كان لك الله خَيْرَ واقٍ ... أمْنَّك الله في المسالك
والله تعالى يقدر ذلك، أنّه سبحانه القادر المالك، ثم ذهبنا إلى حارتنا الأخرى وهي حارة الجلّوم إلى زاوية الشيخ محمد الكواكبي بلغنا الله تعالى ببركته ما نحب ونروم، وكان لنا عند حفيده الشيخ عمر جزيئات، فوجدناه قد تقاضاها على أتم
الحالات، وتلقانا هو وأعيان أهل المحلَّة مودعين، وباكين من ألم الفراق متوجعين، ثم خرجوا معنا مشاةً من باب أنْطَاكِيَة إلى قاطع النهر، ثم جاوزوا العمران وانتهوا إلى البرّ، فحلفنا عليهم في العود فعادوا بعد الدُّعاء وقراءة الفاتحة، فجزاهم الله تعالى خيرًا على أفعالهم الجميلة ونياتهم الصَّالحة، فلما عطف المودعون بالعود لقطرهم والرجوع، وتبرأ التابع من المتبوع، وطفيت نيران الوداع بمياه الدموع، ترادفت على القلب أشجانه، وتزايدت كروبه وأحزانه، ثم وقفت هناك وقفة المسلم، وودعت البلاد الشَّاميّة وداع المتأمّل المتألم، وأنشدت:
خليليَّ هذا موقفٌ من مُتَيَّمِ ... فَعُوجَا قليلًا وانظراهُ يسلمِ
ثم سرت وقلبي في تلك التلاع وتلك الأجارع، وقد فارقت الصبر عند مفارقة تلك المنازع، وودعت الجلد عند وداعي تلك المجامع والجوامع، وقد خامرني الفَرِق واستولى على جفني الأرق، وأولعت بما يولع به المشفق، وأنفقت دمعي وكل
1 / 76