بها على غير أهلها وهي بعينها العلم بالله من جهة ذاته المشار إليه بقوله أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. والعلم به من جهة العلم بالآفاق والأنفس المشار إليه بقوله سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. فالعلوم الإلهية هي عين الإيمان بالله وصفاته والعلوم الآفاقية والأنفسية من آيات العلم بالله وملكوته وكتبه ورسله وشواهد العلم باليوم الآخر وأحواله والقبر والبعث والسؤال والكتاب والحساب والصراط والوقوف بين يدي الله والجنة والنار. وهي ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الفلسفة البحثية المذمومة ولا من التخيلات الصوفية بل هي من نتائج التدبر في آيات الله والتفكر في ملكوت سماواته وأرضه مع انقطاع شديد عما أكب عليه طباع أهل المجادلة والجماهير ورفض تام لما استحسنه قلوب المشاهير.
(3) ولقد قدمت إليكم يا إخواني في كتبي ورسائلي من أنوار الحكم ولطائف النعم وزهر الأرواح وزينة العقول مقدمات ذوات فضائل جمة هي مناهج السلوك إلى منازل الهدى ومعارج الارتقاء إلى الشرف الأعلى من علوم القرآن والتأويل ومعاني الوحي والتنزيل مما خطه القلم العظيم في اللوح الكريم وقرأه من ألهمه الله قراءته وكلمه بكلماته وعلمه محكم آياته مما نزل به الروح الأمين على قلب من اصطفاه الله وهداه فجعله أولا خليفة في العالم الأرضي وزينة للملكوت السفلي. ثم جعله أهلا لعالمه العلوي وملكا في ملكوته السماوي. فكل من تنور بيت قلبه بهذه الأنوار ارتقى روحه إلى تلك الدار. ومن جحدها أو كفرها فقد أهوى إلى مهبط الأشرار ومهوى الشياطين والفجار ومثوى المتكبرين وأصحاب النار.
(4) ولما كانت مسألة الوجود أس القواعد الحكمية ومبنى المسائل الإلهية والقطب الذي يدور عليه رحى علم التوحيد وعلم المعاد وحشر الأرواح والأجساد وكثير مما تفردنا باستنباطه وتوحدنا باستخراجه فمن
पृष्ठ 52