أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سأل أعرابي رجلين من الأعراب: أين مطرتما؟ قالا: مطرنا بمكان كذا وكذا، قال: فما أصابكما من المطر؟ قالا: حاجتنا، قال: فماذا سيل عليكما؟ قالا: ملنا لوادي كذا وكذا فوجدناه مكسرًا سالت معنانه، وملنا لوادي كذا وكذا فوجدناه مشطئًا، قال: فماذا وجدتما أرض بني فلان؟ قالا: وجدناها ممطورةً قد ألس غميرها، وأخوص شجرها، وأدلس نصيها، وألث سخبرها، وأخلس حليها، ونببت عجلتها.
قال أبو بكر: قوله وجدناه مكسرًا: يقول قد سالت جرفته ومعنانه: جوانبه؛ ومشطئ: قد سال شطآنه، وهو جمع شاطئ، ولم يسل بأجمعه، وقوله: ألس: أي أمكن أن تلسه الماشية أي ترعاه؛ وأخوص الشجر: قال أبو بكر: أحمد ما يكون المطر إذا كان الخوص وافرًا، والنصي ضرب من النبت، وهو يبيس الحلي؛ أدلس: أورق واسود، وألث سخبرها اللثا صمغ أي صار فيه الصمغ، والسخبر شجر؛ أخلس حليها، الحلي نبت؛ أخلس: أي صار لونين، وكل ذي لونين خليس من شدة خضرة الورق؛ والعجلة: بقلة مستطيلة مع الأرض؛ وقوله: إذا نببت: أي صار لها أنابيب.
حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: قال أبو المجيب، وكان أعرابيًا من بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: لقد رأيتنا في أرض عجفاء وزمان أعجف، وشجر أعشم في وقد قدمنا ذكره غليظ، وجادة مدرعة غبراء فبينا نحن كذلك إذ أنشأ الله من السماء غيثًا مستكفًا نشؤه، مسبلة عزاليه، ضخامًا قطره جودًا صوبه زاكيًا أنزله الله رزقًا لنا، فنعش به أموالنا، ووصل به طرقا، فأصابنا، وإنا لبنوطة بعيدة بين الأرجاء فاهرمع مطرها، حتى رأيتنا، وما نرى غير السماء والماء وصهوات الطلح، فضرب السيل النجاف، وملأ الأودية فرحبها، فما لبثنا إلا عشرًا حتى رأيتها روضةً تندى.
أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قال أعرابي: ليس الحيا بالسحيبة تتبع أذناب أعاصير الريح؛ ولكن كل ليلة مسبل رواقها، منقطع نطاقها تبيت آذان ضأنها تنطف حتى الصباح.
أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لأعرابي: كيف كان كلأ أرضك؟ فقال: أصابتنا ديمة بعد ديمة، على عهاد غير قديمة، فالناب تشبع قبل الفطيمة.
أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال شام أعرابي برقًا فقال لابنته: أنظري أين ترينه؟ فقالت:
أناخ بذي بقر بركه ... كأن على عضديه كتافا
ثم قال لها بعد قليل: عودي فشيمي، فقالت:
نحته الصبا ومرته الجنو ... ب وانتجفته الشمال انتجافا
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: خرج صالح بن عبد الرحمن يسير بين الحيرة والكوفة فإذا هو براكب فقال: ممن أنت؟ فقال: من بني سعد فمن أنت؟ فإني أرى بزة ظاهرةً وجلدةً حسنةً. فقال بعض أصحاب صالح: أتقول هذا للأمير؟ فقال صالح: دعوه فلم يقل إلا خيرًا، ثم استخبره عن المطر فقال: أقبلت حتى إذا كنت بين هذا الحزن والسهل، وفي كفة النخل رأيت خريجًا من السحاب منكفت الأعالي، لاحق التوالي، فهو غاد عليك أو سار، يسيل السلان ويروى الغدران.
أخبرنا أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال: أخبرت عن عبد الملك بن عمير قال: كنت عند الحجاج بن يوسف فقال لرجل من الشام: هل أصابك مطر؟ فقال: نعم أصابنا مطر أسال الإكام، وأدحض التلاع، وخرق الرجع، فجئتك في مثل مجر الضبع؛ ثم سأل رجلًا من أهل الحجاز: هل أصابك مطر؟ قال: نعم، سقتني الأسمية فغيبت الشفار، وأطفئت النار، وتشكت النساء، وتظالمت المعزى، فاحتلبت الدرة بالجرة؛ ثم سأل رجلًا من أهل فارس فقال: نعم، ولا أحسن كما قال هؤلاء! إلا أني لم أزل في ماء وطين حتى وصلت إليك.
قوله غيبت الشفار يريد أخصب الناس فلم يذبحوا الغنم والإبل، وأطفئت النار كذلك أيضًا وتشكت النساء وتظالمت المعزى في المرعى: في الكلأ.
أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: سأل سليمان بن عبد الملك أعرابيًا عن المطر فقال: أصابنا مطر انعقد منه الثرى واستأصل منه العرق ولم تر واديًا دارئًا.
1 / 9