) [انظر " صحيح سنن الترمذي - باختصار السند " رقم (١٧٤٠)]
٤٤ - وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ (١) وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ (٢) وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شقي بقضاء الله (٣) _________ (١) هو قطعة من حديث علي المروي في " الصحيحين " وقد خرجته في " تخريج السنة " برقم (١٧١) . وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه ﷺ َ قالوا: إذا نجتهد. وفي رواية: فالآن نجد الآن نجد الآن نجد. انظر " السنة ". (١٦١ - ١٦٧) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل (٢) هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي أخرجه أحمد والبخاري وهو مخرج في المصدر السابق (٢١٦) (٣) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ". وسنده صحيح كما بينته في " الروض النضير " (١٠٩٨) و" تخريج السنة " (١٨٨)
٤٤ - وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ (١) وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ (٢) وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شقي بقضاء الله (٣) _________ (١) هو قطعة من حديث علي المروي في " الصحيحين " وقد خرجته في " تخريج السنة " برقم (١٧١) . وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه ﷺ َ قالوا: إذا نجتهد. وفي رواية: فالآن نجد الآن نجد الآن نجد. انظر " السنة ". (١٦١ - ١٦٧) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل (٢) هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي أخرجه أحمد والبخاري وهو مخرج في المصدر السابق (٢١٦) (٣) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ". وسنده صحيح كما بينته في " الروض النضير " (١٠٩٨) و" تخريج السنة " (١٨٨)
1 / 48
٤٥ - وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ
1 / 49
مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً (١) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ كَمَا قال الله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٣] (٢) . فَمَنْ سَأَلَ لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكتاب كان من الكافرين
_________
(١) قلت: وهذا التعمق هو المراد - والله أعلم - بقوله ﷺ َ: ... وإذا ذكر القدر فأمسكوا ". وهو حديث صحيح روي عن جمع من الصحابة وقد خرجته في " الصحيحة " (٣٤)
(٢) أي لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَدْلِهِ لَا لِمُجَرَّدِ قَهْرِهِ وقدرته كما يقول جهم وأتباعه. كذا في " الشرح " وراجع فيه تحقيق أن مبنى العبودية والإيمان على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع فإنه مهم جدا لولا ضيق المجال لنقلته برمته لنفاسته وعزته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى في " مجموع الفتاوى " (١ / ١٤٨ - ١٥٠) باختصار بعض الفقرات:
والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين:
فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو الذي هو موصوف به أزلا وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال
ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق
فأول ما خلق الله القلم قال له (ا): أكتب قال: ما أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال وتعالى: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) [الحج: ٧٠]
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات
أكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ونحو ذلك فهذا القدر ينكره غلاة القدرية قديما ومنكره اليوم قليل
وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشية الله سبحانه لا يكون في ملكه إلا ما يريد وأنه ﷾ على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: ٢٨، ٢٩] وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي مجوس هذه الأمة ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها
قلت: ويشير بكلامه الأخير إلى الأشاعرة فإنهم هم الذين غلوا وأنكروا الحكمة على ما فصله ابن القيم في " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل ". فراجعه فإنه هام جدا
_________
(ا) كذا وقع هنا وهو بمعنى رواية " فقال له ". لكن الراجح عندي الرواية الأخرى بلفظ: " ثم قال له " كما كنت حققته في " تخريج شرح الطحاوية " ص ٢٩٤ - ٢٩٥ [٤٦٤ - ٢٦٥ من الطبعة التاسعة طبع المكتب الإسلامي] . وله شاهد عن ابن عباس خرجته في الصحيحة (١٣٣) [وقول الشيخ ناصر: " حققته " وهم فإن له التخريج فقط كما ذكر في غير هذا الكتاب وتابع الإصرار على ادعاء تحقيقه لشرح الطحاوية الكبير]
1 / 50
٤٦ - فَهَذَا (١) جُمْلَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ عِلْمَانِ: عِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَوْجُودٌ وَعِلْمٌ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودٌ فَإِنْكَارُ الْعِلْمِ الْمَوْجُودِ كُفْرٌ وَادِّعَاءُ الْعِلْمِ الْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِقَبُولِ العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود
_________
(١) قال الشارح: يشير إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ " أَيْ عِلْمِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. وَيَعْنِي بِالْعِلْمِ الْمَفْقُودِ عِلْمَ الْقَدَرِ الَّذِي طَوَاهُ اللَّهُ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ. ويعني بالعلم الموجود علم الشريعة أصولها وفروعها فمن أنكر شيئا مما جاء به الرسول ﷺ َ كان من الكافرين ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين
1 / 52
٤٧ - وَنُؤْمِنُ بِاللَّوْحِ (١) وَالْقَلَمِ (٢) وَبِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَدْ رقم
فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لِيَجْعَلُوهُ غَيْرَ كَائِنٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ جَفَّ الْقَلَمُ بما هو كائن إلى يوم القيامة (٣) وَمَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ وَمَا أصابه لم يكن ليخطئه (٤)
_________
(١) قلت: وهو المذكور في قوله تَعَالَى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ محفوظ) [البروج: ٢٢] وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى
(٢) قلت: ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما وأنا وإن كان الراجح عندي الأول كما كنت صرحت به في تعليقي عليه (ص ٢٩٥) [٢٦٤ - ٢٦٥] فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق والقائلون بحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الاتفاق لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق وهكذا إلى ما لا أول له كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه فإن قالوا: العرش أول مخلوق كما هو ظاهر كلام الشارح نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق
(٣) هذا طرف من حديث ابن عباس المشهور بلفظ: " احفظ الله يحفظك ... " الحديث. وهو حديث صحيح كما ذكرت في " التخريج " [شرح العقيدة الطحاوية برقم ٢٧٤، طبع المكتب الإسلامي]
(٤) هذا من تمام حديث ابن عباس المشار إليه آنفا في رواية عنه
٤٨ - وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سماواته وأرضه وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الْفُرْقَانِ: ٢] وَقَالَ تَعَالَى: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدورا) [الأحزاب: ٣٨] فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قَلْبًا سَقِيمًا لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أفاكا أثيما
٤٨ - وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَمًا مُبْرَمًا لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلَا مُعَقِّبٌ وَلَا مُزِيلٌ وَلَا مُغَيِّرٌ وَلَا نَاقِصٌ وَلَا زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سماواته وأرضه وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الْإِيمَانِ وَأُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الْفُرْقَانِ: ٢] وَقَالَ تَعَالَى: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مقدورا) [الأحزاب: ٣٨] فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قَلْبًا سَقِيمًا لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الْغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أفاكا أثيما
1 / 53
٤٩ - والعرش والكرسي حق (١)
_________
(١) اعلم أن العرش خلق عظيم جدا كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولذلك أضافه تعالى إلى نفسه في قوله: (ذو العرش) وفيه آيات أخر تجدها في " الشرح ". وهو لغة سرير الملك ومن أوصافه في القرآن: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [الحاقة: ١٧] وأنه على الماء وفي السنة أن أحد حملة العرش ما بين شحمة إذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وأن له قوائم وأنه سقف جنة الفردوس. جاء ذلك في أحاديث صحيحة مذكورة في " الشرح ". وذلك كله مما يبطل تأويل العرش بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان
وأما الكرسي ففيه قوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض) [البقرة: ٢٥٥] والكرسي هو الذي بين يدي العرش وقد صح عن ابن عباس موقوفا عليه من قوله: " الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ". وهو مخرج في كتابي " مختصر العلو للذهبي " يسر الله طبعه (ا) ولم يصح فيه مرفوعا سوى قوله ﵊ ُ: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ". وذلك مما يبطل أيضا تأويل الكرسي بالعلم. ولم يصح هذا التأويل عن ابن عباس كما بينته في " الصحيحة " (١٠٣) [الصحيح هو برقم (١٠٩) الصفحة ١٧٣، طبع المكتب الإسلامي]
_________
(ا) [تم طبعه والحديث مخرج برقم (٣٦) الصفحة ١٠٢ طبع المكتب الإسلامي]
1 / 54
٥٠ - وهو مستغن عن العرش وما دونه (١)
_________
(١) قال الشارح رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: وإنما قال الشيخ ﵀ هذا الكلام هنا لأنه لما ذكر العرش والكرسي ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه ليس لحاجته إليه بل له في ذلك حكمة اقتضته وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاويا للعالي محيطا به حاملا له ولا أن يكون الأعلى مفتقرا إليه فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها. فالرب تعالى أعظم شأنا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك بل لوازم علوه من خصائصه وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته ﷿ به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم الحصر للعرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق
ونفاة أهل العلو التعطيل لو فصلوا بهذا التفصيل لهدوا إلى سواء السبيل وعلموا مطابقة العقل للتنزيل ولسلكوا خلف الدليل ولكن فارقوا الدليل فضلوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك ﵀ لما سئل عن قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) [الأعراف: ٥٣] وغيرها: كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول
1 / 55