قلنا: العدد ينقسم إلى الشفع والوتر ويستحيل أن يخرج عنه سواء كان المعدود موجودا باقيا أو فانيا. فإذا فرضنا عددا من الأعداد (¬1) لزمنا أن نعتقد أنه لا يخلو من كونه شفعا أو وترا، سواء قدرناها موجودة أو معدومة. فإن انعدمت بعد الوجود لم تتغير هذه القضية.
على أنا نقول لهم: لا يستحيل على أصلكم موجودات حاضرة هي آحاد متغايرة بالوصف ولا نهاية لها وهي نفوس الآدميين المفارقة للأبدان بالموت، فهي موجودات لا توصف بالشفع والوتر، فبم تنكرون على من يقول: بطلان هذا معلوم بالضرورة، كما ادعيتم بطلان تعلق الإرادة القديمة بالأحداث ضرورة. وهذا الرأي في النفوس هو الذي اختاره ابن سينا ولعله مذهب أرسطاطاليس.
فإن قيل: فالصحيح مذهب أفلاطون، وهو أن النفس قديمة وهي واحدة وإنما تنقسم في الأبدان، فإذا فارقتها عادت إلى أصلها واتحدت.
قلنا: فهذا أقبح وأشنع وأولى أن يعتقد مخالفا لضرورة العقل. فإنا نقول: نفس زيد عين نفس عمرو أو غيره؟ فإن كان عينه فهو باطل بالضرورة، فإن كل أحد يشعر بنفسه ويعلم أنه ليس هو نفس غيره. ولو كان هو عينه لتساويا في العلوم التي هي صفات ذاتية للنفس داخلة مع النفوس في كل إضافة.
وإن قلتم: إنه عينه، وإنما انقسم بالتعلق بالأبدان.
قلنا: وانقسام الواحد الذي ليس له عظم في الحجم وكمية مقدارية محال بضرورة العقل، فكيف يصير الواحد اثنين بل ألفا ثم يعود فيصير واحدا؟ بل هذا يعقل فيما له عظم وكمية كمثل البحر ينقسم بالجداول والأنهار ثم يعود إلى البحر. فأما ما لا كمية له فكيف ينقسم؟
पृष्ठ 76