نركب السيارة التي صنعها العلم والفن في لندن أو نيويورك ولكننا لا نعرف كيف نصنعها، ونكتب على الورق الذي صنعه العلم والفن في أوروبا ولكننا لا نعرف كيف نصنعه، ونتداوى بعقاقير اهتدى إليها الذهن الأوروبي دون أذهاننا.
ولن نملك هذه الحضارة إلا إذا صنعنا أدواتنا بأيدينا واخترعنا صيغها وقوالبها بأذهاننا، ولن يتم لنا هذا إلا بعد سنين؛ لأن الاستعمار والاستغلال كلاهما قد حطم أذهاننا وكان يعاقبنا على أية بادرة تدل على اختراع أو ابتكار.
ولكن إلى أن نصل إلى إنشاء المصانع لهذه الأشياء يجب على الأقل أن ندرس الأصول والمبادئ التي انبنى عليها اختراعنا؛ أي ندرس الكيمياء والطبيعيات والبيولوجية والجيولوجية ونحو مئة علم أخرى.
وبلا ذلك سنبقى ضيوفا على الحضارة بل ضيوفا ثقلاء.
لقد كان غاندي يقول إنه يستحي أن يلبس بذلة يصنعها الإنجليز ثم يطالب هؤلاء بالخروج من بلاده، ولهذه الكلمات قيمتها في الوطنية بل في النبل والشهامة، ولكني أحب أن أقول هنا إننا يجب أن نستحي من استخدام السيارة والطائرة والقطار والمصباح الكهربائي ... إلخ، ما دمنا نجهل أصول العلم التي بنيت عليها هذه المخترعات، بل ما دمنا لا نؤسس المصانع التي تصنعها.
ولو أننا كنا على وجدان بالحضارة العصرية لكان لنا في كل جامعة - بل في الجامعة الأزهرية أيضا - أربع أو خمس كليات لدراسة العلوم البيولوجية، والجيولوجية، والطبيعية والكيمائية والزولجية والبوتانية والمعدنية والبكتربولوجية والفلكية والذرية ...إلخ.
الفصل الحادي والثلاثون
أثمن العواطف
أثمن العواطف البشرية هي تلك التي لا نهدف منها إلى مأرب شخصي، ولا ننتظر منها منفعة خاصة، نحس احتدامها في صدورنا، ونندفع بقوة هذا الاحتدام إلى العمل بغية الشرف أو الإنسانية أو المجد، وقد نؤذى في سبيل ذلك ولكننا نرضى بالأذى لأننا نحس أننا نسمو في المجد والشرف ونحن نمارس هذه العواطف.
رأيت ذات مرة حوذيا قد حرن جواده، فعمد إليه في غيظه يضربه على وجهه، وأحسست أنه لا يمكن أن يكون في الدنيا أخس من هذه الجريمة: حيوان مربوط إلى عربة ومقيد بها ويضرب على وجهه بالعصا وهو عاجز عن الفرار أو الاحتماء.
अज्ञात पृष्ठ