يأتي به، مع أنه كان كاتبًا مفلقًا ارتضى كتابته، ولم أجد في متأخري العراقيين من يماثله في هذا الفن"١.
٣- وقد نقد أبا إسحاق الصابيّ في كثير من المواضع، وأورد له الرسائل الطويلة، والنتف اليسيرة، وأتبعها بكتابته، ليرى الفرق بين الكتابتين؛ فمن ذلك ما أورده من قول الصابيّ في صفة النبي ﷺ: "لم ير للكفر أثرًا إلّا طمسه ومحاه، ولا رسمًا إلّا أزاله وعفاه"، وقد عابه ابن الأثير بأنه لا فرق بين مرور العصور وكرور الدهور، وكذلك لا فرق بين محو الأثر وعفاء الرسم.
وأورد للصابي أيضًا قوله في بعض كتبه "وقد علمت أن الدولة العباسية لم تزل على سالف الأيام، ومتعاقب الأعوام، تعتلّ تارة، وتصح أطوارًا، وتلتاث مرة، وتستقل مرارًا، من حيث أصلها راسخ لا يتزعزع، وبنياتها ثابت لا يتضعضع"، وعابه ابن الأثير بأن هذه الأسجاع كلها متساوية المعاني، فإن الاعتلال والالتباث، والطور والمرة، والرسوخ والثبات، كل ذلك سواء، وساق على هذا النحو من النثر الصابي أمثله أخرى.
٤- وعاب على الصاحب بن عبَّاد ما كتبه في وصف مهزومين "طاروا واقين بظهورهم صدورهم، وبأصلابهم نحورهم" بقوله: إن كلا المعنيين سواء..
وكذلك نقد قول الصاحب في وصف ضيق مجال الحرب "مكان ضنك على الفارس والراجل، ضيق على الرامح والنابل"، وقوله في كتابه "لا تتوجّه همته إلى أعظم مرقوب إلا طاع ودان، ولا تمتد عزيمته إلى أفخم مطلوب إلّا كان واستكان"، فإن كل هذا الذي ذكره الصاحب في نظر ابن الأثير شيء واحد؛ لأنها ألفاظ متعددة تؤدي معاني واحدة.
وقول الصاحب من كتاب "وصل كتابه جامعًا من الفوائد، أشدها للشكر استحقاقًا، وأتمها للحمد استغراقًا، وتعرفّت من إحسان الله فيما وفر من سلامته، وهنأه من كرامته، أنفس موهوب ومطلوب، وأحمد مرقوب ومخطوب" نقده ابن الأثير بأنَّ هذا كله متماثل المعاني متشابه الألفاظ٢.
_________
١ انظر صفحة ٥٧ وما بعدها من هذه الطبعة.
٢ انظر صفحة ٢١٤ وما بعدها من هذه الطبعة.
1 / 9