وإما أن يبقى كما هو محصورا في كردفان - وهذا أكثر احتمالا - فيكون القضاء عليه محققا بمرور الزمن؛ أعني أن الجوع لا يلبث أن يهاجم جموع أولئك الغوغاء، فيفت في عضدهم ويبدد شملهم، فتخبو نار الثورة من تلقاء نفسها. هذا فضلا عن أن أنصار المهدي يكونون قد أدركوا أن حكومة هذا الرجل أقل رفقا بهم من حكومة مصر، فينصرفون عنه ويهجرونه حالما تخمد جذوة الحماس الذي تأجج بين ضلوعهم في بادئ الأمر.
هذه كانت هي خطة القائد المصري البارع عبد القادر باشا حلمي، وهي بلا شك خطة حكيمة سديدة. وإننا نرى من الإنصاف لذكرى الكولونيل استوارت أن نقول إنه كان يرى رأي عبد القادر باشا عينه، ولكن مما يؤسف له أشد الأسف أن هذا الرأي لم يعمل به، ولو نفذ لما كان السودان سقط في أيدي الثوار أبدا.
قال سلاطين باشا
Slatin Pasha
في كتابه «السيف والنار»، ص232، بهذا الصدد:
لو صادفت نصائح عبد القادر باشا آذانا مصغية لجرت الأمور في السودان في غير المجرى الذي جرت فيه، ولكانت النتائج غير هذه النتائج السيئة.
فقد كان يرى عدم تسيير حملة كبيرة لإعادة فتح كردفان، وأن تترك والثوار الذين فيها، وأن يبقى الجيش المصري والمدد الذي يتلقاه مرابطا في حصون قوية على طول مجرى النيل الأبيض، وكانت القوات العسكرية التي تحت إمرته كافية لقمع ثورة الجزيرة الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض، والإيقاع بجيوش المهدي الآتية من الغرب والحيلولة دون تقدمها.
ولو اختيرت هذه الخطة لكان من المحتمل كثيرا أن يدب الفساد في صفوفهم، وتسودهم الفوضى بسبب اختلال الإدارة عندهم وعدم وجود نظام ما يستندون إليه؛ وبذلك تستطيع الحكومة أن تسترجع الأراضي التي ضاعت منها ولو بالتدريج على ممر الأيام. ولا ريب في أني لم أكن بمستطيع في ذلك الحين أن أحتفظ بسيطرة الحكومة في دارفور. على أننا لو قدرنا في هذه الحالة ضياع هذه المديرية نهائيا، فإننا نكون قد اخترنا أخف الضررين بلا مراء. ولكن لم يكن ذلك رأي القابضين على أزمة الحكم في القاهرة.
فقد ظهر أمر عال جاء فيه أنه لا بد من توطيد سطوة الحكومة بجيش يرسل تحت إمرة الجنرال الإنجليزي هكس، بمساعدة ضباط أوروبيين آخرين. أما عبد القادر باشا فقد استدعي وعين علاء الدين باشا - الذي كان فيما سبق حكمدارا عاما لشرقي السودان - بدلا منه.
فلم تكد تبلغ مسامع المهدي هذه الأخبار حتى وعاها وعمل لها حسابها وأعد لها عدتها. ا.ه.
अज्ञात पृष्ठ