لتكمل في حقّه الإهانة، فنعوّذ بالله من زوال النعم ومفاجأة النقم، فطلع من الشّام أعز طلوع ورجع إليها والعياذ بالله أذلّ رجوع، فلمّا وصله ذلك الخبر حار وجبن وخار ولاذ واستجار، وذلّ بعد تجبّر وما أذلّ من هو جبّار، وانكسر بعد فخره وتكبّره وما أسرع كسر الفخّار، وقد دخلت عليه بعد بلوغي هذا الخبر، فوجدته في غاية الذلّة والاتضاع والاختضاع، ووجهه ممتقع غاية الامتقاع، ومنتقع نهاية الانتقاع، وهو وجماعته كما قال الله تعالى (إذ القُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كاظِمِينَ ما للظَّالِمِين مِنْ حَمِيم ولا شَفيعٍ يُطَاع)، فتوجع واشتكى وتأوه وبكى، ثم أظهر الجَلَد وأضمر البلوى، وقال الحمد لله ما لأحدٍ علينا تَبِعة ولا شكوى، ولا ظلامة ولا دعوى، وسوف يعلم أهل الشّام مقدار أيّامنا وحُسْن أقضيتنا وأحكامنا.
فطيّبتُ قلبه، وسكّنت لبّه، وقلت له: لا تخشَ من الرجوع؛ فإنّ مقامك عند النّاس مرفوع، وهذا إن شاء الله آخر القطوع، ثم عانقني معانقة المثكل المفجوع، وسقينا نبات الخدود بمياه الدموع، ثم أنجد وأتهمت، وأيمن وأشأمت، فعاد هو من الغد إلى الشّام، وانتقض من حبله الإبرام، وتهتّك حجابه، وانفضت عنه أحزابه، وشائنة
أحبابه وأصحابه، وتقطعت أسبابه، وأُبيعت أمتعته وأسبابه، وبيوته، وعماراته، وبساتينه، وجنيناته، وأراضيه وقراه، وأعيد لأربابه كل ما كان اغتصبه أو اشتراه، وتعدّى ذلك إلى سائر جهاته وجهات زوجاته وبناته، وخرج عليه من كان داخلًا فيه وراكنًا إليه، وشدّد عليه في الحساب من كان يعدّه من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن، ومن حيث أَمِلَ الربح جاءه الغُبْن:
1 / 71