فضاقت الأرض والنفس والمعيشة، وناوشَتْ كلاب المزابل أُسْدَ بِيشَة، فتعينتُ الرِّحْلَة عن المملكة فضلًا عن البلد، وحسنت مفارقة النفس فضلًا عن الأهل والولد.
ولا يقيمُ على ضَيْمٍ يسامُ بهِ ... إلاّ الأذَلاَّن عَيْرُ الحيِّ والوَتِدُ
إنّ الهَوانَ حمارُ الدار يألفهُ ... والحرّ ينكرهُ والفيل والأسدُ
هذا على الخسفِ مربوطٌ برُمَّتِهِ ... وذا يُشجُّ فلا يَرْثى له أَحدُ
فاستعذتُ بالله من العجز والكسل، ورفضتُ التعلل بعسى ولعل، ولبستُ جلباب العزم، وامتطيتُ مطية الحَزْم، وأدخلتُ على معتل التواني حرف الجَزْم، وجزمتُ على ترك الدَّعَة والسكون أيَّ جزم، وأخذتُ في إعداد الأهبّة وارتياد الصحبة، إلى
أن كمل الاستعداد، وحصلت الراحلة والرفقة والزاد، وخرجت من مدينة دِمَشْق المحروسة، ومن المنازل والديار المأنوسة، عصرَ يوم الاثنين المكرّم، ثامن عشر شهر رمضان المعظم، سنة ستٍ وثلاثين وتسعمائة، وصحبني من الخدم والرفاق والأصحاب فئة صحبةَ قاضي القضاة ولي الدِّين ابن الفُرْفُور، (وقد حصل عنده
1 / 23