النوع الثاني: معرفة ما يحتاج اليه من اللغة
وهو قولنا١: إنه يحتاج إلى معرفة اللغة مما تداول استعماله، فسيرد بيانه عند ذكر اللفظة الواحدة، والكلام على جيدها ورديئها في المقالة المختصة بالصناعة اللفظية.
ويفتقر أيضًا مؤلف الكلام إلى معرفة عدة أسماء لما يقع استعماله في النظم والنثر، ليجد -إذا ضاق به موضع في كلامه بإيراد بعض الألفاظ سعة فيه- العدول عنه إلى غيره مما هو في معناه، وهذه الأسماء تسمَّى "المترادفة"، وهي اتحاد المسمَّى واختلاف أسمائه، كقولنا: الخمر، والراح، والمدام، فإن المسمَّى بهذه الأسماء شيء واحد وأسماؤه كثيرة.
وكذلك يحتاج إلى معرفة الأسماء "المشتركة" ليستعين بها على استعمال "التجنيس" في كلامه، وهي اتحاد الاسم واختلاف المسمَّيات، كالعين، فإنها تطلق على العين الناظرة، وعلى ينبوع الماء، وعلى المطر، وغيره، إلّا أن المشتركة تفتقر في الاستعمال إلى قرينة تخصصها، كي لا تكون مبهمة؛ لأنا إذا قلنا: "عين"، ثم سكتنا، وقع ذلك على محتملات كثيرة من العين الناظرة والعين النابعة والمطر وغيره مما هو موضوع بإزاء هذا الاسم، وإذا قرنَّا إليه قرينة تخصّه زال ذلك الإبهام، بأن نقول: عين حسناء، أو عين نضاخة٢، أو مُلِثَّة٣، أو غير ذلك.
_________
١ ذكر من قبل في صفحة ٤٠، أن البليغ يحتاج إلى معرفة ثمانية أنواع، الأول: معرفة علم العربية من النحو التصريف، وهذا هو النوع الثاني.
٢ عين نضاخة: يبثق منها الماء في قوة.
٣ ملثة: دائمة المطر.
1 / 50