قال ابن عمر - وقد أعتق مملوكَّاَ له كان قد ضربه: "مَا لِي فِيهِ أَجْرٌ، وَلَا مَا يُسَاوِي هَذَا، إلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ ... " الحديث (١).
كذا الرواية: "إِلَّا أَنِّي" حرف استثناء، ووجهه أن يكون استثناء منقطعًا، أو على ما نذكره بعد إن شاء الله، وقال بعضهم: لعله: "أَلَا إِنِّي" فيكون حرف استفتاح للخبر المذكور بعدها، وكأن قائل هذا استبعد الاستشهاد بهذا على قوله: "مَا لِي فِيهِ مِنْ أَجْرٍ"، وعندي أنه لا يبعد، ولا تنافر بين الفضلين؛ أخبر ﵁ أنه لا أجر له في عتقه إذ لم يعتقه ابتداءً للأجر متطوعًا به؛ لكن لكفارة الضرب، وإزالة الإثم اللاحق به لضربه إياه، ويكون تقدير الكلام: ما لي في عتقه من أجر إذ لم أُعتقه إلاَّ؛ لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول كذا. أي: فأعتقته؛ ليكفِّر الله عني ما فعلت به من الضرب.
وقوله ﷺ في فضل أبي بكر: "إِلَّا خُلَّةَ الإِسلَامِ" (٢) كذا ضبطه الأصيلي بحرف الاستثناء من نفي غيرها من الخُلة، ونصب الخلة، وعند بعضهم: "أَلَا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح، ورفع الخلة على ابتداء الكلام، وكلاهما صحيح، وقوله في الحديث الآخر: "لَكنْ أُخْوَّةُ الْإِسْلَامِ" (٣) يشهد لصحة الاستثناء وللاستفتاح أيضًا، وحذف الخبر من قوله: "لكن" ومن رواية الاستفتاح أيضًا اختصارًا (٤)؛ لدلالة الكلام
(١) مسلم (١٦٥٧).
(٢) البخاري (٣٩٠٤) عن أبي سعيد الخدري.
(٣) البخاري (٤٦٦، ٣٦٥٤)، مسلم (٢٣٨٢) عن أبي سعيد، والبخاري أيضًا (٣٦٥٧) عن ابن عباس.
(٤) في (س): (اختصارٌ)، وهي ساقطة من (د، أ)، والجادة ما أثبتناه، وهو ما في =