خطبة الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
نسأل الله ربنا أن يبلغ بنا من الحمد ما هو أهله، وأن يعلمنا من البيان ما يقصر عنه مزية الفضل وأصله، وحكمة الخطاب وفضله، ونرغب إليه أن يوفقنا للصلاة على نبينا ومولانا محمد رسوله، الذي هو أفصح من نطق بالضاد، ونسخ هديه شريعة كل هاد، وعلى آله وصحبه الذي منهم من سبق وبدر، ومنهم من صابر وصبر، ومنهم من آوى ونصر.
وبعد؛ فإن علم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه١ للأحكام وأدلة الأحكام، وقد ألَّف الناس فيه كتبًا، وجلبوا ذهبًا وحطبًا، وما من تأليف إلّا وقد تصفَّحت شِينَه وسِينَه٢، وعلمت غَثَّه٣ وسَمِينَه، فلم أجد ما ينتفع يه في ذلك إلّا كتاب "الموازنة" لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي٤، وكتاب "سر الفصاحة" لأبي
_________
١ أصول الفقه: هي القواعد التي يتوصَّل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة التفصيلية.
٢ يريد أنه تصفَّحه كله، حاليه وعاطله، ومعجمه ومهمله.
٣ الغثّ: المهزول.
٤ أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي، صاحب كتاب الموازنة بين الطائيين، كان حسن الفهم جيد الدراية والرواية، سريع الإدراك، وهو معدود من أئمة البيان والنقد الأدبي، وصفه صاحب الفهرست بأنه مليح التصنيف جيد التأليف، يتعاطى مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب، وله من الكتب: كتاب المختلف والمؤتلف في أسماء الشعراء، وكتاب معاني شعر البحتري، وكتاب نثر المنظوم، وكتاب الرد على ابن عمَّار فيما خطَّأ فيه أبا تمام، وكتاب في أنّ الشاعرين لا تتفق خواطراهما، وكتاب ما في معيار الشعر لابن طباطبا من الخطأ، وكتاب فرق ما بين الخاص والمشترك من معاني الشعر، وكتاب تفصيل شعر امرئ القيس على الجاهيلين، وكتاب في شدة حاجة الإنسان أن يعرف نفسه، وكتاب نقد الشعر، وكتاب فعلت وأفعلت، وكتاب الحروف، وديوان شعره.
ونقل ياقوت عن القاضي أبي القاسم التنوخي أن مولد أبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي بالبصرة، وأنه قدم بغداد يحمل عن الأخفش والخفاجي والزجاج وابن دريد وابن السراج وغيرهم اللغة والنحو. وروى الأخبار في آخر عمره بالبصرة، وكان يكتب بمدينة السلام لأبي جعفر هارون بن محمد الضبي ولغيره، وكتب بالبصرة لآل عبد الواحد وغيرهم ... وكان كثير الشعر حسن الطبع، جيد الصنعة، مشتهرًا بالتشبيهات، قال: ولأبي القاسم تصانيف كثيرة جيدة مرغوب فيها، منها كتاب الموازنة بين البحتري وأبي تمام، وهو كتاب حسن، وإن كان قد عيب عليه في مواضع منه، ونسب إلى الميل مع البحتري فيما أورده، والتعصب على أبي تمام فيما ذكره. توفي الآمدي سنة ٣٧٠هـ، وقد طبع كتاب الموازنة عدة طبعات كلها ناقصة، وبين أيدينا نسخة كاملة من هذا الكتاب -نسأل الله أن يعين على نشرها وتحقيقها- إن لم يقم بهذا الواجب غيرنا.
1 / 33