جواب مسألة لرجلين من أهل طبرستان
पृष्ठ 635
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحسين (1) بن القاسم : سألت أبي رحمة الله عليه ، لرجلين من أهل طبرستان ، وهما عبيد الله بن سهل (2)، وهشام بن المثنى ، عن توحيد الله ومعرفته ، وما اختلف فيه المختلفون من صفته؟
فقال رضي الله عنه : اكتب : سألتما أعانكما الله وهداكما ، ونفعكما بما بصر كما من الهدى وأراكما ، عن توحيد الله ومعرفته ، وما اختلف فيه المختلفون من صفته.
فتوحيد الله والمعرفة به وتيقنه ، الذي لا يسع أحدا من المكلفين جهل شيء منه ، جهل (3) قليله في توحيد الله كجهل كثيره ، وأصغر ما يجهل منه في الشرك بالله عند الله ككبيره ، ومن جهل من ذلك شيئا واحدا ، لم يكن بالله موقنا ولا له موحدا ، أن يعلم أن الله واحد أحد ، ليس له ند من الأشياء ولا ضد ، لأن الند لما ينآده مكاف ، والضد لما يضاده مناف ، وليس من الأشياء كلها ما يكافيه ، ولا يضاده جل جلاله فينافيه ، فليس هو جل ذكره كشيء ، وهو الأول قبل كل بدي ، لم يلد سبحانه فيكون ولده له مثلا ، ولم يولد فيكون والده له بديا وأصلا ، كما قال سبحانه : ( قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)) [الإخلاص : 1 4] ، والكفؤ : فهو النظير والمثيل والشبيه والند ، ولبعده سبحانه من (4) شبه الأشياء ومماثلتها ، ولتعاليه عن مشابهة جزئية الأشياء وكليتها ، لم تدركه ولا تدركه أبدا عين ولا بصر ، ولا يحيط به من الناظرين عيان ولا نظر ، كما قال سبحانه : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103)) [الأنعام : 103]. وقال جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [الشورى : 11] ، وقال سبحانه : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) [البقرة : 255] والحي القيوم ، فهو الذي يبقى سرمدا ويدوم ،
पृष्ठ 637
وليس شيء من الأشياء يبقى فلا يفنى ، ولا يصح له أبدا هذا الذكر والمعنى ، إلا الله في البقاء والدوام ، كما قال سبحانه : ( كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27)) [الرحمن : 26 27]. و ( كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ) [القصص : 88] ، ولكفى دليلا ببقائه وفناء كل ما سواه على تعاليه عن مشابهة الأشياء لقوم يعقلون.
وكيف يشبه الباقي الفاني؟! في معنى ما كان من المعاني ، فمن توهم الله جل ثناؤه أجزاء وأعضاء ، أو أبعاضا يصل بعضها بعضا ، أو اعتقد أنه يرى ، أو رؤي قط فيما خلا ، بعين أو بصر أو رؤية أو نظر ، أو أنه يدرك بحاسة من حواس البشر ، أو وصفه سبحانه بكف أو بنان ، أو بفم أو لهوات (1) أو لسان ، فقد شبهه بما خلقه جل ثناؤه من الانسان ، وبري واصفه بذلك من المعرفة له والإيقان ، وقال في الله من ذلك بالزور والبهتان ، وخالف كلما نزل الله في ذلك من النور (2) والفرقان ، فهو لرب العالمين من أجهل الجاهلين ، وهو بالله جل ثناؤه من المشركين ، وبما اعتقد في ذلك من أهلك الهالكين ، فهذه صفته تبارك وتعالى في الإنية والذات ، وهي صفة واحدة ليست فيه جل ثناؤه بمختلفة ولا ذات أشتات ، ولو كانت فيه مختلفة غير واحدة ، لكان اثنين وأكثر في الذكر والعدة. وإنما صفته سبحانه هو (3) وأنه كذلك في التوراة (4)، قال تعالى لموسى عليه السلام عند المناجاة ، : (إني أنا الله إلهك ، وإله آبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب). (5) وكذلك قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار
पृष्ठ 638
المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24)) [الحشر : 22 24]. فوصف نفسه تبارك وتعالى في أول الآيات بأنه هو ، ثم ذكر سبحانه ملكه وخلقه وقدسه ما ليس له فيه نظير ولا مثيل ولا كفؤ ، فمن وصفه جل ثناؤه بغير ما وصف به نفسه من العلم والقدس والحكمة ، وما ذكر جل جلاله من العز والرأفة والرحمة ، فقد خرج صاغرا بصفته ، من العلم بالله ومعرفته.
والسنة التي ذكر الله أنها لا تأخذه ، ولا تعرض له جل جلاله ، هي قليل النوم ويسيره ، لا النوم نفسه وكثيره ، فنفى سبحانه عن نفسه من قليل مشابهة خلقه ما نفى تبارك وتعالى عن نفسه من كثيرها ، تعاليا عن صغير مماثلة خلقه وكبيرها ، لأن ذلك كله في التشبيه له سواء ، يثبت به كله أن له نظيرا في التشبيه وكفؤا.
ومن معرفة الله والايمان به ، الايمان بجميع رسله وكتبه ، ومن أنكر آية من تنزيله ، أو جحد رسولا واحدا من رسله ، خرج بذلك من التوحيد والإيقان ، وزال عنه لما أنكر من ذلك اسم الإيمان ، لأنه من أنكر آية من آيات الله ، أو رسولا واحدا من رسل الله ، كمن أنكر صنع السماء والأرض من الله ، ونسب ما كان من آية أو علم أو دلالة إلى غير الله ، لأنه إذا زعم أنما جاء به رسول من رسل الله من أعلامه ودلائله ، أو أن (1) آية من آيات كتب الله وتنزيله ، ليست من الله ولا عن الله (2)، ثبت وزعم أن ذلك من غير الله.
ومن أضاف شيئا من صنع الله في أرضه وسمائه ، أو في سوى ذلك كله من خلقه وإنشائه ، إلى غير الله فقد ألحد وكفر ، وجحد وأنكر ، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم
पृष्ठ 639
وكان الله غفورا رحيما (152)) [النساء : 150 152]. فمن فرق من ذلك بين ما جمع الله وألف ، خرج بتفريقه ذلك مما أقر به من توحيد الله وعرف ، وكان منكرا بذلك كله، بإنكاره لما أنكر من أقله.
[مرجع أهل الديانات]
وقد سأل عن هذا بعينه ، وما قلت به من تبيينه ، نصراني ، كان يغشاني ، من قبط أهل مصر يقال له سلمون ، وكان ربما اجتمع عندي هو والمتكلمون ، وكان هو يزعم في عيسى بخلاف ما تزعم النسطورية واليعقوبية والروم ، لأن أولاء كلهم يزعمون أن عيسى عليه السلام (1) ابن وإله ، ومنهم من يقول : إنه الله. وفي ذلك ما يقول سبحانه : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) [المائدة : 72 ، 17]. وكان هذا النصراني الذي ذكرنا يقول : إن عيسى عليه السلام عبد مربوب ، وصنع مخلوق ، وإن من لم يقل من النصارى بقوله ، وينسب عيسى صلى الله عليه إلى الخلق والعبودية ، فليس بنصراني ، وهو مشرك خارج من النصرانية.
فسأل يوما وهو عندي جماعة من الموحدين ، وفيهم حفص الفرد البصري وكان من المتكلمين ، فقال : يا هؤلاء أخبروني فقد زعمتم أنكم تنصفون ، وأنكم لا تقولون إلا بما تعرفون ، من أين زعمتم أن من أنكر محمدا أو جحده ، ولم يقر بما كان من النبوءة عنده ، منكر لله جاحد؟ والله فغير محمد معبود ومحمد عابد؟ وإنكار واحد ليس بإنكار اثنين ، لأن الشيء الواحد ليس بشيئين! فقد سألت منكم كثيرا عن هذه المسألة ، فأجابوا فيها بجوابات مختلفة غير مقنعة ، (2) وكيف أكون لك منكرا بإنكاري لغيرك؟ وهل تراه يصح في فكرك؟ أن أكون بإنكاري لمحمد لله منكرا وأنا به مقر ، وله موحد مجل معظم مكبر؟
पृष्ठ 640
فأجابوه فلم يقنع بجوابهم ، ولم يستمع لمقالهم.
وكان مما أجبته به في مسألته ، وما كان فيها من مقالته ، أن قلت : أخبرني يا هذا إذ (1) أنكرت محمدا وما جاء به من رسالاته ، أليس قد زعمت أن ما كان معه من آيات الله ودلالاته ، (2) وما كان يري الناس من الأعاجيب ، وينبئهم به من السر والغيب ، ليس كله من الله ، ولا شيء منه بصنع الله ، وأضفت ذلك كله إلى غير الله؟!
فقال : بلى. لا شك ولا امتراء.
فقلت : أفلا ترى أنك (3) لو أنكرت أن تكون السماء والأرض من الله ولله خلقا صنعا (4)، مفتطرا بدعا ، كنت بإنكار (5) ذلك لله منكرا ، وإن كنت بالله عند نفسك مقرا!! فكان في هذا الجواب بحمد الله ما حجه وقطعه ، وكفاه في الاحتجاج عليه وكفه عن التشنيع ومنعه ، ولم يتكلم بعده علمت في مسألته بكلمة واحدة ، وأمسك في مسألته عن الاكثار والشغب والملادة (6).
ومن الدلائل (7) على ما ذكرنا ، وقلنا به في ذلك وفسرنا ، قول الله سبحانه : ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا (101) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا (102)) [الإسراء : 101 102]. يقول صلى الله عليه : لقد علمت ما افتطر وجعل ، وخلق وأنزل ، ما جئتك به من الآيات والدلالات ، إلا من خلق وجعل وافتطر الأرضين والسماوات. فلما أزال فرعون صنعهن وخلقهن عن الله ونسبهن إلى السحر ، ازداد بذلك شركا
पृष्ठ 641
وكفرا إلى ما كان فيه من الشرك والكفر ، وكذلك لو لم ينكر ، إلا آية واحدة مما بصر وأري من آيات الله لكان بإنكارها مشركا ، صاغرا راغما (1)، ليس له بالله معرفة ولا إيقان ، ولا بعد إنكاره لها توحيد ولا إيمان.
ومن توحيد (2) الله ومعرفته ، وما هو أهله من حكمته ، أن تعلم (3) أنه لم يكلف ولا يكلف أبدا ، (4) من عبيده عبدا ، ما لا يتسع له ولا يمكنه ، ولا يأمره بما لا يستحسنه ، ولا يريد (5) أبدا منه ، ما ينهاه تعالى عنه ، ولا يزجره أبدا فينهاه ، عما يريده من الأمور ويشاء ، لما في ذلك كله (6) من خلاف الحكمة والرحمة ، وما لا يجوز أبدا أن يوصف به من الصفات المستقبحة المذممة ، (7) التي لا يلحق بالله جل ثناؤه منها صفة ، ولا تحتملها من المعارف بالله سبحانه معرفة ، لما يزول بها من الأسماء الحسنى ، والأمثال الكريمة العلى ، ولله جل ذكره من ذلك كله ما طاب وزكى ، ومن قال في الله بخلاف ذلك فقد قال شركا ، كما قال سبحانه : ( ولله الأسماء الحسنى ) [الأعراف : 180]. ( ولله المثل الأعلى ) [النحل : 60]. وقال : ( سبحانه وتعالى عما يصفون ) [الأنعام : 100]. و ( لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) [التوبة : 31].
ومن الايمان بالله بعد التوحيد لله إثبات الوعد والوعيد ، فمن أنكرهما ولم يكن مثبتا لهما ضلالة وتأويلا خرج بذلك من التوحيد ، وكان بإنكاره لهما متعديا ضالا ، وعميا جاهلا ، وإن هو أنكر شيئا من آيات تنزيلهما كان بالله مشركا ، ومن توحيد الله خارجا وله تاركا.
وكذلك كل من أنكر فريضة من فرائض الله كلها تنزيلا ، فإن كان إنكاره لها
पृष्ठ 642
عماية وتأويلا ، كان إنكاره لذلك فسقا وحرجا ، وكان جهله بذلك له من الايمان مخرجا ، وكل فريضة فرضها الله تنزيلا على عبد من عبيده ، فعليه من معرفتها والإقرار بها ما عليه من الإقرار بمعرفة الله وتوحيده ، إذا (1) لزمته حجتها ، وحضره وقتها ، فإن كان بتنزيلها جاهلا وله منكرا ، كان جهله بها منه لله شركا وكفرا ، وإن كان منكرا لتأويلها ، مقرا بتنزيلها ، كان بإنكاره فيها للتأويل فاسقا فاجرا ، ولم يكن مع إقراره فيها بالتنزيل بالله مشركا ولا به كافرا.
فهذه جوامع الايمان الواجبة اللازمة ، المشتبهة في حكم الله المتفقة المتلائمة ، التي لا تختلف جملها ، ولا يسع مكلفا جهلها ، والحمد لله كثيرا ، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطيبين الذين طهرهم من الرجس تطهيرا.
تمت المسألة بعون الله وتوفيقه.
* * *
पृष्ठ 643