241

وفي رواية الترمذي فجعل يضرب بقضيب في أنفه.

ولقد وفق الترمذي ((رضي الله عنه)) فإنه لما روى هذا الحديث وذكر فعل ابن زياد (زاده الله عذابا) نقل ما فيه اعتبار واستبصار، فإنه روى في صحيحه بسنده عن عمارة بن عمير قال: لما قتل عبيد الله بن زياد وجيء برأسه ورءوس أصحابه ونضدت في المسجد في الرحبة، فانتهيت إليهم والناس يقولون: قد جاءت قد جاءت فإذا حية قد جاءت تخلل الرءوس حتى جاءت فدخلت في منخر عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيئة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت ففعلت ذلك مرارا.

الفصل السادس: في شجاعته وشرف نفسه ((عليه السلام)):

اعلم وقفك الله على حقائق المعاني ووفقك لادراكها، أن الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس والصفات المضافة إليه، فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر ولا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها إذ ليست كثيفة بل طريق معرفتها والعلم بها بمشاهدة آثارها، فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه إذا احدقت الرجال وحدقت الآجال وخفت الأوجال وتضايق المجال وحاق القتال، فإن كان مجزاعا مهلاعا مفزاعا، مرواعا فتراه يستركب الهزيمة ويستبقها ويستصوب الدنية ويتطوقها، ويستعذب المفرة ويتفوقها ويستصحب الذلة ويتعلقها، مبادر إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار مشيحا عن الفخار باقتحام الأخطار في مقر القراع لكل خطار، فذلك مهبول الام مخبول الفهم مفلول الجمع معزول عن السمع، وضرب بينه وبين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه وبين الشهامة بإبراء في كتاب لا تعرف نفسه سرفا ولا تجد عن الخساسة والدناءة منصرفا.

وإن كان مجسارا مجزارا كرارا صبارا يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزامر المطربة، ويسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواظر المعجبة، خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة

पृष्ठ 251