فإذا تبين: أن السماوات والأرض ممكنات مفتقرات إلى مبدع أبدعها؛ وجب أن تجعلوها حادثة؛ لأنكم لم تشهدوا مفعولا إلا محدثا.
وهذه الطريقة سلكها كثير من أهل الكلام، وهي خير من كلام الفلاسفة.
فإنه إذا حصل الاتفاق، وعلم بالدليل: أن السماوات مبدعة مفتقرة / (¬1) إلى مبدع فعلها؛ ولم نشهد مبدعا مفعولا إلا محدثا؛ وجب القول بحدوثها.
فإن تقدم الفاعل المبدع -الذي هو خالق كل شيء- على فعله: هو أقرب في العقل من كون الفاعل المبدع يفتقر إلى مادة.
يبين ذلك: أن كون الفاعل متقدما على المفعول أمر مستقر في العقل والحس، مع أنه لا يحتاج إلى شهادة الحس.
ولو قيل: متقدم بالذات بخلاف كون المفعول، أو المحدث مفتقر إلى مادة؛ فهذا ليس معلوما بالعقل؛ وإنما شبهة قائله كونه لم يحس محدثا إلا كذلك. وأين قضية تعلم بالعقل والحس من قضية لا تعلم بواحد منهما؛ ولكن لم يشهدها الحس؟!
ومعلوم: أن عدم شهادة الحس لا تنفي ثبوت ما لم يشهده.
ولو كان ما لم يشهده الإنسان بحسه ينفيه؛ لبطلت المعقولات والمسموعات، وقد قال سبحانه: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تاويله} (¬2)؛ فإذا كان المكذب بما لم يعلمه بوجه من الوجوه مذموما في الشرع، كما هو مخالف للعقل؛ فكيف بالمكذب بما لم يعلمه بحسه فقط؟! وإذا كان عدم العلم ليس علما بالعدم؛ فكيف يكون عدم الإحساس علما بالعدم؟!
पृष्ठ 65