الرحيم الحمد لله مفيض النعم الروايع وملهم الحكم والشرايع الواهب من أصول النعم وفروعها ما يعجز العقول عن نيل غايته ويقف حمل العقول دون إدراك نهايته من على عباده بالهداية إلى معالم الدين وأخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور اليقين أنعم عليهم بإرشاد أذهانهم إلى قواعد الأحكام وأضاء بلمعة من لطفه مسالك أفهامهم كي يهتدوا إلى شرايع الاسلام نور بمصابيح الدراية قلوبهم لينقذهم من حيرة الجهالة وشرح بأنوار الهداية صدورهم خلاصا لهم من حومة الضلالة أنزل الكتاب فيه تبيان كل شئ وتمييز الرشد من الغي تفضل بإرسال الرسل وإيضاح السبل كي لا يضل بهم الطرق عن مدارك معرفته وبين الآيات ونصب البينات حتى لا يعذر أحد في ترك طاعته لم يعتور أمره التباس ولم يغير حكمه قياس نحمده حمدا يليق بكبريائه ونشكره شكرا يستوجب المزيد بعد المزيد من آلائه ونقر بتوحيده إقرارا ينفعنا يوم لقائه ونشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله الأمي الذي أتى بكتاب عجز عن نيل مبانيه مصاقع الفصحاء وحار دون إدراك معانيه أقلام العلماء التهامي الذي شرف كل غور ونجد المكي الذي منه فاض على الآفاق كل فضيل ومجد الاخر الذي مد الأولون عين الرجاء إلى شفاعته الخاتم الذي لم يخرج من حلقة الذل من لم يتحل بفص طاعته أرسله رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين ومؤسسا للملة السمحاء ومورد إلى الشريعة البيضاء فقام بأعباء الرسالة حتى تجدد ذكر المعارف الوحيدية غب طموسها وانكشف بيان السرائر الإلهية بعد دروسها وكان إتمام الدين وإكمال النعمة أن نصب للخلق باب مدينة العلم هاديا إلى ثواب الأعمال وعقابها وكاشفا عن الأمة غياهب ارتيابها وألهم الهداة المرضيين أئمة للعباد وحفظة للأحكام إلى يوم التناد اللهم فصل عليه وآله البررة الأخيار الذين من أجمع على متابعتهم واستصحب هدى طريقتهم فاز بالبراءة من النار كما بلغوا جملة آياتك و حلوا عن سنن بيناتك صلاة باقية ما استخرج التفاصيل من الجمل واتضح بالمبين المجمل أما بعد فيقول الراجي إلى رحمة ربه الباري حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري أوتيا كتابهما يمينا وحوسبا حسابا يسيرا إن العلوم على شرف جلتها ورفعة مكانها وحلتها متفاضلة في مدى الفخار متفاوتة في المزايا والآثار وأشرفها دراية ورواية وأفضلها معلولا وغاية وأسدها دليلا وحجة وأوضحها منارا ومحجة وأعظمها للراغب منفعة وأورثها للطالب رفعة بعد علم المعرفة علم الفقه الذي به يعرف ما كلف به العباد ويفرق بين الغي والرشاد ويميز بين ما ينجي ويوبق يوم التناد ومنه يشرح آيات كلام رب العالمين ويوضح سنن خير المرسلين وآثار عترته الطاهرين وبه تنال السعادة الأبدية ويدرك الفوز بالحياة السرمدية فمن تمسك بالفقه الأحمدي فله البشرى وهو الفاخر
पृष्ठ 4
بنيل منتهى المطلب في الآخرة والأولى والفقيه الذي فاز باستبصار كاف في تهذيب عمله والمهذب الجامع لخصال أدرك بها غاية مراده وأمله ولما كان كتاب الدروس الشرعية في فقه الامامية من تصانيف شيخنا الاجل المحقق والحبر المسدد المدقق أفضل المتأخرين وأكمل المتبحرين عمدة علماء الفرقة الناجية بل الذي لم يظفر بمثله في القرون الماضية الحائز لمرتبة السعادة الفايز بمنقبة الشهادة محمد بن مكي أعلى الله تعالى درجته كما شرف خاتمته أحسن الكتب المصنفة تحقيقا وتهذيبا وأتقن الرسائل المؤلفة تدقيقا وتقريبا وأكثرها اشتمالا على الفروع التي تعم بها البلوى وأسدها تنقيحا للمسائل التي تشتد الحاجة إليها أجبنا أن نشرحه شرحا يوضح مقاصده الدقيقة ويجلي مطالبه الأنيقة ويبين حقايق أنظاره ويظهر دقايق أفكاره غير مقتصرين على حل الكتاب وبيان مبانيه ولا مكثفين بكشف الحجاب عن عرايس معانيه بل أوضحنا في كل مسألة مقاصد من تكلم فيها وأشبعنا القول فيما يصح أن يقال لها أو عليها وأوردنا من الأدلة ما أمكن بلوغ الفهم إليها وأطلقنا النظر في متن كل دليل وسنده وأجلنا الفكر في رد كل مذهب ونقده وأنعمنا سر الأقوال في الابرام والنقص وأمعنا الغور في ترجيح بعضها على بعض وسميناه مشارق الشموس في شرح الدروس وجعلناها تحفة للخزانة العامرة التي هي بذخائر العز غامرة أعني خزانة السلطان الأعظم والخاقان الأفخم مالك رقاب الأمم ناشر لواء المعدلة في البسيطة الغبراء رافع أعلام المجد إلى القبة الخضراء مالك ملاك السلطنة العظمى والدولة الكبرى دافع مهالك البغي والفساد عارف مسالك الهدي والرشاد أسنى الملوك نسبا وحسبا وأعلاهم موروثا ومكتسبا وأعظمهم شأنا وسلطانا وأشدهم إيمانا وإيقانا وأسدهم قولا وبيانا خضع للرب فتعاظم في الورى سلطانه واستخف ميزان الدينار كي يثقل في الحشر ميزانه النسر الطاير واقع دون قبته والسماك الرامح أعزل لدى شوكته عتبته العلية شماء بارع قدرها وحضرته السنية سماء بازغ بدرها من وضع جبهة العبودية على بابه لم يرض بالإكليل تاجا ومن استضاء بصبح عزته أنف من القمر سراجا قبة مجده بادية لكل حاضر وباد وعين عدله صافية يردها كل ري وصاد يطلع صبح العزة من غرته ويطلع على سر العظمة من أسرته جوده العميم دليل يدرك به أصناف الخلق مطلبهم وكفه الكريم بحر يغرف منه كل أناس مشربهم لو كان قيصر الروم يروم العز لم يقصر في متابعته ولو أن ملك الهند صاحب الرأي لرأى السعادة في إطاعته زهر الشجرة المصطفوية غصن الدوحة المرتضوية سراج الدولة الصفوية ماحي آثار الجور والعناد حامي أرجاء البلاد والعباد مروج أحكام الشريعة الحقة في الخافقين ناشر آثار الفرقة المحقة في المشرقين والمغربين مولى ملوك الورى من لا يقاس به عزا ومجدا وإحسانا وتمكينا ذو العرش أعطاه سلطانا ومكنه كي يظهر العدل في الآفاق والدينا * جنوده لا يهابون العدو وهل * يخاف حزب سليمان الشياطينا * أنى يؤثر جحد الناس قدركم * حاميم حام لكم يا آل ياسينا * دعوت يبقي بقاء الدهر دولته * وقول كل الورى قد كان آمينا * الداعي إلى طريقة الأئمة المعصومين ظل الله في الأرضين قهرمان الماء والطين السلطان بن السلطان بن السلطان الخاقان بن الخاقان بن الخاقان أبو المظفر السلطان شاه سليمان الصفوي الموسوي الحسيني بهادر خان لا زالت عقبان راياته المنصورة كاسرة لأجنحة جنود المخالفين صايرة للفتح والظفر في أرجاء الأرضين ولا برحت حومة مملكته المحروسة محمية الثغور والأطراف مخضرة؟؟ والأكناف ومن الله تعالى استمد المعونة في أن يفتح باب الهداية من كل باب ويملأ صحيفة الحسنات في شرح الكتاب وأن، يجعله خالصا لوجهه العلي وينفع به المبتدي والمتوسط والمنتهي وها نحن نشرح فنقول متضرعا إلى الله تعالى في إجابة المسؤول قال المصنف خلد إفادات درسه وروح زكي رمسه كتاب الطهارة خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب الطهارة والكتاب فعال من الكتب بفتح الكاف لما يكتب به أو المكتوب والكتب بمعنى الجمع ومنه الكتيبة للجيش والكتاب في العرف كلام جامع لمسائل متحدة جنسا مختلفة نوعا كما قيل وهي أي الطهارة لغة النزاهة من الأدناس أي الأوساخ ومنه قوله تعالى يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك وقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وفي اصطلاح أهل الشرع يطلق على معنيين أحدهما إزالة الخبث وعليه يحمل قوله عز وجل وثيابك فطهر وثانيهما ما ذكره المصنف (ره) بقوله وشرعا استعمال الطهور مشروط بالنية لاستباحة الصلاة والأبحاث الموردة على تعاريف الطهارة وأجوبتها ووجوه التفصي عنها تارة بمنع كونها حقيقة بل لفظية لئلا يضرها عدم الجمع والمنع وتارة بتسليم صناعيتها وارتكاب تكلفات وتصنعات لتتميمها وترسيمها مشهورة في كتب القوم رضوان الله عليهم فلا حاجة إلى التعرض لها مع أنها لا فائدة مهمة تحتها وهي أي الطهارة (وضوء وغسل وتيمم) منقسمة إلى هذه الأقسام الثلاثة منحصرة فيها وماهية كل من هذه الأقسام ستعلم في طي المباحث الآتية مشروحة وكل منها واجب وندب والواجب ما يكون فعله مصلحة وتركه مفسدة والندب ما يكون فعله مصلحة ولم يكن تركه مفسدة وبعبارة أخرى الواجب ما يذم تاركه بوجه والندب ما يمدح فاعله ولم يذم تاركه فالواجب منها بحسب وجوب غايته التي هي الصلاة والطواف ومس خط المصحف قوله بحسب خبر لقوله فالواجب أي وجوب هذه الثلاثة إنما يتحقق بوجوب غاية من غاياتها الثلاثة التي هي الصلاة والطواف ومس خط المصحف وغاية الشئ
पृष्ठ 5
العرض والمقصود منه فغاية الوضوء ما يكون الوضوء لأجله أما بأن يكون له مدخل في صحته أو جوازه أو كماله أو ارتفاع كراهته ونحو ذلك من الأمور التي تعلم في ضمن تفاصيل غاياته كما سيأتي والمفهوم من الكلام بمعونة اقتضاء المقام وكونه بصدد ضبط الأقسام إن وجوب الطهارة إنما يكون حال وجوب إحدى هذه الغايات المذكورة فقط دون غيره من الأحوال إلا ما ذكره لخصوص الغسل والتيمم وما استدركه آخرا لثلاثتها بقوله وتحت الثلاثة أيضا بالنذر وشبهه وحينئذ يرد عليه النقض بوجوب الطهارة لاجزاء الصلاة المنسية وسجدة السهو وسجدة التلاوة والجواب عن الأولين بأنهما داخلان تحت الصلاة لكونهما من أجزائها ومتعلقاتها وعن الأخير بأن المصنف (ره) لم يقل بوجوب الوضوء لسجدة التلاوة كما سيجئ وأما النقص بصلاة الجنازة من حيث إنها غاية واجبة من جملة الغايات الثلاث مع عدم وجوب الطهارات لها فمندفع أيضا من وجوه أحدها يمنع كونها صلاة حقيقة حتى يدخل تحت الغايات المذكورة لقوله (عليه السلام) تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل إنما يعد من الصلاة ومجازا شرعيا وثانيها عدم تسليم كون المفهوم من العبارة تحقق وجوب الطهارات متى ما تحقق وجوب إحدى هذه الغايات بل القدر المسلم إنه يفهم منها عدة الوجوب في غير هذه الحال وثالثها تخصيص الغاية بما يكون للطهارة مدخل في صحته أو جوازه أو وجوده فقط لا يجعله أعم منه بحيث يشمل ما يكون لها مدخل في كماله ورفع كراهته وغير ذلك أيضا لان هذا المعنى أقرب من معناها للشهود أي ما يكون لوجوده وجود شئ آخر لان الصحة والجواز بمنزلة ذاتيات الشئ فإذا وجد بدونهما فكأنه لم يوجد بخلاف الكمال والفضيلة وغير ذلك فعلى هذا لا يكون صلاة الجنازة غاية الطهارة لصحتها وجوازها بدونها فإن قلت فعلى هذا يظهر الخلل في الكلام من وجه آخر لأنه إذا نذر أحد أن يصلي صلاة الجنازة كاملة بالكمال الذي يحصل لها من الطهارة فلا شك في صحة نذره ووجوب الوضوء حينئذ مع أنه ليس داخلا تحت الضابطة المذكورة لعدم كون تلك الصلاة غاية على ما قررت قلت لا نسلم عدم كونها غاية حينئذ إذ يصدق عليه التعريف المذكور لان للطهارة حينئذ مدخلا في وجودها إذ الصلاة الكاملة بالكمال الذي يستفاد من الطهارة لا يمكن أن يوجد بدونها نعم قبل النذر لم يكن غاية بهذا المعنى ولهذا الايراد جواب آخر يظهر مما سنذكره في جواب النقض الآتي وهو أن ما ذكره المصنف (ره) منقوض بوجوب الوضوء على من نذر أن يقرأ القرآن مثلا قراءة كاملة بالكمال المستفاد من الطهارة لأنه ليس داخلا فيما ذكره المصنف ولا ينفع الجواب المذكور آنفا إذ لا يكفي كونه غاية بل لابد أن يكون من الغايات الثلاث وأما منع فهم الحصر من عبارة المصنف فبعيد كما لا يخفى إلا أن يجاب بأنه داخل تحت قوله ويجب الثلاثة أيضا بالنذر وشبهه وسيجئ لهذا الكلام تتمة عند شرح هذا القول إن شاء الله تعالى ثم اعلم إن للواجب معنيين أحدهما ما مر وثانيهما ما يكون شرطا لصحة شئ كما يقولون إن الوضوء واجب للصلاة المندوبة أي شرط لها والمراد هاهنا هو الأول بقرينة جعله قسيما للندب الذي جعل من أقسامه ما يكون للصلاة المندوبة مع كونه شرطا لها وإن كان الوجوب بكلا معنييه حاصلا للطهارات بالنسبة إلى الأولين أي الصلاة والطواف وكذا بالنسبة إلى الثالث أيضا إن جعل الواجب بالمعنى الثاني أعم من أن يكون شرطا لصحة شئ أو جوازه أما إذا خصص بالصحة فلا إلا على رأى من يقول بأن النهي في العبادة مستلزم للفساد فتأمل ولما كان أحوال الطهارات الثلاث ووجوبها لتلك الغايات المذكورة ويتفاوت في بعض الأمور رأينا الأولى أن يفصل كلا منها عن الآخرين ونذكر ما يتعلق به على حدة فنبدء بما بدأ الله تعالى به أي الوضوء ونقول أما بوجوبه بالمعنى الأول للصلاة في الجملة فمما انعقد الاجماع عليه بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ولا حاجة إلى الاستدلال عليه ولكن سنذكر كثيرا مما يرتبط به من الكتاب والسنة أيضا تبركا بهما وليكون الكلام في الابتداء جاريا على وتيرة ما بعده مناسبا له فيتخيل نوع براعة إذ نريد أن نورد إن شاء الله تعالى بحسن توفيقه وعظيم منه في أكثر مسايل الكتاب معظم ما يتعلق به من الآيات والاخبار بقدر جهدنا وطاقتنا مستعينين بلطفه وتوفيقه إنه خير موفق ومعين وحين كان غرضنا في هذا الباب هذا لا إثبات الدعوى وثبوت المدعى لم نزد على مجرد إيراد الآية والاخبار وبيان وجه الدلالة إن كان محتاجا إليه ولم نشتغل بذكر ما فيها من القيل والقال ولم نتعرض لأحوال الاسناد والرجال أما الكتاب فقوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية صيغة الامر ظاهرها الوجوب وسياق الكلام دال على أنه للصلاة لأنه إذا قيل إذا لقيت العدو فخذ سلاحك وإذا أردت الأمير فالبس ثيابك يفهم منه عرفا إن أخذ السلاح ولبس الثياب لأجل لقاء العدو والأمير فقد دل على المدعى بتمامه وأما الاخبار فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب آداب الاحداث الموجبة للطهارات عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا إنه قد يمسح بثلاثة أحجار قال إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي قد صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة ووجه الدلالة ظاهرا ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في باب الأغسال المفروضات والمسنونات عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أثناء حديث وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز
पृष्ठ 6
الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وروى في الكافي أيضا في باب أنواع الغسل وفي الفقيه أيضا في باب علة الأغسال ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب في أواسط باب حكم الحيض والاستحاضة عن سماعة قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب في أواسط باب التيمم وأحكامه عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وقد أورد الشيخ (ره) مكررا هذه الرواية في أواخر الباب المذكورة وذكر هذه الرواية بعينها في الكافي أيضا في باب الوقت الذي يوجب التيمم بلا تفاوت في السند والمتن إلا إنه بدل فليتوضأ فليتوض ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا بعد الرواية السابقة بأسطر عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليمسك ما دام في الوقت فإذا تخوف أن يفوته فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب أيضا في زيادات كتاب الطهارة في باب الحيض والاستحاضة عن يونس عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أثناء حديث طويل قال وسئل عن المستحاضة فقال إنما ذلك غرف أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب جامع في الحايض والمستحاضة إلا إنه فيه غرف عابر والمسؤول عنه في قوله (عليه السلام) وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا ما قصدنا إيراده من جملة الروايات الدالة على وجوب الوضوء للصلاة في الجملة والروايات الدالة على وجوبه بدون دلالتها على أنه للصلاة فهي أكثر من أن تحصر ولم نوردها هاهنا لان الغرض هاهنا ليس متعلقا بوجوب الوضوء فقط بل وجوبه للصلاة لكن سنوردها إن شاء الله تعالى في تضاعيف الأبواب الآتية وأما وجوب الوضوء للصلاة بالمعنى الثاني أي شرطية لها في الجملة وعدم صحتها بدونه فهو أيضا مما انعقد عليه الاجماع ولا خلاف فيه بل يمكن أن يكون أيضا من ضروريات الدين وسنذكر طرفا من الأخبار الدالة عليه أيضا لما ذكرنا سابقا فمنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواخر باب آداب الاحداث الموجبة للطهارة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا صلاة إلا بطهور وكررها في أوايل باب صفة التيمم وفي كتاب الصلاة في باب تفصيل ما تقدم ذكره وروى الصدوق (ره) في الفقيه في باب من ترك الوضوء أو بعضه مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) هذه الرواية بعينها ورواها أيضا في باب وقت وجوب الطهور عنه (عليه السلام) أيضا مرسلا مع زيادة في أولها قال قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ولا صلاة إلا بطهور ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أوايل باب صفة الوضوء والغرض منه عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه وقد أوردها الشيخ (ره) مكررا في أواخر هذا الباب ووجه الدلالة ظاهر وهذه الرواية في الكافي أيضا بعينها في باب مسح الرأس والقدمين ومنها ما رواه الشيخ في أواخر هذا الباب عن منصور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال ينصرف ويمسح رأسه ورجليه وقد كرر هذه الرواية في هذا الباب بأدنى تغيير في السند وما روى أيضا بعد هذا بأسطر عن أحمد بن عمر قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة قال من نسي مسح رأسه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن أعاد الصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) في أواخر هذا الباب أيضا عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن ذكرت وأنت في صلاتك إنك قد تركت شيئا من وضوءك المفروض عليك فانصرف وأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد صلواتك وهذه الرواية بعينها في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء ومنها ما رواه الشيخ (ره) بعيد هذه الرواية عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من نسي مسح رأسه وقدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله تعالى في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء قال أما أنا فكنت فاعلا إني أتوضأ وأعيد وما روي أيضا متصلا بهذه الرواية عن يعقوب بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء يتوضأ ويعيد الصلاة أو يجوز الصلاة قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه ومنها ما رواه أيضا في أواخر هذا الباب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في أثناء حديث قال قلت فإن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين والمراد من المصيب في الرواية المتيمم ورواه أيضا ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب الوقت الذي يوجب التيمم ومنها ما رواه الشيخ (ره) في أواخر هذا الباب أيضا عن عبد الله بن عاصم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتمم ويقيم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وهذه الرواية بعينها في الكافي أيضا في الباب المذكور آنفا ومنها ما رواه الشيخ (ره) بعد هذه الرواية في آخر الباب المذكور عن الحسن بن جهم قال سئلته يعني أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى الظهر والعصر وأحدث حين جلس في الرابعة فقال إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فلا يعيد
पृष्ठ 7
وإن كان لم يشهد قبل أن يحدث فليعد ومنها ما رواه أيضا في باب صفة التيمم عن أبي بصير قال سئلته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم ذكر إن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وفي الكافي أيضا بعينها في الباب المذكور ومنها ما رواه الشيخ في الزيادات في أول باب التيمم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء قال يقطع الصلاة ويتوضأ ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب آخر تطهير الثياب والبدن من النجاسات عن علي بن مهزيار وهو كتاب ورد جوابا عن سؤال في أثنائه هذه العبارة وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلاة المكتوبات اللواتي فاتته ومنها ما رواه الشيخ (ره) في كتاب الصلاة في باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة عن عبد الله بن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما فرض الله من الصلوات فقال الوقت والطهور والركوع والسجود والقبلة والدعاء والتوجه وهذه الرواية في الكافي بأدنى تغيير في المتن والسند في باب فرض الصلاة ومنها ما رواه الشيخ (ره) متصلا بهذه الرواية عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود وهذه الرواية في الكافي بعينها بلا تفاوت في المتن والسند في باب المذكور وفي الفقيه رواه مرسلا قال قال الصادق (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود ومنها ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب النوادر وقبل أبواب الحيض عن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ورواه الصدوق (ره) أيضا في الفقيه في باب افتتاح الصلاة وتحريمها قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ومنها ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب فيمن ترك الوضوء أو بعضه قال قال النبي (صلى الله عليه وآله) ثمانية لا يقبل لهم صلاة الآبق حتى يرجع إلى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون وتارك الوضوء والمرأة المدركة تصلي بغير خمار والزبين وهو الذي يدافع البول والغايط والسكران ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زيد الشحام والمفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة قال فلينصرف فليمسح برأسه وليعد الصلاة هذا ما قصدنا إيراده في هذا المقام فإن قلت هلا استدللت على شرطية الوضوء للصلاة بالآية الكريمة المتقدمة والاخبار المذكورة في المسألة السابقة على هذا المطلب لا يخلو عن إشكال إذ غاية ما يفهم منها عرفا كما ذكرنا سابقا إن الوضوء لأجل الصلاة والصلاة غاية له وقد عرفت فيما تقدم إن كون الوضوء مغيا بشئ لا يستلزم أن يكون له مدخل في صحته بل يجوز أن يكون لأجل كماله وفضيلته أو غير ذلك فإن قلت هذا أيضا يكفينا لأنه إذا كان الوضوء واجبا وكان الغرض من وجوبه كمال الصلاة وفضيلتها فلا بد أن يكون الصلاة الكاملة أيضا مطلوبة حتمية وإلا لم يكن الوضوء الذي لأجلها وهي الغرض من وجوبه مطلوبا حتميا ضرورة فإذا كان المكلف به الصلاة الكاملة بالكمال المستفاد من الوضوء ولا شك إنها موقوفة على الوضوء لا يحصل بدونه فإذا أتى بالمكلف بالصلاة بدون الوضوء فلم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف ولم نعن بالشرط سوى هذا وإن لم يكن شرطا شرعيا بالمعنى المشهور أي الذي يمكن أن يوجد المأمور به بدونه لكن جعله الشارع شرطا بل نقول إن جميع الشروط الشرعية عند التحقيق كذلك أي مما لا يمكن أن يتحقق المأمور به بدونه على ما هو معنى الشرط العقلي في الاصطلاح وإن الفرق الذي ذكره القوم بينهما بناء على عدم التدبر وغفلة عما هو الحق لكن ليس هاهنا موضع تحقيقه وتنقيحه قلت أما أولا فلا نفهم إن المفهوم من الآية عرفا أن الغرض من الوضوء وإيجابه هو الصلاة فقط حتى يكون مطلوبيته حتما مستلزمة لمطلوبيتها أيضا كما ذكرت بل المفهوم منها إن لها غرضية في الجملة لايق إنها أما تمام الغرض أو جزئه ولا معنى لوجوب شئ بدون وجوب تمام غرض إيجابه أو جزئه بالضرورة لأنه لا يلزم أن يكون الصلاة تمام الغرض أو جزئه بل يجوز أن يكون إيجاب الوضوء لأجل نفسه أو لغرض آخر تام في الاقتضاء ويكون الصلاة أيضا غرضا ومقتضيه ناقصة ولا استحالة في ذلك لان علل الشرع معرفات ويجوز اجتماع غرضين تامين من الاغراض الشرعية فكيف بالتام والناقص والآية الكريمة لا تدل على أزيد من ذلك وفيه بعد ولا يذهب عليك إنه على هذا لو كان المراد في المدعى الأول أيضا أي وجوب الوضوء للصلاة بالمعنى الأول هذا المعنى لكانت الاستدلالات السابقة متجهة وأما إذا كان المراد إن الصلاة غرض تام للوضوء فلا فتأمل وأما ثانيا فلان بعد تسليم انفهام حصر الغرض في الصلاة من الآية وكون فضيلة الصلاة وكمالها مطلوبا حتميا لا ثم إنه يلزم أن يكون المطلق في الأوامر الواردة بالصلاة الصلاة الكاملة حتى لا يكون المكلف الآتي بها بدون الوضوء آتيا بالمأمور به بل يجوز أن يكون المطلوب طبيعة الصلاة مطلقة كما هو مقتضى الصيغة ويكون تحصيل كمالها وفضيلتها مطلوبا حتما آخر يستفاد مطلوبيته من إيجاب الوضوء له ولا يكون شرطا لامتثال التكليف الأول ولا جزءا منه في ما إذا
पृष्ठ 8
أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فقد خرج عن عهدة الامر بالصلاة المطلقة لكن يبقى في عهدة التكليف بالوضوء وتحصيل كمال الصلاة فتدبر وقس عليه الكلام في الأخبار المتقدمة سؤالا وجوابا وقد يستدل بالآية على هذا المطلب بوجه آخر وهو أن يقال إنه قد استفيد منها وجوب الوضوء قبل الصلاة والامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده فتكون الصلاة التي هي ضد الوضوء منهيا عنها فتكون فاسدة فثبت الاشتراط وفيه إنه موقوف على ثبوت إن الامر بالشئ مستلزم للنهي عن ضده والنهي مستلزم للفساد وكلاهما ممنوعان وهاهنا شك آخر وهو إن معنى كون الامر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده إنه إذا كان شئ مأمور به في وقت ولم يأت المكلف في ذلك الوقت بذلك الشئ بل أتى بضده يكون ذلك الضد حراما منهيا عنه وحينئذ نقول تحقق هذا المعنى مما لا يمكن فيما نحن فيه لأنه إذا كان الوضوء واجبا قبل الصلاة فالاتيان بالصلاة في وقته إنما يتحقق بإتيان الصلاة قبل الصلاة هف والجواب أن المراد أن وقت الوضوء إنما هو بعد إرادة الصلاة كما هو مدلول الآية الكريمة ولا شك في إمكان الاتيان بالصلاة في ذلك الوقت فارتفع الخلف فإن قلت المأمور به في الآية أما الوضوء بعد الإرادة المتصلة بالصلاة وبعد الإرادة المنفصلة عنها بقدر الوضوء والأول باطل لأنه تكليف بما لا يطاق وعلى الثاني يلزم ما ذكرنا أولا من عدم إمكان الاتيان بالصلاة في وقت الوضوء لأن المفروض وقته وقت انفصال الصلاة عن الإرادة فكيف يمكن أن يصير وقتا للصلاة إذ يلزم حينئذ أن يكون الصلاة متصلة بالإرادة منفصلة عنها هف قلت وقت الوضوء بعد الإرادة التي يمكن انفصالها عن الصلاة واتصالها بها باختيار المكلف وحينئذ نقول إن كل جزء من أجزاء أوقات ما بعد تحقق الإرادة وقت الوضوء ويمكن الاتيان بالصلاة فيه أيضا لما ذكرنا من أن الاتصال والانفصال باختيار المكلف فلو لم يأت المكلف بالوضوء وأتى بالصلاة فقد أتى بضد المأمور به فيكون منهيا عنه فاندفع المحذوران فإن قلت إن تلك الإرادة إن كانت تامة يجب الاتصال وإن كانت ناقصة يجب الانفصال قلت إنها ناقصة وإنما يجب الانفصال لو لم تصر تامة هذا ثم إن في المقام كلاما آخر وهو إنه قد ثبت بما ذكر إمكان الاتيان بالصلاة في وقت الوضوء لكن هذا مما لا يكفي في إثبات المرام لان الاتيان بضد المأمور به في وقته إنما يكون منهيا عنه إذا كان وجوب المأمور به مضيقا وأما إذا كان موسعا فلا كما تقرر في الأصول وعلى هذا نقول لا شك إن وقت الوضوء الذي هو أوقات حصول الإرادة متسع فلو أتى المكلف بالصلاة في جزء منها لم يأت بضد المأمور به في وقته المضيق نعم إذا بقي من الوقت مقدار الوضوء والصلاة فعسى أن يكون جريان الدليل فيه ممكنا أما قبله فلا فتأمل فالأولى أن يستدل بالآية على المرام بطريق آخر بأن يقال يستفاد من الآية عرفا إن الوضوء قبل الصلاة واجب وإذا أتى المكلف بالصلاة بدون الوضوء فيلزم حينئذ أن لا يمكن الاتيان بالوضوء المأمور به إذ لا شك إن بعد الاتيان بالصلاة لا يمكن الوضوء الكائن قبل الصلاة فيلزم ترك الواجب وترك الواجب حرام وملزوم الحرام حرام فيكون الاتيان بالصلاة الملزوم لترك الوضوء حراما وهذا مثل ما إذا كان أحد مأمورا بالصعود على السطح المتوقف على السلم فكسره باختياره أو كان مكلفا بالوضوء فأراق الماء ونحو ذلك لا يقال إنا لا نسلم عدم الامكان الاتيان بالوضوء المتقدم على الصلاة بعد الصلاة إذ يمكن أن يتوضأ ويصلي صلاة أخرى لان المأمور به الوضوء المتقدم على الصلاة التي يتحقق بها امتثال الامر ولا شك أن بالصلاة السابقة على تقدير صحتها يتحقق الامتثال والخروج عن العهدة ولا يمكن تحقق هذا الوصف في الصلاة اللاحقة فلا يكون الاتيان بالوضوء المذكور إتيانا بالمأمور به كما لا يخفى واعلم إن إتمام هذا الوجه أيضا موقوف على ثبوت أن ملزوم الحرام حرام وهو أيضا مما يقبل المنع كالمقدمتين السابقتين فتدبر بقي في المقام شئ وهو أنه قد ظهر بما ذكرنا وتلونا عليك وجوب الوضوء بالمعنيين للصلاة في الجملة كما ذكرنا في صدر المقامين وأما وجوبه لجميع الصلاة الواجبة سوى صلاة الجنازة بكل من المعنيين كما هو مدعى القوم ففيه خفاء وتفصيل المقام إن وجوب الوضوء بمعنى الشرطية وتوقف الصحة عليه لجميع الصلاة الواجبة بل المندوبة أيضا سوى صلاة الجنازة مما لا ينبغي أن يشك فيه للاجماع الصريح ودلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه أيضا مثل لا صلاة إلا بطهور إذ نفى الصحة أقرب المجازات إلى الحقيقة التي هي نفي الوجود كما لا يخفى والصلاة ثلاثة أثلاث ونحو ذلك وأما وجوبه بالمعنى الأول لجميع الصلوات الواجبة ففيه نوع خفاء إذ لا يمكن أن يستدل عليه بالآية لأنه لو حمل الآية على العموم بالنسبة إلى الواجب والمندوب فيلزم أن لا يمكن حمل الامر في فاغسلوا على الوجوب بل الرجحان المطلق وحينئذ لا يثبت المدعى مع أنه لو حمل على العموم لكان قابلا للمنع إذ احتمال العهدية وكون المراد الفرد المتعارف أعني الصلاة اليومية احتمال ظاهر بل هو أولى من العموم على ما قيل أن اللام حقيقية في العهد ولو خصص بالصلاة الواجبة وعمم بالنسبة إلى أفرادها ففيه أنه لا دليل على التخصص ولو جعل دليل التخصيص إبقاء الامر على ظاهره من الوجوب فيرد عليه أن إبقاء الامر على ظاهره ليس أولى من إبقاء العام على ظاهره فهلا أبقيته على العموم وأخرجت الامر عن ظاهره مع ما فيه من ظهور احتمال العهدية كما عرفت وكذا لا يتم الاستدلال بالاخبار المتقدمة إذ ليس فيها ما يدل على عموم الوجوب كما لا يخفى وكذا الاستدلال عليه بشرطيته للصلاة بأن يقال قد ثبت بالاجماع والاخبار شرطية لجميع الصلاة الواجبة وشرط الواجب واجب فيكون واجبا لجميع الصلاة لان الكبرى ممنوعة وموضعه في الأصول
पृष्ठ 9
وبهذا ظهر الجواب عن الاستدلال بالخبر المتقدم من قوله (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث لأنه يمكن أن يكون حكمه (عليه السلام) بأن الطهور ثلث الصلاة من باب المبالغة المتعارفة وتنزيل كونه شرطا ضروريا ثابتا شرطيته في جميع الأحوال بخلاف ساير الشروط الأخر مثل طهارة الثوب وغير ذلك بمنزلة الجزئية وليس هذا حملا على خلاف الظاهر خصوصا مع وجود الأدلة الدالة ظاهرا على خروجه من الصلاة مثل الآية الكريمة ونحوها وحينئذ نقول أنه بمحض الشرطية للواجب لا يلزم الوجوب كما عرفت على إنا لو سلمنا جزئيته للصلاة ودلالة الخبر عليها لكان الاستدلال أيضا غير تام إذ وجوب جزء الواجب أيضا غير ثابت بل التحقيق أنه بمنزلة الشرط فمن لم يسلم وجوب الشرط فله أن لا يسلم وجوبه أيضا وتحقيقه في الأصول والاستدلال بالخبر الاخر من قوله (عليه السلام) افتتاح الصلاة الوضوء فهو أضعف من سابقه إذ ليس فيه دلالة على الجزئي أصلا كما لا يخفى بل على الشرطية أيضا وإيرادنا له في طي أدلة الاشتراط بناء على التسامح وكذا في بعض آخر كما أشرنا إليه في صدر الباب أيضا وقس عليهما حالا الاستدلال برواية عبد الله بن زرارة المتقدمة من قوله (عليه السلام) الوقت والطهور آه وأما الاستدلال عليه بالاجماع ففيه أيضا شك لان الوجوب بمعنى اللابدية والوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك كثيرا ما يشتبه أحدهم بالآخر فيمكن أن يكون إطلاق بعض القوم لفظ الوجوب على الوضوء بالنسبة إلى جميع الصلوات الواجبة بمعنى الشرطية فاشتبه بالمعنى الاخر وظن الاجماع عليه ونقل وهذا مم لا يبعد جدا كما لا يخفى على من تتبع كلمات القوم صلوات الله عليهم وأقاويلهم المتشابهة مع أن ها هنا شيئا آخر وهو أن كثيرا من الأصحاب قابلون بوجوب مقدمة الواجب شرطا كان أو غيره فلما رأوا إطلاق الوجوب بمعنى الشرطية لجميع الصلوات على الوضوء إجماعا حكموا بناء على اعتقادهم بأن الوجوب بالمعنى الاخر أيضا إجماعي وبالجملة الحكم بالوجوب بمعنى استحقاق الذم على الترك لأجل جميع الصلوات الواجبة بأصل الشرع وغيره لا يخلو من خدشة والله تعالى ورسوله وأهل الذكر (عليه السلام) اعلم تذنيب إعلم أن الظاهر من الآية الكريمة المتقدمة وجوب الوضوء على كل مقيم إلى الصلاة حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة إذا على العموم عرفا مع أن حمله ها هنا على الاهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة المعتد بها وهو لا يناسب بكلام الحكيم كما قيل لكن الاجماع واقع على وجوب الوضوء على المحدثين فقط؟ قال الشيخ (ره) في التهذيب في بحث التيمم في أثناء كلام ثم لو صح الخبر لكان محمولا على الاستحباب كما يحمل تجديد الوضوء على الاستحباب وإن كان لا خلاف في استباحة صلوات كثيرة به وقال العلامة (ره) في المنتهى مسألة إذا توضأ لنافلة جاز أن يصلي بها فريضة وكذا يصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلاة وهو مذهب أهل العلم خلافا لظاهر النهاية انتهى فقال بعضهم أن الحكم كان في الابتداء كذلك وكان الوضوء واجبا عند كل صلاة عل المتطهر والمحدث لكنه قد نسخ وهذا الوجه ضعيف من وجوه اتفاق الجمهور على أن المائدة ثابتة لا نسخ فيها وما روي عنه (صلى الله عليه وآله) المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وعدم ظهور ناسخ واعتبار الحديث في التيمم الذي هو بدل منه في الآية واعترض على القول بالنسخ بوجه آخر هو أنه إذا كان الحكم العام بوجوب الوضوء باقيا في المحدثين مرتفعا عن المتطهرين فكيف يكون نسخا بل يكون تخصيصا إذ لا معنى للتخصيص سوى ذلك وأجيب بأن التخصيص هو أن يورد لفظ عام ويراد منه ابتداء بعض أفراده لا جميعها وأما إذا أريد منه في الابتداء جميع أفراده ثم خصص ببعض فيكون نسخا البتة والامر ها هنا كذلك وقال بعض أن الامر للندب لان تجديد الوضوء عند كل صلاة مستحب كما يشهد به الاخبار وهذا أيضا ضعيف من حيث أنه يلزم حينئذ عدم موافقة القرينة الذي هو فاطهروا لأنه للوجوب قطعا ومن أن الندب بالنسبة إلى الجميع غير معقول لثبوت الوجوب على بعض البتة إلا أن يقال الاستحباب ينسحب إلى الشمول والعموم وفيه بعد وقد ضعف هذا الوجه أيضا بما ضعف الوجه الأول به من حديث اعتبار الحدث وفيه تأمل لان الامر في فتيمموا محمول على الوجوب فلا مفسدة في اعتبار الحديث فيه بدون اعتباره في المبدل منه لندبية الامر به نعم يلزم حينئذ عدم موافقة آخر بين القرينتين وقيل يحمله على الرجحان المطلق ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضيين والوجوب بالنسبة إلى المحدثين وفيه أيضا لزوم عدم الموافقة ولزوم عموم المجاز والاشتراك الذي هو أما غير جايز أو بعيد جدا أيضا لو كان مراد القايل أن الندب بالنسبة إلى البعض والوجوب بالنسبة إلى آخر مدلول الصيغة وأما إذا كان مراده أنه مفهوم من الخارج وإن مدلول الصيغة هو الرجحان مطلقا فلا والأولى أن يقال أن الآية مخصصة بالمحدثين لا بأن يكون المراد من الذين آمنوا المحدثين بل بإبقائه على العموم؟
إن كنتم محدثين في نظم الكلام فيصير المعنى حينئذ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضؤوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا وإن لم تقدروا على الماء وكنتم محدثين أما بالحدث الأصغر أو الأكبر فتيمموا فيوافق القرائن ويطابق النظائر ثم أن الشيخ (ره) روى في التهذيب في أوائل باب الاحداث الموجبة للطهارة؟ رواية موثقة عن ابن بكير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله إذا قمتم إلى الصلاة ما يعني بذلك إذا قمتم إلى الصلاة قال إذا قمتم من النوم وعلى هذا فلا إشكال هذا واعلم إن الحكم المذكور أي عدم وجوب الوضوء عند كل صلاة بل وجوبه على المحدثين فقط مع كونه إجماعيا كما نقل يدل عليه أيضا روايات منها الروايات الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ حد التواتر بالمعنى الدالة جميعا على حصر ناقض الوضوء في الاحداث من جملتها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أوائل باب الاحداث بطريق صحيح على الظاهر عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم
पृष्ठ 10
وما رواه أيضا في هذا الباب بطريق صحيح على الظاهر عن إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا حدث والنوم حدث وما رواه أيضا في هذا الباب غير سالم أبي الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك إلى غير ذلك ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم وأحكامه بطريق صحيح عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة قال لا هو بمنزلة الماء ومنها ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب صفة التيمم بطريق صحيح أو حسن عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) يصلى الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها قال نعم ما لم يحدث ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب قبيل باب الأغسال المفترضات والمسنونات في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن إنك قد أحدثت وهذه الرواية في الكافي أيضا بإشراك الطريق في باب الشك في الوضوء وهذا الخبر الأخير من جملة ما استدل به العلامة في المنتهى على هذا المطلب وقد يناقش فيه بأنه يجوز أن يكون مراده (عليه السلام) التحذير عن إحداث الوضوء بالشك في الحديث وحسبان أن الحدث المشكوك أيضا ناقض لئلا ينجر إلى الوسواس وتطرق الشيطان والحرج المنفي في الدين وعلى هذا لا دلالة له على المدعى كما لا يخفى ومما يؤيد هذا الاحتمال أن الرواية في بعض نسخ الكافي بهذه العبارة إذا استيقنت إنك أحدثت فتوض وإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى يستيقن إنك أحدثت وتأييده لما ذكرنا مما يشهد به الوجدان السليم ويؤيده أيضا استحباب التجديد هذا ثم أن العلامة (ره) استدل في المنتهى بروايتين أخريين أحديهما ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب قبيل الباب المذكور في الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي على صلاته ولا يعيد وقال العلامة بعد نقل الحديث والنهي عن الإعادة عام في الصلاة والوضوء انتهى ولا يخفى ما في هذا الاستدلال لان قصارى ما يدل عليه الخبر أن الشك بعد الفراغ لا حكم له وإن الوضوء والصلاة السابقين عليه صحيحان لا حاجة إلى إعادتهما وأما أنه لا يلزم وضوء آخر عند حضور وقت صلاة أخرى فهو عنه بمراحل كما يشهد به الفطرة السليمة والعجب أن العلامة (ره) أورد ها هنا على نفسه أن حمل الإعادة على العموم يستلزم التخصيص لان من تجدد حدثه يعيد وضوئه بخلاف تخصيصه بالصلاة إذا الصلاة السابقة لا تعاد بوجه وأجاب عنه بوجهين ثم قال على إنا نمنع أن يكون ذلك إعادة بل هو تجديد واجب آخر ولم يتنبه أنه بهذا يبطل استدلاله أيضا لان الوضوء الواجب للصلاة الأخرى ليس إعادة للوضوء الأول كما لا يخفى وثانيهما ما رواه الشيخ قبل هذا الخبر بأسطر في الصحيح ورواه الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في أثناء حديث فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمي الله مما أو جب الله عليك فيه وضوءه لا شئ عليك فيه وحال هذا الاستدلال أيضا كحال سابقه في الضعف وعدم الاستقامة ووجههما ثم أنه (ره) قال بعد ذكر هذه الرواية وذلك يدل على جواز استعمال الوضوء في الصلاة المتعددة فإن قوله (عليه السلام) وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها أي في غير الصلاة التي وقع فيها الشك علم في كل ما غاير تلك الصلاة لا يقال يحتمل أن يعود الضمير إلى الحال وهي تؤنث تارة وتذكر أخرى وحينئذ يدل على الاجتزاء بذلك الوضوء إلا في تلك الصلاة ولأن الحكم معلق على الشك وهو خلاف قولكم لأنا نجيب عن الأول بأن الصلاة أقرب فالعود إليه أولى فإن النحويين اتفقوا على أن قولنا ضرب زيد عمروا وأكرمته يعود الضمير فيه إلى عمرو لقربه وبأن غير تلك الحال أيضا أعم من كونها في تلك الصلاة أو غيرها لا يقال تقييد المعطوف عليه يستلزم تقييد العطف لوجوب الاشتراك لأنا نقول نمنع ذلك والاشتراك إنما يجب في الحكم الثابت لهما وهو الاجتزاء بذلك الوضوء أما في التقييد فلا وعن الثاني إن الاجتزاء إذا وجد مع الشك فمع اليقين أولى انتهى كلامه رفع الله مقامه وهو كما ترى وليت شعري لم لم يستدل بالروايتين اللتين استدللنا بهما مع صراحة دلالتهما وتمسك بهاتين الروايتين غير ظاهرتي الدلالة وكأنه غفل عنهما لورودهما في غير باب الوضوء أو لأنه لما ضم إلى هذا المطلب في صدد المسألة مطلبا آخر كما نقلناه عنه سابقا وظن أن هاتين الروايتين لم يثبتا ذلك المطلب فلذا أعرض عنهما لكن لا يخفى إن دلالة ما ذكره على هذا المطلب أيضا ليس بأزيد كثيرا مما ذكرنا كما يظهر عند التأمل فتأمل والله أعلم وإذ قد فرغنا من بيان وجوب الوضوء للصلاة وما يتعلق به فلنشرع في بيان وجوبه للطواف ومس خط المصحف أما وجوبه للطواف فقد نقل الاجماع عليه وبه روايات أيضا وسنذكرها مفصلة مع ما يتعلق بها من الأبحاث ومبحث الحج إنشاء الله تعالى وأما وجوبه لمس خط المصحف الواجب بنذر أو شبهه أو لاصلاح غلط لا يمكن بدونه بناء على وجوب الاصلاح فهو مبني على تحريم اللمس على المحدث بالحدث الأصغر وفيه خلاف قال الشيخ (ره) في المبسوط بكراهته ونسب العلامة في (المختلف) القول بالكراهة إلى ابن إدريس وابن البراج أيضا وحرمة الشيخ في التهذيب والخلاف وبه قال أبو الصلاح والمحقق والعلامة (ره) وهو الظاهر من كلام الصدوق أيضا في الفقيه احتج القائلون بالتحريم بوجوه الأول قوله تعالى في سورة الواقعة أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون وجه الاستدلال أن قوله تعالى لا يمسه لا يمكن أن يكون محمولا على الخيرية والنفي وإلا يلزم الكذب لوقوع المس من غير المطهرين كثيرا فلا بد من حمله على الانشاء والنهي وظاهر النهي التحريم فيكون المس بدون الطهارة حراما وفيه أن
पृष्ठ 11
الاستدلال بهذه الآية موقوف على أن يكون ضمير لا يمسه راجعا إلى القرائن وهو مسلم لجواز رجوعه إلى كتاب مكنون كما جوزه بعض المفسرين بل هو أقرب لقربه ويكون المعنى أنه لا يطلع على الكتاب المكنون أي المستور المصون أما عن الناس أو عن التغيير والتبديل أو الغلط والباطل أو التضييع والمراد به اللوح المحفوظ كما قال المفسرون إلا الملائكة المطهرون من الكدورات الجسمانية أو أدناس المعاصي وقد يضعف هذا الاحتمال بوجوه أحدها إن قوله تعالى لا يمسه حينئذ يكون تأكيد لقوله تعالى مكنون والحمل على التأسيس أولى وبما ذكرنا من الاحتمالات في معنى المكنون يظهر لك الجواب عنه وثانيها أن اطلاع الملائكة على اللوح المحفوظ غير ثابت بل في بعض الأخبار وكلام بعض الأخيار ما يدل على خلافه وفيه أن عدم ثبوت اطلاعهم على اللوح المحفوظ لا يكفي في هذا المقام بل لا بد من ثبوت العدم وإلا لكان منعا على المنع وما وقع في بعض الأخبار على تقدير وقوعه يمكن أن يكون المراد منه عدم اطلاعهم بدون الاذن منه سبحانه وثالثها أن سياق الكلام لاظهار شرف القران وفضيلته لا اللوح وما فيه وفيه أن ثبوته في اللوح الذي لا يمسه إلا المطهرون شرف وفضيلة أيضا إلا ترى إلى قوله عز وجل في كتاب مكنون فإن كان كونه في كتاب مكنون شرفا وفضيلة لكان هذا أيضا شرفا وفضلا بالطريق الأولى وإن لم يكن ذلك شرفا فقد بطل مبني لاعتراض من أن سياق الكلام لاظهار شرف القرآن وفضله كما لا يخفى ورابعها أن قوله (عليه السلام) بعد هذه الآية متصلا بها تنزيل من رب العالمين صفة للقرآن بمعنى المفعول أو من قبيل الوصف بالمصدر من باب المبالغة إذ لما لم ينزل نجوما من بين الكتب السماوية سواه فكأنه هو التنزيل لا الكتاب لأنه المنزل دونه وقوله سبحانه كريم وفي كتاب مكنون أيضا صفة له فينبغي أن يكون لا يمسه أيضا صفة له وإلا لم يحسن التوسيط وفيه أنه إذا كان لا يمسه صفة لمكنون يكون من جملة متعاقبات الصفة الثانية ومتمماتها فكان مجموع هذا الكلام صفة واحدة فلم يكن توسيطا غير مستحسن مخلا بحسن الكلام وبلاغته إلا ترى إلى توسيط مكنون مع أنه صفة الكتاب ودفع هذا الاعتراض بمنع كون تنزيل من رب العالمين صفة لجواز كونه جملة برأسها معطوفا على جملة أنه لقرآن بحذف المبتدأ أو يكون خبرا لأنه وكذا القول في لا يمسه وفي كتاب ليس بشئ إذ على هذا التقدير أيضا يكون في كتاب وتنزيل من جملة أحكام القرآن وأحواله فلا يكون توسيط حال غيره مناسبا كما لا يخفى وخامسها أنه يلزم حينئذ ارتكاب المجاز في المس وهو ظاهر وكذا في المطهرون لأن الطهارة حقيقة شرعية في الوضوء وهو خلاف الأصل وفيه إنا لا نسلم أن الحمل على الحقيقة مطلقا أولى من الحمل على المجاز إلا ترى أن علماء البلاغة أطبقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأيضا ثبوت الحقايق الشرعية مسلم ومع تسليمه لا نسلم أن حقيقة الطهارة الوضوء بل يجوز أن يكون انتفاء الحدث أو الخبث ولا شك في تحقق هذا المعنى في الملائكة أيضا وأيضا ارتكاب المجاز في حمل الخبر على الانشاء كما ارتكبتم في الاستدلال ليس بأولى من ارتكاب هذا المجازين إلا أن يقال أنه مجاز واحد وهذا مجازان ثم على تقدير تسليم رجوع الضمير إلى القرآن نقول أن دلالتها على المطلب أيضا غير تمام إذ يجوز أن يكون اتصافه بأنه لا يمسه إلا المطهرون باعتبار أصله الذي في اللوح كما أن اتصافه في كتاب مكنون أيضا كذلك وأيضا يجوز أن يكون المراد والله أعلم أنه لا يعلم حقايقه ودقايق وأسراره إلا المطهرون من الذنوب وهم أصحاب العصمة (عليه السلام) وعن جنيد المطهرون أسرارهم عما سوى الله تعالى وفي بعض التفاسير عن محمد بن الفضل المراد لا يقرء القرآن إلا موحد وعن حسين بن الفضل لا يعلم تفسيره وتأويله إلا المطهرون من الكفر والنفاق وأما حديث لزوم مجازية المس والطهارة حينئذ فقد عرفت جوابه على أنه على تقدير تسليم حمل المس على حقيقته وثبوت الحقايق الشرعية وحمل الطهارة على حقيقتها لا نسلم أن الطهارة حقيقة شرعا في رفع الحدث الأصغر أو جميع الاحداث إذ يجوز أن يكون حقيقة في رفع كل حدث وكذا في رفع الخبث أيضا فحينئذ يجوز أن يكون المراد بالمطهرون المطهرين من الحدث الأكبر والنجاسة ثم لو سلم أن المراد الطهارة من الحدث الأصغر أو جميع الاحداث فلا نسلم أن النهي ها هنا للتحريم وما يقال أن ظاهر النهي التحريم (فعلى تقدير تسليمه إنما يسلم في أن يكون تصريح مبتغيه النهي فقط لا فيما يكون نفيا مستعملا بمعنى النهي أيضا والقول بأن التحريم) أقرب المجازات إلى النفي ممنوع هذا ثم أنه قد يمسك في إفادة الآية الكريمة لمطلوبهم ورفع الاحتمالات السابقة بما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب حكم الجنابة وفي الاستبصار في باب أن الجنب لا يمس المصحف عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه أن الله يقول لا يمسه إلا المطهرون وفي بعض نسخ التهذيب خيطه وهذا بالحقيقة استدلالان أحدهما من حيث دلالة الرواية في نفسها على المطلب والاخر من حيث دلالتها على أن المراد من الآية الكريمة هذا المعنى فيتم الاستدلال بها وفي هذا التمسك أيضا نظر من وجوه أحدها أن الرواية غير نقية السند جدا لان فيها جعفر بن محمد بن حكيم وهو غير موثق ولا ممدوح وجعفر محمد بن أبي الصباح وهو مجهول وعلي بن الحسن بن فضال وهو فطحي وإبراهيم بن عبد الحميد ونقل الشيخ أنه واقفي وثانيها أنه يمكن أن يكون لا يمسه في الرواية نفيا لا نهيا وقد عرفت حال النفي الذي بمعنى النهي وعدم ظهوره في التحريم فيجوز أن يكون للكراهة وثالثها أنه على تقدير أن يكون نهيا لا نسلم أن الأمر والنهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) للوجوب والحرمة وإن سلم أن صيغة الأمر والنهي لهما لشيوع استعمالهم (عليهم السلام) هاتين الصيغتين للندب والكراهة كما يظهر من تتبع آثارهم (عليهم السلام) فيكون مجازا شايعا بالغا حد الحقيقة أو منقولا وعلى التقديرين لا يجب
पृष्ठ 12
حملهما عن الاطلاق على الوجوب والحرمة ويريد حمله على الكراهة أنه ورد في هذه الرواية النهي عن التعليق والحال أنه للكراهة فيحمل هذا أيضا عليهما ليوافق القرائن وأما كونه للكراة فللاجماع على عدم حرمته كما نقله العلامة (ره) في المنتهى ولروايتين أيضا أحديهما ما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب الحايض والنفساء تقرآن القرآن عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن التعويذ يعلق على الحايض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد وثانيتها ما سنذكره مع تفصيل القول فيه لكن يمكن أن يقال أن جواز تعليق التعويذ وإن كان فيه آيات القرآن لا ينافي حرمة تعليق المصحف كما في الرواية إذ يجوز أن يكون لمجموع القرآن حرمة لا تكون لبعض الآيات وما أيدنا به حمل لا يمسه في الرواية على الكراهة مؤيدا حمله في الآية أيضا عليها وقرينة عليه لان استشهاده (عليه السلام) به للكراهة إنما يكون على تقدير كونه بمعنى الكراهة كما لا يخفى فظهر أن هذه التمسك إنما يجعل الاستدلال بالآية مقلوبا عليهم وفيه أنه يجوز أن يكون النهي عن التعليق في الرواية محمولا على رجحان العدم المشترك بين الحرام والمكروه إذ هذا لا ينافي الاجماع المذكور والتجوز في النهي يحمل على الكراهة ليس بأولى من التجوز فيه بحمله على القدر المشترك وحينئذ نقول غاية ما يلزم أن يكون لا يمسه في الرواية محمولا على القدر المشترك بين الحرمة والكراهة ليحصل المناسبة وهذا لا يستلزم أن يكون في الآية المستشهد بها بمعنى الكراهة حتى يصير الاستدلال مقلوبا وهو ظاهر الثاني ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب متصلا بالرواية المتقدمة قال وسئل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء قال لا وجه الاستدلال أن يقال أنه إذا كان كتابة القرآن للمحدث حراما فالمس بطريق أولى أو يقال أن أصل الكتابة لا يحرم على المحدث بلا نقل خلاف عن أحد من علمائنا فيكون نهيه (عليه السلام) إنما يكون باعتبار عدم انفكاكه عن المس غالبا وفي الوجهين نظر من وجوه أحدها القدح في سند الرواية لان للشيخ (ره) إلى علي بن جعفر (عليه السلام) ثلاثة طرق على ما نقل أحدها ما ذكره في آخر التهذيب من أن ما كان فيه عن علي بن جعفر فطريقي كذا وهذا الطريق ليس بصحيح وإن وصفه العلامة (ره) في الخلاصة بالصحة لان فيه حسين بن عبد الله الغضايري ولم ينص الأصحاب على توثيقه والآخران ما نقلهما في فهرسته وهذان الطريقان وإن كانا صحيحين إلا أنه (ره) قال في الفهرست في أثناء ذكر علي بن جعفر كلاما بهذه العبارة وله كتاب المناسك ومسايل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر (عليه السلام) سئله عنها أخبرنا بذلك وفي بعض النسخ به جماعة إلى آخر ما ذكره من الطريقين وهذه العبارة كما ترى ليست ظاهرة في أن كل ما يرويه الشيخ (ره) عن علي بن جعفر (عليه السلام) إنما هو بهذين الطريقين إذ يجوز أن يكون تلك المسائل مسائل خاصة مجتمعة في كتاب مثلا ولم يكن كل ما يرويه عنه داخلا فيها مع احتمال رجوع الضمير إلى الكتاب فقط على أن في نسخة الفهرست التي عندنا قد وضع علامة النسخة فوق قوله ومسايل إلى قوله أخبرنا وحينئذ يقوى الشك جدا وبالجملة ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب والاستبصار مرسلا عن علي بن جعفر (عليه السلام) لا يخلو من شئ وإن كان يمكن أن يقال أن عدم توثيق حسين بن عبد الله لا يضر إذ الظاهر أن الشيخ (ره) في الكتابين ما حذف أول سنده من الروايات إنما أخذه من الأصول المشهورة المتواترة انتسابها إلى أصحابها كتواتر انتساب الكتابين إليه (ره) الان وكذا ساير الكتب المتواترة الانتساب إلى مصنفيها ثم في آخر الكتابين إنما ذكر طريقة إليها للتبرك والتيمن ولمجرد اتصال السند و إلا فلا حاجة إليه كما أشار إليه نفسه (ره) أيضا في آخر الكتابين وحينئذ إذا كان في تلك الطرق من لم يوثقه الأصحاب فلا ضير والله أعلم بحقيقة الحال وثانيهما معارضتها بما رواه ثقة الاسلام (ره) في الكافي في باب الحايض والنفساء تقرآن القرآن في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن التعويذ يعلق على الحايض قال نعم لا بأس قال وقال وتقرأه وتكتبه ولا تصيبه يدها وهذه الرواية وإن رواها الشيخ في التهذيب قبل باب التيمم وأحكامه متصلا به بطريق صحيح عن داود عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) بأدنى تفاوت في المتن إذ فيه بدل لا تصيبه يدها لا تمسكه لكن السند الذي في الكافي مما يعتمد عليه كثيرا لان إبراهيم بن هاشم وإن لم ينص الأصحاب على توثيقه لكن الظاهر أنه من أجلاء الأصحاب وعظمائهم المشار إلى عظم منزلتهم ورفع قدرهم في قول الصادق (عليه السلام) إعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا وبالجملة هذا الحديث ليس بأنقص في باب الاعتماد من سابقه وتوجيه المعارضة أن يقال أنه (عليه السلام) أجاز كتابة التعويذ للحايض والظاهر أن التعويذ غالبا لا ينفك عن آيات القرآن فقد أجاز لها كتابة القرآن وإذا كان كتابته الحايض جايزا فللمحدث بالحث الأصغر بطريق أولى وهذه الأولوية أولى من الأولوية التي أدعوها في الاستدلال ومع قطع النظر عن دعوى الأولوية نقول أن الحايض يندر أن تخلو عن الحدث الأصغر فإطلاقه (عليه السلام) في إجازة الكتابة لها وترك الاستفصال مع أن الفرد الغالب الكثير هو أن تكون محدثة بالحدث الأصغر يدل على أن ليس المراد حال خلوها عنه وقس عليه القول في التعويذ أيضا بالنسبة إلى اشتماله على آيات القرآن وعدمه مع أن في الرواية ليس لفظا لحدث الأصغر بل كونه على غير وضوء ولا شك أن الحايض على غير وضوء وإذا ثبت المعارضة فيجب الجمع بينهما بحمل رواية علي بن جعفر (عليه السلام) على الكراهة وهذه الرواية على نفي البأس بمعنى الحرمة ولا يبعد الايراد على المعارضة أما على الوجه الأول الذي تمسك
पृष्ठ 13
فيه بالأولوية فبأن يمنع الأولوية ويسند بأن المحدث لما كان ارتفاع حدثه يحصل بسهولة ولا يتوقف على زمان طويل ومهلة فلم يجز له الكتابة حتى يتطهر وأما الحايض فلما كان ارتفاع حدثها يتوقف على مهلة ومضي زمان كثير يمكن أن يمس الحاجة فيه كثيرا إلى الكتابة فأجيز لها الكتابة لما في منعها في ذلك الزمان الطويل من احتمال الضرر وتعطل أمرها كما لا يخفى وأما على الوجه الثاني فبأن يقال أن في رواية علي (ره) قد سئل عن الرجل فلا يكون الرواية الثانية الحاكمة بجواز الكتابة للحايض معارضة له والقول بأن الفرق بينهما مما لا يعقل مندفع بما ذكرته من سند المنع آنفا وعلى تقدير تسليم أن يكون المسؤول عنه أعم من الرجل والمرأة أيضا فنقول أن تعارضهما ليس من باب التعارض الذي الذي يجب الجمع بينهما بحمل أحدهما على الكراهة وغير ذلك بل من باب تعارض العام والخاص المتعارف في العمومات والمخصصات فليخصص العام بالخاص فيخرج ما يخرج ويبقى الحكم فيما عداه وأما حديث أن إخراج الحايض في هذا الحكم عن تحت المحدث مع أن حدثهما قد تضاعف غير معقول فقد عرفت ما يندفع به أولا وأما الايراد على المعارضة بأن وجه الجمع بينهما غير منحصر في حمل رواية علي بن جعفر (ره) على الكراهة فلنحملها على أن المراد فيها تحريم كتابة القرآن بقصد أن يصير مصحفا والمحكوم بجوازه في الرواية الأخرى كتابة القرآن في التعويذ فلا منافاة فلا يخلو عن بعد لاباء قوله أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح عن هذا الحمل كما يحكم به الوجدان والايراد بأنه يمكن الجمع أيضا بأن تحمل الرواية الأولى على الكتابة التي يقع فيها المس والثانية على التي لا يقع فيها كما يدل عليه عجزها لا يخلو عن قوة وإن كان في حمل الرواية الأولى على المعنى المذكور تكلف لما ذكرنا سابقا من حكاية الاطلاق وترك الاستفصال مع أن في الايرادين أن الاحتمال لا ينفع في الاستدلال فأحسن التدبر وأتقن وثالثها بأن يقال على الوجه الأول إن الأولوية التي تدعونها في الاستدلال ممنوعة بل هي من باب القياس الذي لا نعمل ولا نقول به وحينئذ فإن ثبت الاجماع على جواز الكتابة للمحدث فليحمل الرواية على الكراهة وإلا فلنحكم بمقتضاها من حرمة الكتابة وأما تعديته إلى المس فلا وفيه بعد وعلى الوجه الثاني إن عدم نقل الخلاف لا يدل على الاجماع فيمكن حمل الرواية على إرادة حرمة الكتابة لنفسها وعلى تقدير التسليم أيضا فلا نسلم إن الغالب في الكتابة حصول المس وهو ظاهر فإذا حملتم الرواية الحاكمة بحرمة الكتاب مطلقا على أن الحكم بالحرمة إنما يكون باعتبار المس الذي يقع فيه في بعض الأحيان وارتكبتم هذا التوجيه البعيد فلم لا تحملونه على الكراهة مع كونه أقرب إذ ليس لفظ لا تحل مما يكون نصا في التحريم فتأمل الثالث ما رواه في التهذيب قيل رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة وفي الاستبصار أيضا كذلك عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب وهذه الرواية في الكافي أيضا بعينها في باب الجنب يأكل ويشرب بلا تفاوت في المتن والسند ويورد عليهما أما أولا فبالطعن في السند لان فيه الحسين بن المختار وهو وإن نقل ابن عقدة عن الحسن بن الفضال توثيقه لكن قيل أنه واقفي وأبو بصير أيضا فيه كلام وسنفصل القول فيه إنشاء الله تعالى فيما بعد وأما ثانيا فبعدم صراحتها في التحريم لأنه يمكن أن يكون نفيا وعلى تقدير كونه نهيا أيضا لا ظهور له في التحريم وقد مر مرارا الرابع ما رواه أيضا في التهذيب قبل الرواية السابقة وكذا في السرائر عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) عنده فقال يا بني أقرأ المصحف فقال أني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرئه وهذا الاستدلال أيضا ضعيف بالارسال وعدم الظهور في التحريم كما مر غير مرة هذا ما وجدنا مما يمكن أن يستدل به على التحريم ولم نقف على دليل آخر وقد عرفت حال جميعها من عدم صلاحيتها لتحصيل الظن الصالح المعول عليه والأصل براءة الذمة حتى يثبت شغلها بدليل صالح فأذن الحكم بالحرمة مشكل لكن لما تكاثرت وتظافرت الاخبار ولم يوجد معارض قوي يوجب حملها على الكراهة أو شئ آخر غير الحرمة واشتهر أيضا بين الأصحاب الحكم بالوجوب فالأولى والأحوط أن لا يترك العمل بما حكم به الأصحاب فإن الرشد في متابعتهم والله هو الهادي إلى سبيل الرشاد واعلم أنه على تقدير ثبوت حرمة المس للمحدث إنما يكون القول بوجوب الوضوء للمس الواجب مبنيا على القول بوجوب مقدمة الواجب لأنه إذا كان المس محدثا حراما فيجب تركه وترك المس محدثا أما بترك المس مطلقا أو بتركه على هذا الحال والمفروض عدم جواز الأول فيكون الثاني واجبا وهو يتوقف على الوضوء فيكون واجبا هذا ثم إن ها هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول إن حرمة المس على تقدير ثبوتها هل تختص بالمس بالجسد أم يشتمل المس بالكم وغيره أيضا الظاهر عدم الشمول لان المس ظاهره عرفا ما يكون بالجسد وعلى تقدير عدم ظهوره فيه لا ريب في عدم ظهوره عند الاطلاق في المعنى الشامل للمس بالكم ونحوه فيكون من الافراد المشكوكة للمس والقول بأن التكليف اليقيني لا بد في امتثاله من الاتيان بالافراد المشكوكة أيضا حتى يخرج عن العهدة بيقين مما يعسر إثباته بل القدر الثابت إن الاتيان بالقدر اليقيني أو الظني كاف في الامتثال وأيضا الظاهر أنه لم يقل أحد من علمائنا بتحريم المس بالكم ونحوه الثاني أن تحريم المس بظاهر الجسد مختص بباطن الكف أو لا الظاهر عدم الاختصاص لتناوله له عرفا وقيل باختصاصه بما تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لان ما لا تحله الحياة لا يتعلق به حكم الحدث وهو ضعيف لأنه إذا صدق المس على المس بذلك الجزء فلا شك في دخوله
पृष्ठ 14
تحت التحريم وعدم حلول الحياة مما لا دخل له والقول بأن حكم الحدث لا يتعلق به كلام خال عن التحقيق لان الحدث ليس مما يتعلق بجزء جزء من البدن بل هو معنى قايم بالشخص بمجموعه وظهر مما ذكرنا أيضا أنه إذا غسل بعض أجزائه في الوضوء ولم يتم الوضوء لم يجز له المس بذلك العضو الذي غسل لان الحدث لا يرتفع ما لم يتم الوضوء وارتفاع حدث ذلك العضو بغسله غير معقول الثالث هو الآية الكريمة المثبتة في غير المصحف المجيد داخلة في هذا الحكم أم لا وفيه وجهان من حيث أن المس في المصحف المجيد أيضا إنما يتعلق بالآيات لا بالمجموع فيكون مسه خارج المصحف أيضا حراما بلا تفاوت وإشعار رواية علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة أيضا وللتعظيم ومن حيث أنه يجوز أن يكون مجتمعة لها حرمة ليس لها مع الانفراد ويقوى طرف الدخول إذا كانت الآيات في التفاسير التي يكتب فيها القرآن بتماسه لأنه لا يعبد حينئذ صدق المصحف عليه وقد روى رواية مشعرة بجواز مس الآية في الدرهم وسيجئ في باب الجنابة إنشاء الله تعالى الرابع مس اسم الله تعالى والأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في دينار أو غيره وكذا مس كتب التفاسير والأحاديث والفقه هل حكمه ذلك أم لا الظاهر العدم لعدم دليل على حرمته فإن الدلائل التي قد تقدمت لا تدل عليها أصلا ولم نجد سوى ذلك والأصل براءة الذمة حتى يثبت شغلها وقد روى ما يدل على جواز مس اسم الله تعالى ورسوله للجنب في الدرهم كما سيجيئ فللمحدث بطريق أولى لكن لا بأس بالكراهة للتعظيم وأما جواز لمس هامش المصحف وغلافه وحمله وتعليقه على كراهيته فالظاهر أنه جماعي كما نقله العلامة في المنتهى الخامس المنسوخ تلاوته من القرآن دون حكمه غير داخل في حكمه ظاهر أو العكس بالعكس السادس لما كان الوجوب والحرمة فرع التكليف فلم يكن مس الصبيان مما يمكن أن يقال أنه حرام وهل يجب على الولي منعهم الظاهر أنه لا يجب لعدم الدليل وعدم المدرك مدرك العدم هذا والله أعلم وإذا قد تم القول في وجوب الوضوء للغايات الثلاث المتقدمة فلنشرع الان في بيان وجوب الغسل لها أعلم أن الغسل له أقسام متعددة يختلف حكمها في هذه المسألة في بعض الأمور وجمعها معا في البيان مما لا ينبغي فلذا نورد كلا منها على حدة إنشاء الله تعالى ونخص البحث ها هنا بغسل الجنابة لأنه الفرد الأكثر الأشهر ونورد أحكام الأغسال الأخرى في بابها إنشاء الله تعالى فنقول قد علمت في بيان وجوب الوضوء أن الوجوب للصلاة له معنيان وهذان المعنيان يتحققان في الغسل أيضا وإن كان مراد المصنف ها هنا أحدهما كما تقدم أما وجوبه بالمعنى الأول للصلاة الواجبة فقد نقل عليه الاجماع وقد يتمسك أيضا بقوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا ووجه الاستدلال ما مر في الاستدلال بها على وجوب الوضوء للصلاة وقد يناقش بأنه يجوز أن يكون جملة وإن كنتم جنبا معطوفة على جملة إذا قمتم لا على فاغسلوا حتى يدخل إذا قمتم عليها ويدل على مطلوبكم ويوجه بأن توسطها بين جملتين الوضوء والتيمم اللتين هما مدخولتا إذا قمتم إنما يدل على مدخوليتها أيضا وكذا إيراد كلمة أن دون إذا وسيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان أن الطهارات واجبة لنفسها أم لا ثم أن في الروايات وإن كان ما يدل على وجوب الغسل أكثر من أن يعد لكن لم نجد ما يد على المعنى الذي نحن بصدده لان هذا المعنى إنما يتحقق بأمرين أحدهما أن يكون الغسل مأمورا به بالامر الايجابي مستحقا تاركه للعقاب بتركه بخصوصه وثانيهما أن يكون دلالته على أن ذلك الايجاب والتكليف إنما هو لأجل الصلاة والأمران إنما يتحققان بأن يقال مثلا اغتسل للصلاة أو نحو ذلك من العبارات ولم نقف على مثل ذلك والاخبار نعم في رواية الكاهلي التي سيجئ في مبحث أن الطهارة لنفسها أم لغيرها دلالة على أن الغسل للصلاة لكن لم يدل على وجوبه وأما وجوبه المجرد وكذا شرطيته للصلاة على ما سنثبته وكذا هما معا فلا يكفي في المطلوب إلا على رأى من يقول بوجوب الشرط للواجب المطلق كما أشرنا إليه سابقا ولا يخفى أن الاجماع الذي ذكرنا ففيه أيضا الشك الذي تقدم في الاجماع المنقول على وجوب الوضوء للصلاة بهذا المعنى فإن قلت إذا كان الغسل واجبا وكان أيضا شرطا للصلاة فأي فائدة في هذا النزاع وما ثمرته نعم إذا لم يثبت وجوبه وثبت شرطيته فقط لكان للنزاع فائدة على ما بينوه في مسألة مقدمة الواجب من أنه إذا ترك الشرط و المشروط معا فإن قلنا بأن الشرط للواجب واجب فقد ترك واجبا واحدا ويظهر ثمرته في باب النذر وغير ذلك حسب ما فصلوه وأما إذا كان وجوبه وشرطيته كلاهما ما تبين فلا طايل لان يتعرض لان وجوبه لها أم لا لان المكلف إذا ترك الغسل فقد ترك الواجبين سواء قلنا بالوجوب للصلاة أو لا بل لا معنى للوجوب للصلاة إلا أن يكون واجبا وكان لها مدخل في صحتها أو فضيلتها قلت فرق بين أن يكون الشئ واجبا لشئ بأن يقال إفعل هذا لذاك وبين أن يكون وجابا في نفسه ومع ذلك يكون شرطا لشئ آخر لان في الصورة الأولى يكون تضيقه تابعا لتضيق ذلك الشئ كما يفهم من العبارة عرفا بخلاف الثاني على تقدير عدم القول بوجوب الشرط للواجب المطلق وأما على القول به فالثاني أيضا كذلك كما لا يخفى وعلى هذا يظهر ثمرة النزاع فيما إذا تضيق وقت الصلاة مثلا فإنه إذا قلنا بأن الغسل شرط لها وواجب أيضا بسبب إنزال المني أو غيره مثلا لكن ليس واجبا لها وترك المكلف حينئذ الغسل فلم يكن مستحقا للذم إلا بترك واجب واحد هو الصلاة لان وجوب الغسل والذي كان بسبب آخر لم يتضيق حينئذ فلم يكن مستحقا للذم
पृष्ठ 15
على تركه وأما إذا قلنا بأنه واجب للصلاة فقد ترك واجبين مضيقين واستحق الذم بتركهما ويثمر هذا المعنى في باب النذر وغيره كما قرره القوم في ثمرة النزاع في وجوب المقدمة هذا ولا يذهب عليك أنه قد يتفرع على وجوبه لنفسه أيضا أشياء آخر غير ما ذكرناه من وجوبه مضيقا عند ظن الموت وإن لم يكن وقت الصلاة وغير ذلك لكن لما كان غرضنا الخاص بهذا المقام بيان ما يلزم من عدم وجوبه للصلاة لا ما يلزم من وجوبه لنفسه فلذا اقتصرنا عليه وأما بيان تلك الأمور فسيجئ إنشاء الله تعالى مفصلا في موضعه الأخص به من البحث في أن وجوب الطهارات لنفسها أم لغيرها وأما وجوب - ص 22 - (والحاصل أن المطلوب في هذا المقام وجوب الغسل للصلاة مطلقا أعم من أن يكون واجبا في نفسه أم لا لانحصار الوجوب فيه كما هو المطلوب في البحث الاخر والكلام إنما هو عليه ولذلك أورد المعترض أنه بعد تسليم الوجوب والشرطية لا فائدة في هذا النزاع وإلا فثمرة النزاع في البحث الاخر مما لا شك فيه كما ذكره ولذلك ترى بعض العلماء مثل العلامة ره قال ها هنا بوجوب الغسل لهذه الأمور مع اعتقاده أن الغسل واجب لنفسه وبهذا اندفع ما أورد عليه العلامة الرازي في الارشاد من التنافي بين كلاميه فتدبر ويمكن الفرق بينهما بوجه آخر أيضا على ما ذكرنا أن الوجوب لا يستلزم أن يكون ذلك الشئ غرضا تاما له لكنه بعيد فتدبر منه؟) الغسل للصلاة بالمعنى الاخر أي الشرطية فقد نقل عليه الاجماع أيضا بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ويدل عليه أيضا الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى في سورة النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم إلى آخر ما حررناه سابقا وسنبسط القول فيه إنشاء الله تعالى في بيان وجوب الغسل لدخول المساجد وأما السنة فمنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب قبيل باب الأغسال المفترضات والمسنونات في أثناء حديث رواه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال حماد قال حريز قال زرارة قلت له رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة فقال إذا شك وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه وإن كان استيقن رجع فأعاد عليها ما لم يصب بلة فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه وإذا استيقن رجع فأعاد عليه الماء وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وإن كان شاكا فليس عليه في شكه شئ فليمض في صلاته وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الشك في الوضوء ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في التهذيب قبل باب حكم الحيض والاستحاضة متصلا به عن الحلبي قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال عليه أن يقضي الصلاة والصيام ومنها ما رواه الشيخ (ره) أيضا في زيادات التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة قال فليغتسل وليستقبل الصلاة ومنها ما رواه في الزيادات أيضا قبل باب تلقين المحتضرين متصلا به عن علي بن مهزيار أن الإمام (عليه السلام) كما هو الظاهر أجاب مسألة سليمان بن رشيد بجواب قرائه بخطه وفي أثناء ذلك الجواب وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فأعمل على ذلك إنشاء الله تعالى وأما وجوب الغسل للطواف ومسل خط المصحف فسيجئ بيانه إنشاء الله تعالى في شرح كتاب الحج ومبحث الجنابة ولنتكلم الان في وجوب التيمم للغايات الثلاث المذكورة ونبدأ بالصلاة فنقول لا شك في مشروعية التيمم ووجوبه في الجملة كما نطق به الكتاب والسنة والاجماع بل الضرورة من الدين وأما وجوبه للصلاة بالمعنيين فالظاهر أيضا أنه إجماعي وقد عرفت حال الاجماع على الوجوب بالمعنى الأول في نظيريه فقس عليه ها هنا أيضا وقد يستدل على الوجوب بالمعنى الأول بقوله تعالى في سورة المائدة تتمة الآية الكريمة المتقدمة وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا الآية وقد يناقش فيه بجواز أن لا يكون جملة وإن كنتم مرضى داخلا تحت وإذا قمتم بل يكون معطوفا عليه أو على جملة وإن كنتم جنبا وهي لا يكون داخلا تحته ويستدل بقوله تعالى أيضا في سورة النساء تتمة للآية الكريمة المتقدمة وإن كنتم مرضى الآية وفيه كلام سيجئ في وجوب الغسل الدخول المساجد ويمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الروايات الذي له دلالة ما بحسب العرف وإن لم يكن دلالته ظاهرة منها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة قال لا إنما هو الماء و الصعيد ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أحدهما قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي همام عن الرضا (عليه السلام) قال يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء ونظائر الروايتين الأوليين في الروايات كثرة والرواية الأخيرة لا يخفى ظهورها في المدعى ويستدل على الوجوب الثاني أيضا بالآية الثانية وفيه أيضا كلام سيجئ ولقوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور مع أنه ظهوركما سنبينه وكذا قول الصادق (عليه السلام) الصلاة ثلاثة أثلاث ثلث طهوره (آه) وبالجملة هذا المطلب مما لا يحتاج إلى زيادة تجشم في الاستدلال عليه وأما وجوب التيمم للطواف فسيجئ إنشاء الله تعالى في بابه وأما وجوبه لمس خط المصحف فبناء على تحريم المس للمحدث وللجنب وحال المحدث وقد عرفت وحكم المجنب سيجئ إنشاء الله تعالى وعلى تقدير التحريم فالمشهور بين علمائنا بل الاجماع منهم كما هو الظاهر من كلام العلامة (ره) في المنتهى حيث لم ينقل فيه خلافا إلا من أبي محرمة من عدم تجويزه إلا المكتوبة ومن الأوزاعي من القول بكراهة المس للمتيمم أن التيمم مبيح له لكن قد نقل عن فخر المحققين (ره) القول بعدم إباحة التيمم له فلا يكون واجبا أيضا عند وجوبه على قول هذا الفاضل وقد احتج عليه بقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وسنذكر وجه الاحتجاج وما يرد عليه ثم أن هذا الحكم لما لم يثبت وقوع ضرورة ولا إجماع ظاهر (عليه فلا بد من شرحه وتفصيل القول فيه كما سيأتي إنشاء الله تعالى في باب وجوب التيمم لدخول المسجدين وفي اللبث فميا عداهما قال المصنف أعلى الله درجته (ويختص الغسل والتيمم بدخول مسجدي مكة والمدينة واللبث في
पृष्ठ 16
باقي المساجد) المراد بالغسل والتيمم طبيعتهما لا جميع الافراد ولا فرد معين كيف ويعد من جملة ما يجبان له صوم الحايض والجنب وحينئذ لا حاجة إلى تقييد الغسل بغير غسل المس لأنه لم يجب للدخول واللبث وكذا لما سيجئ من قراءة العزائم على ما صرح به المصنف (ره) في البيان كما فعله المحقق الشيح علي (ره) في شرح القواعد في هذا المقام ولا يخفى أن وجوب الغسل والتيمم للدخول واللبث وكذا قراءة العزائم إنما هو عند وجوب هذه الأمور والمصنف (ره) لم يقيد به أما للطهور أو للاعتماد على السابق حيث قيد الحكم فيه بالوجوب أو لان معنى العبارة أن وجوب الغسل والتيمم دون الوضوء إنما يكون لهذه الأمور في الجملة و هذا لا يستلزم وجوبهما لجميع أفرادهما حتى يلزم التقييد بل يكفي الوجوب للبعض ثم أن وجوب الغسل للامرين المذكورين إنما هو بناء على تحريمهما للجنب والحايض ومن بحكمهما وهو قول علمائنا أجمع سوى ما نقل عن سلار من القول بالكراهة وسيجئ تفصيل القول فيه في مبحث أحكام الجنب والحايض إنشاء الله تعالى وأما وجوب التيمم فبناء على وجوب الغسل وإباحة التيمم لهما ولنتعرض ها هنا لبيان الامر الأخير فنقول إعلم أن المستفاد ظاهرا من كلام العلامة (ره) في المنتهى إجماع علمائنا على أن التيمم بدلا من الغسل مبيح لدخول المسجدين واللبث فيما عداهما وكذا مس خط المصحف عند علمائنا إذ لم ينقل في هذا المقام خلافا سوى ما نقل من أبي محرمة من القول بعدم جوازه إلا للمكتوبة والأوزاعي من القول بكراهة المس للمتيمم كما ذكرنا سابقا من القول بكراهة المس للتيمم كما ذكرنا سابقا لكن نقل عن ولده فخر المحققين (ره) المنع من إباحة التيمم لهما محتجا في الأول بقوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وجه الاستدلال أنه سبحانه جعل الاغتسال غاية لحرمة القرب إلى المساجد فلو كان التيمم مبيحا له فلم يكن الغاية غاية وفي الثاني بعدم فرق الأمة بينهما في هذا الحكم ويلزم على قوله (ره) تحريم الطواف أيضا للمتيمم لاستلزامه دخول المسجد لكنه لم يصرح به وضعف الشهيد الثاني (ره) هذا الاحتجاج بمعارضته بقول النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رضي الله عنه) لما أتاه وقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين ووجهه بأن الاطلاق يقتضي الاكتفاء به في العبادات إذ لو أراد الاكتفاء به في الصلاة في البيت لوجب البيان حذرا عن الاجمال في وقت الخطاب الموجب للاغراء ويقول الصادق (عليه السلام) إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وبقوله (عليه السلام) التراب أحد الطهورين ولأن الصلاة المشترطة بالطهارة الصغرى والكبرى أعظم من دخول المساجد فباجتهاد تلزم إباحته بطريق الأولى وفي الكل نظر أما في الأول فلانا لا نسلم أنه إذا كان المراد الاكتفاء به في الصلاة ألزم تأخير البيان عن وقت الخطاب مع أنه لا فساد فيه كما بين في موضعه إذ يجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) إنما بين له قبل أن التيمم لماذا وأي شئ يستباح به فإن قلت إذا بين له النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن التيمم يبيح الصلاة فمم كان جزعه واضطرابه قلت كان جزعه من أنه ظن أن التيمم وإن كان مبيح للصلاة لكنه فيه كراهة ونقص مرتبة أو من أنه لما جامع اختيارا مع عدم الماء تخوف أن يكون فعله حراما وأيضا لو تم ما ذكره للزم أن يستفاد أكثر مباحث التيمم من كيفيته وأحكامه وموجباته ونواقضه من ذلك الخبر وإلا يلزم تأخير البيان فما هو جوابه فهو جوابنا ولا يخفى أنه لو وجه المعارضة بأن الخبر يدل على الاكتفاء بالتيمم في الصلاة كما هو الظاهر وكان متعارف صلواتهم وأكثر أفرادها في المسجد وكون المراد الفرد الغير المتعارف وإخراج الفرد المتعارف مع الاطلاق في الكلام وعدم الاشعار بالمرام خلاف الظاهر لكان أولى مما ذكره وإن كان أيضا غير صحيح في نفسه إذ دلالته على الاكتفاء به في الصلاة غير مسلم بل يجوز أن يكون واجبا لنفسه كما هو مذهب بعض وعلى تقدير التسليم ليس هذا من قبيل أن يورد في حكم لفظ عام ويراد منه فرده الغير المتعارف فقط من غير إشعار لأنه (عليه السلام) في هذا المقام ليس في صدد بيان أنه يكفي لأي شئ ويبيح أي شئ بل مراده (عليه السلام) إن الصعيد الذي قد عرفته وبينت لك كيفيته وإباحته لما يبيح ليس فيه نقص مرتبة وقصور وكراهة حتى أنه لو ارتكبه أحد للزم أن لا يرتكبه إلا شاذا نادرا كما يتخيله بل يكفي عشر سنين وليس فيه قصور تسلية لأبي ذر (رضي الله عنه) وتسكينا لخاطره وما ذكرناه ظاهر لمن يراجع وجدانه وأما في الثاني فلان حكمه (عليه السلام) بجعل التراب طهورا لا يقتضي أن يكون مبيحا لكل ما تبيحه المائية بل لا يدل على أزيد من أنه يثبت له طهوريته ما لا طهورية الماء إذا لا يلزم أن يكون كل طهور حكمه حكم الطهور الاخر كما يشهد به الفطرة السليمة وقس عليه حال الرواية الأخرى وأما في الثالث فلان الأولوية ممنوعة إذ يجوز أن يكون الصلاة لكونها أمرا ضروريا لا ينبغي أن يترك في حال من الأحوال إنما يكتفي فيها عند الضرورة بالتيمم بخلاف دخول المساجد فإنه لما لم يكن بهذه المثابة فلا ضرورة في أن يكتفي فيه بالتيمم ونظيرها في الوجود أكثر من أن يحصى كما لا يخفى وأيضا أحكام الله تعالى و شرايعه وحكمته فيها ليس مما يجد العقل إليه سبيلا فالقول فيها بمثل هذه الوجود والدلايل ليس مما ينبغي إذ ليس مآله عند التحقيق إلا إلى القياس الذي تواتر عن أصحاب العصمة (عليه السلام) إنكاره ومنع القول به فتدبر وقد أورد على الاستدلال أيضا بأنه موقوف على أن يكون المراد بالصلاة مواضعها أما على المجاز في الاعراب بحذف المضاف أو على المجاز في اللفظ من قبيل تسمية المحل باسم الحال وهو مما إذا يجوز أن يكون المراد معناها الحقيقي أي لا تصلوا جنبا إلا إذا كنتم مسافرين فإنه يجوز لكم حينئذ الصلاة متيمما والحاصل أن السفر لما كان مظنة تعذر الغسل استثناه سبحانه بل هذا
पृष्ठ 17
أولى لئلا يلزم ارتكاب المجاز وفيه أن ارتكاب خلاف الظاهر في هذا المعنى أيضا لازم من جهة لزوم التكرار في قوله سبحانه أو على سفر مع أن في الأول يمكن أن يحل اللفظ على حقيقته بدون ارتكاب مجاز لان الدخول في مواضع الصلاة قرب منها واعلم إن لكل من الوجهين مرجحات ومضعفات مذكورة في موضعها ولا يصحل منها ترجيح تام لأحدهما لكن ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرايع في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له الحايض والجنب يدخلان المسجد أم لا قال لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا مرجح قوي للمعنى الأول وبذلك يندفع الايراد المذكور عن الاستدلال ثم أن الشهيد الثاني (ره) قال بعدما نقلناه عند وذكر الغسل في الآية لكونه أصلا اختياريا وهو لا ينفي الاضطراري إذا دخل بدليل آخر انتهى ولا يخفى أن ما ذكرناه من وجه الاكتفاء بالغسل وجعله غاية للتحريم وجه ظاهر قريب لكن الكلام في وجود دليل دال على كون التيمم بدلا اضطراريا له لان ما ذكره من الوجوه غير تام كما بينا ولما كان هذا المقام موضع إشكال واشتباه فلا علينا أن نشبع الكلام فيه و نوضحه بقدر ما بلغ إليه فهمنا وطاقتنا حفظنا الله تعالى عن الخطأ والتقصير فنقول أعلم أن للأصحاب رضوان الله عليهم عبارتين أحديهما أن التيمم يبيح كلما يبيحه المائية والثانية أنه يجب لما يجب له الطهارتان واستدل على الأولى بالروايات الدالة على كون التيمم والتراب طهورا من الروايتين السابقتين وغيرهما مما سنذكره بعد وبقوله (عليه السلام) لأبي ذر المتقدم وقد عرفت الحال فيهما وبما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في أواسط باب التيمم في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة قال لا هو بمنزلة الماء وفيه أن لفظ المنزلة لا نسلم عمومه عرفا بل هو بمنزلة الماء وفيه أن لفظ المنزلة لا نسلم عمومه عرفا بل هو بمنزلة الألفاظ المجملة والسؤال قرينة ظاهره ها هنا على أن المراد أنه بمنزلة الماء في استباحة صلوات كثيرة به وأما دلالته على أزيد من ذلك فمما يأباه الوجدان ومما يمكن أن يستدل به على الثانية أنه لما ثبت أنه يستباح به كل ما يستباح بالطهارتين فإذا كان شئ من غايات الطهارتين واجبا ولم نقدر عليهما فلا شك في وجوب التيمم حينئذ لان الاتيان بذلك الواجب صحيحا ممكن حينئذ إذ المفروض استباحته بالتيمم وهو موقوف على التيمم وما يتوقف عليه الواجب واجب فيكون واجبا كما هو معتقدهم وفيه أنه موقوف على المقدمة الأولى ولم يثبت والسيد الفاضل صاحب المدارك (ره) رجح أن التيمم يبيح كلما يبيحه المائية واستدل عليه ببعض ما ذكرنا ثم قال فمما ثبت توقفه على مطلق الطهارة من العبادات يجب له التيمم وما ثبت توقفه على نوع خاص منها كالغسل في صوم الجنب مثلا فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة بينهما فتأمل انتهى ولا يخفى ما فيه من الخلل والاضطراب لان مراده (ره) بقوله فما ثبت توقفه إلى آخره أما أن ما ثبت توقفه على طبيعة الطهارة بدون خصوصية فرد يجب له التيمم وما يتوقف على خصوص فرد لا يجب ففيه أن تفريع هذا المعنى على إباحته لكل ما يبيحه الطهارتان غير موجه لأنه على التقدير المذكور ينبغي أن يجب لكل ما يجبان له كما قررنا آنفا إلا أن يكون نظره إلى الدقيقة التي سنذكرها بعد وحينئذ يبقى عليه بحث لفظي فقط لا معنوي من جهة عدم حسن التفريع لان هذا المعنى بناء على الدقيقة المذكورة لا يتفرع على إباحته لكل ما يبيحانه بل على أمر آخر والامر فيه سهل لكن سنذكر إنشاء الله تعالى عند ذكر هذه الدقيقة أنه ليس نظره إليها فانتظر وأيضا فيه أنه مناف لما سيرجحه بعد من وجوب التيمم لدخول المساجد ومس خط المصحف ونحوهما بناء على هذه الدلايل إذ ظاهر أن هذه الأمور ليس مما يثبت توقفه على طبيعة الطهارة فقط بل على فرد خاص كما في صوم الجنب بعينه وأما أن ما ثبت توقفه على فرد ما من الطهارة يجب له التيمم وهذا أيضا مثل سابقه بعينه وأما أن ما يتوقف على كل فرد من الطهارة يجب له وما ليس فلا كالغسل لصوم الجنب فإنه لا يتوقف على بعض الافراد لصحته من المحدث بالحدث الأصغر وفيه أيضا أن تفريعه على ظاهر قوله إن التيمم يبيح كلما يبيحه المائية ليس بصواب وهو ظاهر إلا أن يؤول بأنه يبيح كلما يبيحه جميع الطهارات المائية وفيه بعد مع أن دلالة الأدلة التي أوردها يصير حينئذ أضعف وأيضا أنه مناف لحكمه بوجوب التيمم للأمور التي ذكرنا آنفا لأنها أيضا ليست مما يتوقف على جميع الطهارات وإن وجه الكلام بأن مراده (ره) أن التيمم يبيح كلما يبيحه فرد من أفراد الطهارة المائية من حيث أنه فرد للطهارة ولا يستلزم هذا المعنى وجوب التيمم لجميع ما يجب له الوضوء والغسل إذ يجوز أن يتوقف شئ على أحدهما لا من حيث أنه فرد للطهارة والفرق بينه وبين التوجيه الأول ظاهر ففيه أيضا أنه حينئذ بم عرفت أن الصوم موقوف على الغسل لا من حيث أنه فرد الطهارة ودخول المسجد مثلا موقوف عليه من تلك الحيثية بل ظاهر أنه لا فرق بينهما نعم لو لم يقل أحد بتوقف صحة الصوم عليه بل بوجوبه له فقط ولزوم القضاء والكفارة مع صحة الصوم في نفسه كما يشعر به كلام بعض علمائنا (ره) لم يكن القول به بعيد جدا لأنه لما كان صحيحا مع الحدث فوجوب الغسل له يمكن أن يقال أنه ليس لأجل فرديته للطهارة لكن حينئذ يبقى الكلام في تحقق معنى الوجوب للصوم فيه فتدبر والعجب أنه (ره) قبل هذا الكلام أورد على عبارة المصنف المحقق (ره) والمندوب ما عدا ذلك بعد أن قال التيمم يجب للصلاة ولخروج الجنب من المسجدين أن هذا الاطلاق مناف لما سيصرح به من إباحة التيمم لكل ما يبيحه المائية فإنه يقتضي وجوب التعميم عند وجوب ما لا يستباح إلا به انتهى ثم حكم نفسه بأن التيمم يبيح كل ما يبيحه المائية مع أنه لم يجب لما يجبا له ولعله له
पृष्ठ 18
وجها لم يصل إليه فهمي والله أعلم وهذا الكلام وقع في البين فلنرجع إلى ما كنا فيه وبالجملة ما وقفنا واطلعنا عليه من الدلايل على هذين المطلبين هو هذا ولم نطلع على دليل آخر ظاهر الدلالة فالحكمان المذكوران في محل التوقف نعم غاية ما يمكن أن يستفاد من الاخبار إن التيمم مبيح لما يبيحه الطهارة بمعنى إن ما ورد في الشرع أنه لا يباح بدون الطهارة أو لا تفعله بدونها أو مشروط بها أو نحو ذلك من العبادات فالتيمم مبيح له لاطلاق الطهور عليه في الشرع لورود الروايات الكثيرة المتظافرة المستفيضة في هذا المعنى وظاهر قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم أما ما ورد في الشرع أنه لا يباح دونه الوضوء أو الغسل أو مشروط بهما أو نحو ذلك فإباحة التيمم له غير ثابت إلا إذا كان عليه دليل خاص من إجماع أو خبر أو نحوهما ولا بأس أن نذكر الروايات الواردة في هذا المعنى فمنها ما روي عنه (عليه السلام) جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب التيمم وأحكامه عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال لا يعيد أن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين (ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في آخر حديث فإن التيمم أحد الطهورين) ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم وأحكامه عن محمد بن حمران وجميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في آخر حديث فإن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وهذه الرواية في الكافي أيضا عنهما في باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر وفي الفقيه أيضا عنهما في باب التيمم وفي باب الجماعة وفضلها ومنها ما رواه أيضا في الزيادات في باب التيمم عن سماعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد ومنها ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه في باب التيمم في آخر حديث ولا ينقضها لمكان الماء لأنه دخلها وهو على طهر تيمم ثم ها هنا دقيقة أخرى وهي أنه إذا كان شئ مشروطا بالطهارة لا خصوص الوضوء أو الغسل وكان التيمم مبيحا له كما ظهر من الروايات فهل يجب التيمم له إذا كان واجبا أو يستحب إذا كان مستحبا مع تعذر الوضوء أو الغسل بدون دليل آخر أم لا وفيه أيضا إشكال إذ بمجرد إباحة التيمم له لا يلزم وجوبه عند وجوبه لان التيمم عبادة والعبادة لا بد أن يكون متلقاة من الشارع ومأذونا فيها من قبله إجماعا كما هو الظاهر وهو لم يأذن في التيمم له كما هو المفروض نعم حكم بإباحته له وغاية ما يلزم منه أنه إذا تيمم المكلف لما إذن له ورخص كان ذلك الشئ أيضا مباحا له إلا أن يجعل طلب الشارع ذلك الشئ مع حكمه بأنه لا يباح بدون الطهارة واشتراطه إياه بها وإن التيمم طهور قرينة على الاذن في التيمم لذلك الشئ والحاصل إن في مثل هذه الصورة قد اجتمع ثلاثة أمور لا يمكن حملها جميعا على ظاهرها طلب الشئ المفروض واشتراطه بالطهارة والنهي عن الظاهر ما لم يأذن فلا بد من أحد ثلاثة أمور أما القول بعدم وجوب ذلك الشئ بتخصيص العام الذي يشمله إذا كان الطلب لأمر يعمه أو بتقييد وجوبه بشرط أو وقت أو نحو ذلك إذا لم يكن الطلب لأمر عام أو بتخصيص شرطية الطهارة له بشرط أو نحوه أو بتخصيص النهي عن الطهارة بدون الاذن ولا يبعد أن يرجح الأخير لأنه في الحقيقة ليس تخصيصا للنهي المذكور بل نقول أن الامرين الأولين قرينة على الاذن (والرخصة والاذن) لا يجب أن يكون صريحا فحينئذ يخرج التيمم المذكور عن عنوان الحكم أي الطهارة بدون الاذن لا أن يخصص من الحكم والمفرق بينهما ظاهر إذ التخصيص أن يكون لفظ دالا على أشياء ويخرج بعض الأشياء عن إرادته من اللفظ المذكور مع بقائه تحته بحسب الدلالة وها هنا قد خرج بحسب الدلالة فتدبر وإذا لم يلزم حينئذ تخصيص بخلاف الأولين لاستلزامهما التخصيص قطعا فتعين ارتكابه فإن قلت السيد الفاضل المذكور لعلة نظرا إلى هذه الدقيقة حيث حكم بإباحة التيمم لما يبيحه الطهارتان مع عدم وجوبه لما يجبان له قلت إذا كان كذلك لما كان الفرقة بين ما يتوقف على نفس الطهارة وبين ما يتوقف على خصوص فرد في وجوب التيمم لهما وجه ظاهرا إذ قد عرفت أن التيمم لا يلزم أن يكون واجبا لما يتوقف على نفس الطهارة أيضا بناء على الدقيقة المذكورة لا يقال كان تخيل أنه إذا قال الشارع هذا الامر مشروط بالطهارة وقال أيضا أن التيمم طهارة ثم أمر بالامر المذكور كان ذلك قرينة على الرخصة في التيمم قرينة ظاهرة أما إذا قال إن هذا الامر مشروط بالوضوء مثلا وإن التيمم طهور فلا ظهور حينئذ لكون الامر به قرينة في الاذن وإن ثبت أن التيمم مبيح لما يبيحه الوضوء أيضا فلم يتعين أذن ارتكاب الامر الأخير من الثلاثة المذكورة فلم يثبت وجوب التيمم لان ذلك التخيل وإن كان له وجه لكنه إذا كان مراده هذا فلا ينبغي أن يفرق بين وجوبه لصوم الجنب ودخول المساجد إذ ليس في دخول المساجد أيضا ما يدل على توقفه على طبيعة الطهارة كما في صوم الجنب بعينه بل في الآية والاخبار منع الجنب فقط كما سيأتي إنشاء الله تعالى في باب الجنابة وإذ قد تمهد هذه المقدمات فلنعد إلى بيان المسئلتين السابقتين من وجوب التيمم للمساجد ولمس خط المصحف أما وجوب التيمم للمساجد فالظاهر على ما ذكرنا من المقدمات العدم لأنه ليس في الآية والاخبار كما أشرنا إليه آنفا إن دخول المسجدين الحرمين واللبث فيما عداهما إنما يبيحه نفس الطهارة أو التيمم يصلح لبدلية الغسل فيه إذا الموجود فيهما منع الجنب وغير المغتسل فقط وأما إيراده عز وجل ببيان التيمم بعد قوله سبحانه ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا فهو وإن صلح لان يكون قرينة لبدليته للغسل في إباحة القرب من المساجد وكونه متعلقا بهذا الحكم لكن يعارضه قوله تعالى أو جاء أحدكم من الغائط لأنه لا دخل له في هذا المعنى لإباحة القرب من المسجد بدون الوضوء فيشعر هذا بأنه استيناف حكم آخر لبدلية التيمم
पृष्ठ 19
الموضوء والغسل إجمالا وبيانه على مظهر الشريعة الصادع بها فيقصر على ما بينه وليس فيه عموم ولا اختصاص بهذا الحكم وقس عليه الحال في إيراد التيمم في الآية الكريمة السابقة في المائدة لأنه على تقدير عدم اختصاص الحكم بالوضوء العموم ممنوع بل غايته الاجمال فيحال إلى بيانه (عليه السلام) وإذا لم يوجد دليل على ذلك ففي إباحة التيمم لهما نظر ومع عدم الإباحة لا وجوب وإذا لم يبحهما التيمم يجب لهما فيكونان بدون الغسل حراما سواء كان واجبا بالنذر أو لا للاجماع ظاهرا لان النهي عنهما جنبا يخصص الأوامر العامة باستحبابهما والعمومات الدالة على الايفاء بالنذر مثل أوفوا بالعقود وغير ذلك وإن كان بينهما وبين العمومات الدالة على منعهما جنبا عموم من وجه ويكون الحكم التوقف والتخيير في أكثر مواضعه لكن الظاهر ها هنا ترجيح عمومات المنع لأن الظاهر أن المراد بالأوامر الدالة على الايفاء بالنذر إنما هو الايفاء به إذا لم يكن مخالفا لما ثبت أصالته بالشرع وأنه لا يصير سببا لتخصص الاحكام الأصلية كما لا يخفى ولم إذا كان الوجوب بغير النذر مثل الدخول للطواف ونحوه فيحتاج إلى النظر في أدلة الطرفين والترجيح هذا كله إذا لم يكن الحكم إجماعيا كما هو الظاهر مما نقلناه من أن الخلاف إنما وقع من الفاضل فخر المحققين (ره) دون من قبله فلا عبرة به ومع قطع النظر عن ثبوت الاجماع أيضا نقول أنه لا شك في شهرته واستفاضته بين الأصحاب شهرة عظيمة متاخمة للاجماع ومثل هذه الشهرة كاد أن يكون متمسكا قويا في إثبات الأحكام الشرعية إذا الظن الحاصل منه بصدور الحكم عن المعصومين (عليه السلام) ليس بما نقص من الظن الحاصل بأخبار الآحاد وحينئذ فمقتضى الاحتياط أنه إذا كان دخول الحرمين واللبث فيما عداهما واجبا مضيقا فيتيمم ويؤتى به وأما إذا لم يكن واجبا مضيقا بل موسعا أو كان مندوبا فلم يتيمم له ولم يؤت به بل ينتظر إمكان الغسل ولا يذهب عليك إن في الصورة الأولى إذا تيمم لما يبيحه التيمم بلا خلاف مثل الصلاة وضم إلى قصدها قصد الدخول واللبث أو تيمم تيمما آخر بعده لهما للخروج عن عهدة القول بعدم التداخل ثم دخل أو لبث لكان أولى كما يظهر وجهه من الكلمات السابقة فتفطن هذا ما بلغ إليه ظني في هذه المسألة والله ورسوله وأهل بيته (عليه السلام) أعلم وأما وجوب التيمم لمس خط المصحف فاعلم إن الآية الكريمة المتقدمة تدل على اشتراطه بالطهارة فيكون مما يبيحه مطلق الطهارة ويلزم منه إباحة التيمم له كما قدمناه لكن الروايات يشعر بعضها باشتراط الوضوء وبعضهما بالمنع منه جنبا وحينئذ لا يكون مما يبيحه التيمم فلو لم نقل بأولوية حمل الآية على الاخبار لكثرتها فلا أقل من عدم أولوية حملها عليه فيؤل إلى الشك في أن الشرط هل هو مطلق الطهارة أو خصوص فرديها وكذا المنهي عنه أما المس بدون مطلقها أو بدون فرديها وحينئذ لا يخلو الحال أما أن نقول بأن الأوامر والنواهي اليقينية لا بد من الاتيان بأفرادها المشكوكة للخروج عن العهدة بيقين أولا وعلى التقديرين الظاهر أن رعاية حال النهي أولى لأنه كما يكون حينئذ المس بالتيمم مما يشك في كونه داخلا تحت الأوامر العامة من جهة وجوب إصلاحه أو من جهة النذر فيجب الاتيان به للبراءة اليقينية فلذلك مما يشك في كونه داخلا تحت النواهي العامة عن المس بدون شرطه المتعين في الواقع المجهول عندنا فيجب الاجتناب عنه للبراءة أيضا مع أن في هذه الصورة يراعى جانب النهي العام أيضا من الاتيان بالعبادة بدون إذن الشارع المشكوك في دخول الاتيان بالتيمم في هذه الحال تحته فيكون أولى وكذا الحال على التقدير الاخر كما لا يخفى والامر في حالة ما إذا كان الوجوب بالنذر أظهر لما مر وقس عليه الحال فيما إذا شك في صدق الجنب على المتيمم في هذه المسألة وسابقتها مع أن الآية في المسألة السابقة تدل على منع غير المغتسل فلا يؤثر ذلك الشك كثيرا وكذا بعض الأخبار في هذه المسألة يدل على (تعليق المنع بعدم) الوضوء هذا وحديث الاجماع والشهرة والاحتياط في هذه المسألة أيضا مثل المسألة السابقة فقس عليها ولا تغفل قال المصنف أعلى الله تعالى مقامه وقراءة العزائم وجوب الغسل والتيمم لها موقوف على تحريمها على الجنب والحايض ومن بحكمهما وسيأتي بيانه في مبحث الجنابة إنشاء الله تعالى ويختص وجوب التيمم بتوقفه على إباحته لها ويفهم ظاهرا من كلام العلامة (ره) في المنتهى أنه إجماع منا حيث قال ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة ونافلة ومسح مصحف وقراءة عزائم ودخول المساجد وغيرها ونسب القول به إلى علماء العامة أيضا ولم ينقل خلافا سوى ما نقل عن أبي محرمة من عدم تجويزه إلا للمكتوبة ومن الأوزاعي من أنه كره مس (المصحف للمتيمم والخلاف الذي نقل عن فخر المحققين (ره) إنما يختص بدخول المساجد والمس) فقط ولو قطع النظر عن الاجماع والشهرة فحاله (إنما يستنبط مما ذكر في فحسا بقيه؟) وصوم الحايض والنفساء والمستحاضة والجنب إذا صادف الليل على تفصيل يأتي إنشاء الله تعالى ونشرح أيضا إنشاء الله تعالى في كل باب ما يتعلق به ويختص التيمم بخروج الجنب من المسجدين هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ولم ينقل فيه خلاف سوى ما نقل من ابن حمزة من القول بالاستحباب ومستند الحكم ما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب التيمم في الصحيح عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس به أن يمر في ساير المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد وما رواه ثقة الاسلام في الكافي في باب النوادر قبل أبواب الحيض عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحايض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك وهاتان الروايتان مع انضمامهما بالشهرة العظيمة بين الأصحاب حجة قوية على الوجوب فالظاهر القول به وما يتوهم من معارضتهما بالروايات الكثيرة الواردة في منع الجنب من الكون في المسجدين
पृष्ठ 20
مطلقا كما سيأتي في بابه إنشاء الله تعالى وإن تخصيصها بهما ليس بأولى من تخصيصهما بها بأن يقيد الحكم بما إذا لم يزد بسبب التيمم الكون في المسجد كما إذا أمكن التيمم خارجا بل الامر بالعكس لكثرتها واستفاضتها ضعيف لا يعارض الشهرة بل الاجماع ظاهرا لان الخلاف المنقول من ابن حمزة فقط وهو أيضا قائل بالاستحباب مع صراحة دلالتهما على المدعى بخلاف معارضتهما والظاهر شمول الحكم لما إذا كان زمان التيمم ناقصا عن زمان الخروج أولا لعموم اللفظ وعدم الاطلاع على القول بالفرق ثم أن الظاهر من كلام المصنف (ره) شموله الحكم لكل مجنب سواء كان محتلما أو لا كما إذا دخل المسجدين مجنبا عمدا أو سهوا وهو خلاف ظاهر الرواية لاختصاصها بالمحتلم ظاهرا وما قال في الذكي من عدم تعقل خصوصية الاحتلام ضعيف إذا أحلامنا الضعيفة لا سبيل لها إلى إدراك علل الشرايع وسرائرها المخفية فيها وأما المرأة فلا يبعد إلحاقها بالرجل وإن كانت الرواية مختصة به ظاهر الشيوع إجراء الأحكام المتعلقة بالصنفين على الرجل خاصة والله أعلم وأيضا قد قرب (ره) في الذكرى استحباب التيمم لباقي المساجد لما فيه من القرب إلى الطهارة ولا يزيد الكون فيه على الكون في التيمم في المسجدين وهو أيضا ضعيف لعدم دليل عليه وحديث القرب إلى الطهارة بعيد لمعارضته بحرمة اللبث خرج اللبث في المسجدين بالنص فبقي الباقي وترك ما يخاف عليه العقاب أولى من فعله طمعا للثواب وقياسه على اللبث في المسجدين ليس من باب القياسين المعمول بهما عندنا كما لا يخفى نعم لو أمكن التيمم خارجا بدون أن يزيد بسببه اللبث وكان زمانه أنقص من زمان الخروج لكان القول باستحبابه حينئذ سالما عن معارضة حرمة اللبث لكن يخاف عليه من البدعة والتشريع والقول في الدين بالرأي وكذا الحايض في الأقرب مستنده مرفوعة أبي حمزة المتقدمة و دلالتها على المطلق ظاهرة لكن المرفوعية رافعة لحجيتها وقال المحقق (ره) في المعتبر لا يجب على الحايض وإن استحب لأنه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب واعترض عليه المصنف في الذكرى بأنه اجتهاد في مقابلة النص وقد يعتذر عنه (ره) بأن عدم حكمه بالوجوب إنما هو لرفع الرواية وعدم صلاحيتها للحجية ولما كان يتسامح في أمر الاستحباب ويعمل فيه بالروايات الضعيفة فلذا قال به عملا بتلك الرواية وإن كانت مرفوعة وهذا الاعتذار وإن كان يصحح مدعى المحقق (ره) لكن لا يصحح استدلاله إذ انتفاء السبيل لها إلى الطهارة مما لا ينافي الوجوب إذ يجوز أن لا يرتفع حدثها ويكون التيمم واجبا عليها تعبدا مع أنه يرد على القول بالاستحباب أيضا كما لا يخفى إلا أن يحمل كلامه على أنه تأييد لا استدلال مع أن في صلاحيته للتأييد أيضا مناقشته لان القول بمثل هذا الوجوه في الشرع مما لا ينبغي في طريقتنا بل هو مناسب لطريقة العامة وبالجملة الحكم بوجوب التيمم على الحايض مما لا ظهور له أما أولا فللطعن في السند وأما ثانيا فلامكان حمل الخبر على الاستحباب لعدم ظهور النهي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) في التحريم مع أنها ها هنا بلفظ الخبر إلا أن يقال أن تشبيهها بالجنب ظاهر في الوجوب عليه وأما ثالثا فلمعارضتها بالاخبار الدالة على تحريم كونها في المسجد خرج كونها للخروج للضرورة فبقي الباقي وبهذا ظهر أن القول بالاستحباب أيضا كما هو مختار المعتبر مشكل لان الاكتفاء في باب السنن بغير الصحاح إنما هو عند عدم معارضته بما هو أقوى منه بل بالمساوي أيضا إذا كان دالا على الحرمة كما فيما نحن فيه إذ دفع الخوف أولى من جانب النفع نعم لو أمكنها التيمم خارجة بحيث لا يزيد بسببه كون وكان زمانه أنقص من زمان الخروج فلا يبعد حينئذ القول بالاستحباب تمسكا بالخبر لشموله بعمومه هذه الصورة أيضا مع خلوه عن المعارض فيها بل بالوجوب أيضا بناء على إباحة التيمم الكون في المسجد للحايض لعموم وجوب الطهارة للكون خرج الكون بقدر زمان التيمم لعدم إمكان الطهارة له وبقي الزايد فيجب التيمم له بدلا عن الغسل واستدل العلامة (ره) في المنتهى على الوجوب (بأن الاجتياز فيهما حرام إلا مع الطهارة وهي متعذرة) والتيمم يقوم مقامها في جواز الصلاة فكان قائما مقامهما في قطع المسجد وضعفه ظاهر مما ذكرنا ولو أمكن الغسل فيهما وسيأتي زمان التيمم قدم الغسل كان الظاهر من إطلاق كلام الأصحاب وجوب التيمم للخروج مطلقا سواء لم يمكن الغسل فيهما وساوى زمان التيمم قدم الغسل كان الظاهر من إطلاق كلام الأصحاب وجوب التيمم للخروج مطلقا سواء لم يمكن الغسل أو أمكن وكان زمانه مساويا أو لا والمصنف (ره) استشكل في الذكرى في تقديمه على الغسل في صورة إمكان الغسل سواء كان زمانه مساويا لزمان التيمم أو لا وحسب الاجزاء في صورة المساواة أقوى ولا يخفى أنه في صورة النقصان بطريق الأولى والشهيد الثاني (ره) كأنه رجح القول بتقديم الغسل في صورة المساواة أو نقصان لزمان الغسل وقال وإنما قيدنا جواز الغسل في المسجد مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه مع أن الدليل يقتضي تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقا وإلا لكان القول به متوجها والأظهر الأول لتخصيص التيمم بالذكر وعدم ما يدل على وجوب الغسل وما استدلوا به سنزيفه وعدم الدليل دليل العدم وأيضا العمومات دالة على تحريم الكون في المسجدين مطلقا خرج الكون للتيمم بالدليل والكون حالة الخروج للضرورة وبقي الباقي تحتها فيكون الكون للغسل حراما لعدم ضرورة ولا دليل وإذا كان الكون للغسل حراما فلا يمكن القول بتقديمه على التيمم لكن لا يذهب عليك أنه إذا كان زمان الغسل أنقص من زمان الخروج لم يجر هذان الوجهان فيه لان الدليل حينئذ على وجوب الغسل موجود وحرمة الكون لأجله منتف أما الدليل فالعمومات الدالة على تحريم الكون مطلقا ووجوب الغسل له خرج الكون بقدر زمان الغسل لعدم إمكان الغسل له فيبقى الزايد تحتها لامكان الغسل له شرعا لما تبين من عدم حرمة الكون لأجله فيجب الغسل وأما
पृष्ठ 21
عدم الحرمة فلان الضرورة يقتضي بجواز الكون بقدر ما يمكن أن يتخلص من الكون مجنبا في المسجد والتخلص منه يحصل بوجهين أما بالخروج عن المسجد أو بالغسل ولا دليل على تعيين الخروج لان اللبث والمشي كليهما حرامان ولا مرجح للمشي بحيث يمكن التمسك به شرعا فكان الغسل بمنزلة طريق ثان وكما لا يجب اختيار طريق واحد من الطريقين في المسجد فكذلك لا يجب اختيار الخروج على الغسل وحينئذ يقع التعارض بين الدلائل الدالة على وجوب الغسل والروايتين الدالتين على وجوب التيمم فكما يرجح دلائل الغسل بالكثرة كذلك يرجح دليلا التيمم بصراحة الدلالة وأظهريتها كما يعلم من التأمل في أدلة الطرفين وكما يمكن الجمع بينهما بحمل الروايتين على أنهما مخصوصتان بما عدا هذه الصورة كذلك يمكن تخصيص الأدلة به نعم قد يظن تخصيص الروايتين لان بناء أكثر الاحكام والاخبار على الغالب المتعارف ولما كان الغالب عدم إمكان الغسل في المسجد خصوصا مع نقصانه عن الخروج وعدم تنجيس شئ من المسجد وآلاته مع نجاسة بعض بدن المغتسل كما فيما نحن فيه إذ مورد الخبر المحتلم فلذا أطلق الحكم بالتيمم فعلى هذا ينبغي أما أن يصار إلى القول بالاختيار بين الغسل والتيمم إن لم نقل بوجود المرجح في طرف الغسل أو بوجوب اختيار الغسل إن قلنا بالترجيح لكن قد يقال إن الحكم بتقديم الغسل في هذه الصورة فقط مما يخاف عليه من كونه خرقا للاجماع المركب لان القائلين بتقديم التيمم قالوا بتقديمه مطلقا والقايلين بتقديم الغسل قالوا بتقديمه مع مساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه وأما القول بتقديمه في هذه الصورة فلم يقل به أحد نعم لو كان في هذه الصورة زمان الغسل مساويا لزمان التيمم أو أنقص منه لكان القول بتقديم الغسل متجها فإن قلت قد ثبت بما ذكرت وجوب الغسل إذا كان زمانه انقص من زمان الخروج وهو أعم من أن يكون زمانه مساويا لزمان التيمم أو أنقص منه أو أكثر خرج الأكثر بالجماع لعدم القابل به وبقي الباقي فثبت الحكم في بعض صور المساواة أو النقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أنقص من زمان الخروج فحينئذ نقول قد ثبت الحكم في بعض الصور فوجب أن يكون ثابتا في الباقي أيضا وإلا لزم خرق الاجماع المركب وبهذا يثبت قول المخالفين قلت يمكن قلب الدليل أيضا عليهم بأن يقال قد ثبت بالوجهين الأولين عدم وجوب الغسل في بعض صور المساواة والنقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أزيد من زمان الخروج فوجب ثبوته في الباقي أيضا وإلا لزم المحذور المذكور فإن قلت فعلى هذا فما التفصي عن ذلك وكيف الحيلة في الخروج عن الشبهة قلت أما بالمنع عن ثبوت الاجماع المركب إذ الظاهر أن مذهب القدماء في تفاصيل تلك المسألة غير معلوم بل أكثرهم أطلقوا القول بوجوب التيمم للخروج على المحتلم في المسجدين ولم يفصلوا القول فيه والتفصيل إنما نشاء من المتأخرين وإذا لم يثبت الاجماع فالامر واضح إذ نقول بمقتضى الدليل الأخير بوجوب تقديم الغسل في جميع ما إذا كان زمان الغسل ناقصا عن زمان الخروج سواء كان مساويا لزمان التيمم أو أنقص أو أكثر ويعمل بمقتضى الوجهين الأولين فيما سوى ذلك ونقول بتقديم التيمم فيه وأما بتسليم الاجماع و منع تمامية الدليل الأخير لما في بعض الشقوق من مجال المنع كما عرفت في أثناء تقريره ومع تماميته أيضا لا يبعد القول برجحان القلب المذكور على معارضته لما في العلم بمقتضاه من التجمد على النص والوقوف مع ظاهر الخبر مع موافقته لظاهر أقوال أكثر الأصحاب ولا يخفى عليك أن في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج أيضا لا يمكن إجراء الوجه الأخير لما ذكر في صورة النقصان بعينه لكن يمكن إجراء الوجه الأول لعدم الدليل حينئذ على وجوب الغسل إذ غاية ما يلزم مما ذكرنا أن لا يكون الغسل حراما؟ بل يكون المجنب مخيرا بينه وبين الخروج وأما تعيينه فلا فحينئذ لا يعارض دليل وجوب التيمم بشئ فتعين العمل به فإن قلت بل لا يمكن إجراء الوجه الأول أيضا فيه إذ على تقدير التيمم يلزم ازدياد زمان الكون في المسجد جنبا على القدر الضروري إذ يمكن الغسل في بعض ذلك الزمان وهو الذي بقدر زمان الخروج وإدراك البعض الاخر منه وهو الذي بقدر زمان التيمم متطهرا فحينئذ يجب الغسل لادراك ذلك البعض فقد دل الدليل على وجوبه وسقط الوجه الأول وآل الامر إلى المعارضة كما في صورة النقصان بعينه قلت ازدياد الزمان على تقدير وجوب التيمم وعلى ذلك التقدير لا يمكن القول بوجوب الغسل لأنه بمنزلة تقدير عدم وجوبه وفيه نظر لا، ذلك التقدير ليس تقديرا واقعيا بإثبات بل تقديرا تقديريا فلا استحالة في أن يكون الغسل واجبا على ذلك التقدير ويصير حاصل الدليل هكذا إذا كان التيمم واجبا في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج لزم أن يحصل كون زايد على القدر الضروري المباح وكل كون زايد على ذلك القدر يجب الغسل له للعمومات الدالة على وجوب الغسل مطلقا فيجب الغسل لذلك القدر الزايد فيثبت وجوب الغسل على ذلك التقدير ولزوم وجوبه على تقدير وجوب التيمم الذي هو بمنزلة عدم وجوبه لا يضر بالاستدلال إذ غاية ما يزلم منه استحالة عدم وجوبه وذلك غير مضر بل هو مؤيد للمطلق وبعبارة أخرى لو لم يكن الغسل واجبا في صورة مساواة زمانه لزمان الخروج لزم أن يكون التيمم واجبا للاتفاق على عدم المخرج عنهما وإذا كان التيمم واجبا يحصل كون زائد وكل كون زايد يجب له الغسل فإذا لم يكن الغسل واجبا لزم أن يكون واجبا (وهذا خلف) وبطريق آخر إذا كان التيمم في هذه الصورة واجبا لزم أن لا يكون واجبا (هذا خلف) بيان الملازمة أنه على ذلك التقدير يحصل كون زايد وكل كون زايد يجب له التيمم وجوابه أنه حينئذ يكون الكلية القايلة بأن كل كون زايد يجب له الغسل ممنوعة لان ما يجب له الغسل كون زايد يمكن له الغسل شرعا اتفاقا وهذا الكون الزايد على ذلك التقدير لا يمكن له الغسل شرعا لعدم الاذن من الشارع في الكون له نعم كل كون زايد حرام بالعمومات لكنه حينئذ يرجع حقيقة إلى المعارضة بين وجوب التيمم والأدلة الدالة على التحريم عموما وقد ذكرنا في أول المسألة وقس عليه الحال فيما
पृष्ठ 22
إذا كان زمان الغسل أكثر من زمان الخروج لكن يكون أقل من زمان التيمم مع الخروج فتدبر هذا ثم إعلم أنه إذا كان في هاتين الصورتين وقت مشروط بالغسل كالصلاة مثلا مضيفا فالقول بتقديم الغسل حينئذ يصير أقوى إذ دلايل وجوب الغسل للصلاة أيضا يصير مقويا ومرجحا لما يعارض وجوب التيمم وأما إذا تضيق وقت الصلاة مثلا في غير هاتين الصورتين فالقول بتقديم الغسل لا يخلو عن إشكال إذ حينئذ يعارض الدلايل الدالة على وجوب الغسل للصلاة بروايتي وجوب التيمم والعمومات الدالة على حرمة الكون إلا أن يكون مرجح آخر من قبله فتأمل ثم إن الشهيد الثاني (ره) استدل على ما رجحه بأن فيه جمعا بين ما دل على الامر بالتيمم مطلقا وهو الروايتان السابقتان وبين ما دل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم ووجه تخصيصه القول بصورة المساواة والنقصان وإن كان الدليل عاما قد مر سابقا وفيما استدل به نظرا ما أولا فلمنع وجود ما يدل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم مطلقا إذ لم نقف في الروايات على ما يدل عليه ظاهرا وأما إيتاء التيمم ففي ظهور دلالتهما أيضا نظر وأما آية المائدة فلاحتمال تعلقه بإذا قمتم احتمالا غير مرجوح وحينئذ يكون اشتراط عدم وجدان الماء في التيمم مخصوصا بالتيمم للصلاة فلا عموم فيه وأما آية النساء فلذلك الاحتمال أيضا لامكان أن يكون المراد بالصلاة حقيقتها لا مواضعها فتكون مثل سابقتها وعلى تقدير أن يكون المراد مواضعها ويكون حكم التيمم حكما مستأنفا غير متعلق بسابقة أيضا دلالتها على عموم الاشتراط بحيث يتناول ما نحن فيه ممنوعة إذ غاية ما يدل عليه أن عدم وجدان الماء شرط في التيمم بسبب الأشياء المذكورة في الآية والاحتلام ليس داخلا فيها والاجماع على كونه بمنزلة الملامسة غير ثابت في صورة النزاع مع أنه لا يدل على عموم الاشتراط بالنسبة إلى هذه الأشياء أيضا لعدم إرادة عموم فيها والقول بلزوم تأخر البيان وخلو الكلام من الفائدة المعتد بها الغير المناسب لكلام الحكيم ليسا مما يثمر ظنا قويا بالمدعى كيف وأكثر الاحكام الواردة في القرآن مجمل محتاج إلى بيان وتفصيل قد بينه وفصله النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) والاجماع الذي نقله بعض العلماء كالمحقق (ره) في المعتبر حيث قال شرط التيمم عدم الماء أو عدم الوصلة أو حصول مانع كالبرد والمرض أما عدم الماء فعليه إجماع أهل العلم أيضا غير ظاهر في العموم إذ يجوز أن يكون مراد الناقلين الاجماع في الافراد المتعارفة للتيمم من التيمم للصلاة ونحوه لا مطلقا أو يكون مراد المجمعين ذلك واشتبه على الناقلين فنقلوه مطلقا ومثل هذا ليس ببعيد جدا ومع هذا الاحتمال لا يبقى الظن بحجية والله أعلم وأما ثانيا فلانه على تقدير تسليم وجود ما يدل على الاشتراط مطلقا ليس تخصيص الحكم بالتيمم به أولى من تخصيصه بذلك الحكم فلم لم يقل به أو بالتوقف والتخيير إلا أن يقال أنه إذا قال السيد لعبده هذا الشئ مشروط بكذا ثم قال له إفعل الشئ الفلاني فالظاهر أن مراده إفعل الشئ الفلاني بالشرط المعلوم أو يقال إن الغالب لما كان عدم التمكن من الغسل في المسجد بالشروط المذكورة فالمظنون إن إطلاق الحكم بالتيمم بناء على الغالب كما مر هذا ثم إن السيد الفاضل صاحب المدارك بعد نقل الاحتجاج المذكور عن جده (ره) وإيراد بعض ما أوردنا عليه قال والأظهر الاقتصار على التيمم وقوفا مع ظاهر الخبر وكما جاز أن يكون الامر بالتيمم مبنيا على الغاب من تعذر الغسل في المسجدين فيجوز أن يكون لاقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة فإن مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة وقد أطلق جماعة من الأصحاب تحريم إزالتها في المسجد وصرح بعضهم بعموم المنع وإن كانت الإزالة في الكثير انتهى والظاهر أن قوله وكما جاز أن يكون (أه) مع هؤلاء القائلين بتقديم الغسل في صورة المساواة والقصور كالمصنف وجده (ره) فإن المصنف (ره) في الذكرى وجده (ره) في شرح الارشاد ذكر أنه يجوز أن يكون الامر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجد ولم نعلم أنه وجه توجيه لان هذا الكلام منهما في مقام بيان وجه الاشكال في المسألة وتبيين طرفيه بإيراد احتمالات ظاهرة وكذا في مقام منع الاستدلال بالرواية وعمومها وإبداء احتمال ظاهر يقدح في ظهور العموم لا في مقام الاستدلال وهو ظاهر وحينئذ تجويز احتمال آخر في مقابلة خارج عن قانون التوجيه و على تقدير تسليم أنه في مقام الاستدلال أيضا نقول أنه لا شك أن حكمها بتقديم الغسل إنما هو بناء على القول بجواز إزالة النجاسة في المسجد وذهاب بعض الأصحاب إلى منعه لا يقدح فيه كما لا يخفى وأيضا على تقدير القول بحرمة الإزالة يقيدون الحكم بصورة لا يلزم ذلك مثل أن يفرض أنه جاء سيل مثلا في النوم وأحاط به وبعد التيقظ وجد بدنه متطهرا هذا بقي في المقام شئ وهو أنه إذا تيمم المجنب المذكور أما لعدم إمكان الغسل أو مع وجوده لكن رجح وجوب التيمم وكان الغسل بعده ممكنا وكان زمانه مساويا لزمان الخروج أو أقل منه فهل يجب الغسل حينئذ لادراك القدر الزايد متطهرا في الصورة الأخيرة ويتخير بينه وبين الخروج في الصورة الأولى والذي يقتضيه النظر أن يكون الامر كذلك إذ الدليل المذكور سابقا في صورة نقصان زمان الغسل عن زمان الخروج على وجوب الغسل وبيان انتفاء الحرمة في الصورتين جاز ها هنا أيضا مع عدم معارضته لوجوب التيمم لكن الظاهر أن الحكم بوجوب الغسل بعد التيمم مع وجود الماء خارج المسجد وكذا جوازه أيضا مما لم يقل به أحد وأما مع عدم الماء ففيه تفصيل سيأتي إنشاء الله تعالى ولا يخفى أنه لو تضيق وقت الصلاة مثلا في هذه الصورة فلا ريب في أن الأولى الاتيان بالغسل إذ لا تصريح بالاجماع على عدمه في مثل هذا الموضع مع قيام الدليل على الوجوب أو التخيير ولو تضييق الوقت في غير هذه الصورة فيقع التعارض بين أدلة وجوب الغسل وأدلة تحريم الكون فينبغي النظر فيهما وهو خروج عن البحث تذنيب
पृष्ठ 23