وأول ما يجب أن نذكره أن الخبر صحيح، وأنه سبق أن وجد في الهند - مثل هذين الطفلين - أطفال أخرى كانت الذئاب خطفتهم ثم اهتدى إليهم الناس وحملوهم إلى القرى أو المدن.
وقبل نحو ربع قرن قرأت كتابا استعرته من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكانت هذه الجامعة قد طلبته بالتلغراف من أمريكا عقب طبعه، وأخبرني عنه الدكتور أمير بقطر، وكان موضوعه فتاتان كانت ذئبة قد خطفتهما وهما في الرضاع، فعاشتا معها إلى سن الثامنة أو العاشرة، ثم ذات يوم وهما تعدوان خلفها للافتراس والصيد، ألقي القبض عليهما بعد قتل «أمهما».
ومؤلف الكتاب مبشر أمريكي كان يعيش في الهند مع زوجته بالقرب من أحد الاحراج المجاورة، وكان قد سمع من القرويين أنهم عاينوا جملة مرات ذئبة تخرج ومعها صبيتان تجريان خلفها على أربع، فلم يصدق روايتهم لأول وهلة، ولكن الرواية تكررت، فعمد إلى بندقية وتربص بالذئبة حتى إذا ظهرت ورأى خلفها هاتين الصبيتين سدد إليها البندقية وقتلها، ثم تجمع القرويون وقبضوا على الصبيتين.
والكتاب «يوميات» ذكر فيه المؤلف - يوما بعد يوم - تفاصيل المعاملة التي عامل بها هو وزوجته هاتين الصبيتين إلى أن ماتت إحداهما - على ما أذكر - في الحادية عشرة والأخرى في السابعة عشرة.
والكتاب كله قصة إنسانية رائعة، وكثيرا ما كنت أقف وقت القراءة كي أفكر في ملايين السنين الماضية، حين كان مثل هذا الحادث يتكرر، فينشأ بعض جدودنا ذئابا أو كلابا ثم ينطوي عليهم الزمن فيموتون أو يقتلون وهم لا يعرفون معاني الإنسانية.
وعندما وجدت هاتان الصبيتان كانت كلتاهما إنسانة في الجسم والوجه والملامح، ولكنها كانت عدا ذلك في كل شيء، فكانت تنبطح كي تلعق الماء حين تعطش، وكانت تسير على أربع كالبهائم، وكانت تفترس الفراخ وتكشر عن أسنانها وتمزق الجثث والرمم وتأكلها، وكانت تنام في النهار وتستيقظ في الليل، فإذا كان قبيل الفجر أخذت في العواء.
وثابر الأمريكي وزوجته على تربيتهما وتعليمهما السلوك البشري؛ أي كيف تشربان من كوب، وكيف تأكلان الطعام المطهو، وكيف تتخلصان من حاجاتهما الطبيعية في مكان معين، وبعد عام أو أكثر تعلمتا اتخاذ الملابس، وبعد أكثر من ذلك صارت كل منهما تخجل من الكشف عن أعضائها التناسلية، وذات يوم نطقت إحداهما بكلمة «ماما» ونسيت كلتاهما عواء الفجر.
وكان هذا التعليم شاقا ولكنه أثمر، ولولا أنهما ماتتا في سن مبكرة لكانت لنا في ذكرياتهما ثروة لا تقدر من الفطنة السيكلوجية، وعسى أن تعيش الطفلتان اللتان عثر عليهما حديثا حتى تستطيعا كتابة ذكريات طفولتهما.
وهذه الحوادث تحدث أحيانا في الهند لأن الغابة تجاور القرية، ولأن وفرة الأمطار وشدة الحرارة تجعل النمو في النبات - وخاصة القصب الهندي - سريعا حتى أنه ليغير على مساكن القرية ، فإذا اشتغلت الأم بأي عمل وتركت رضيعها لحظة انتهز أحد الذئاب هذه الفرصة وخطفه.
والأغلب أنه يخطفه ليأكله، وهذا ما يحدث كثيرا، ولكن يحدث أيضا في النادر أن يكون الخاطف للطفل بنية الافتراس والأكل ذئبة أنثى، وقد يتفق في هذا الوقت أن تكون أما ترضع أطفالها، فإذا حملته تحت بطنها وأحس الطفل الرضيع طراوة لحمها وتشمم اللبن من حلماتها عمد بفمه إلى التقاط إحدى هذه الحلمات، وما هو أن يشرع في مصها حتى تحدث المعجزة.
अज्ञात पृष्ठ