मसाला कुब्रा
المأساة الكبرى: رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة
शैलियों
على أن هذه الحرب مهما تكن اليوم شنيعة، فظيعة، مدمرة، مثكلة، مثيرة للعداوات، باعثة على التخاذل والتقاطع، مفككة لأوصال الأمم؛ فإن الاجتماع سيجني منها فوائد أدبية كبرى تفوق جدا الخسائر المادية اللاحقة به منها، والتي ضررها يقتصر على المعاصرين المساكين؛ إذ تكون له كالصرخة في أذن الغاط المستبحر في نومه، أو كالعصا على كفل الحمار البليد؛ فتستفز الأمم للانتباه إلى حقوقها، ومعرفة مقامها في الاجتماع، فتهب لإصلاح نظاماتها وشرائعها، وتضع حدا لمنازع أصحاب الامتيازات الموروثة، أو الطامعين فيها من سواهم، والذين هم قيد في رجل الاجتماع، وغل في عنقه، وسيف مسلول فوق رأسه، وتنزلهم عن عروشهم المغتصبة إلى مستوى ترفع إليه الجمهور، وتشتغل بما يحقق لها الفوز على الطبيعة، ويذلل لها مصاعب الحياة القصيرة، وتخلص الاجتماع ممن هم فيه بمنزلة «البقر»، وما عددهم في كل أمة حتى اليوم بقليل، وتسرع في الانتقال بهم إلى مقام البشر الحقيقيين؛ سعيا وراء سيادة الكل لأجل مصلحة الكل، وهي نتيجة لازمة، ومن حسنات الطبيعة في تطورها مهما توالى عليها من التقلبات والنكبات والوقوف والتقهقر الوقتيين؛ فإن النتيجة، وإن أبطأت بذلك، فإنما هي إلى الارتقاء أخيرا، وما الثورات - حتى الطائشة مثل التي نشهدها اليوم - إلا مهماز في جنب الاجتماع الخامل للإسراع في السير لبلوغ هذه الغاية.
الفصل الأول
المنظر الأول (غليوم - الحكيم - الكرونبرنس (أي ولي العهد)) (غيليوم في مكتبه في قصره يناجي أحلامه غاضبا، والحكيم جالس معه): لقد طال ما صبرت! والدول لا تريد أن تعرف لي هذا الفضل، كأنها ترى صبري عجزا، أتريد أن تحرجني لتخرجني؟ فلأرين الجميع أني رجل هذا العصر الوحيد، بل رجل كل العصور؛ حتى لا يبقى عظيم يتحدث الناس به سواي لا من الغابرين، ولا من المعاصرين. ومن هم أقراني اليوم؟ فلأسحقنهم سحقا حتى يذلوا لي. ومن هم أبطال الماضي كنابوليون، وقيصر، وأنيبال ممن يذكرهم الناس بالإعجاب؟ فلأفعلن ما يمحو ذكرهم؛ حتى يبيتوا بالقياس إلي كالأعشاب الصغيرة الحقيرة في ظل الشجرة الباسقة العظيمة. ولو أني اضطررت أن آتي مكبرا ما أتاه سواي من السفاحين قبلي مصغرا كتيمورلنك وجنكيزخان وآتيلا، فليس أرهب للناس من التمثيل بالناس، والعاجز من لا يستبد، حتى أخضع الجميع لي، وأصبح وحدي سيد هذا العالم. (يبهت قليلا كأنه يرى وعورة هذا الأمر، ثم يقول كأن خاطرا خطر له): وبعد ذلك، أليس هذا هو النظام الإلهي: الكل للواحد والواحد فوق الجميع؟ (يبتسم ويرسل ببصره إلى السماء ويقول): أليس كذلك يا إلهي الشيخ؟ فلنقتسم العالم بالإنصاف: لك ملك السماء، ولي ملك الأرض. فيا رب آل هوهنزلرن الأشراف المقدسين، ويا رب الأمة الجرمانية المجيدة؛ بارك هذا السيف لأحكمه في رقاب العباد، وشدد هذه الذراع (ويمد ذراعه المشلولة)؛ ليشعر الناس جميعهم بثقل يدي الحديدية فوق رءوسهم. (يمشي متهيجا إلى جهة الحكيم، ويقول له): دعني هذه المرة من تقريعك أيها الحكيم، فلقد أصخت لك طويلا، وحافظت على هذا السلم المصطنع حتى فرغ صبري، ومصلحة ألمانيا تقتضي أن تكون وحدها السائدة، والحكمة ليست دائما في الحلم، بل كثيرا ما تكون في الغضب، والغضب كثيرا ما يكون مقدسا. (يتركه، ويجتاز الباب إلى داخل القصر.) (الحكيم وحده يطلب من ربه أن يقوي ذراعه ليسحق بها العالم، فكيف بها لو كانت صحيحة! ولو كانت ذراعه صحيحة، فلربما كانت مطامعه أصح، وكان في أخلاقه أكثر اعتدالا، هو في جنونه يريد أن يكون اليوم نيرون هذا العصر، وأنا أرى أنه سيكون شمشونه.) (يهز رأسه.) (عن طمع فادح، لا عقل راجح، وهو مع ذلك يطلب من ربه أن يكون شريكه في جناياته، فيا للضلالة! ويا للكفر! هو يريد أن يحتكر الله لنفسه، كأن المخلوقات الأخرى ليست من صنع هذا الإله، ولا تستحق اهتمامه، فهل هو مقتنع بما يريد؟ أم ذلك من أنواع العدة أيضا في الحروب للسطو على المغفلين؛ ليساقوا إلى الحتوف متحمسين راضين؟ وغدا يقوم خصومه، ويستنجدون الله لأنفسهم، فكأن كل فريق يشق من الإله الواحد إلها ضده، ولقد كان يفعل مثل ذلك آباؤهم من قبلهم، ولكن آباءهم كانوا أعقل منهم في تصورهم، وأحكم في عملهم على هذا التصور، فقد كانوا يعتقدون بتعدد الآلهة، ويختار كل قوم منهم إلها خاصا؛ ليصرع به الآلهة الأخرى، ولكن الموحدين اليوم كيف يطبقون ذلك على تصوراتهم؟ فيا إله الجميع، كيف تطيق مثل هذه المفتريات من مثل هؤلاء المخلوقات، ولا تطبق السماء على رءوسهم؛ لتخلق سواهم أنظف منهم في عقولهم؟) (يتأمل قليلا ثم يقول): فما أوسع مجال الريبة! (يدخل الكرونبرنس فجأة من دون استئذان، فيجد الحكيم، ويقول في نفسه): أف، إن أبي لا يفارق هذه البومة المشئومة. (ثم يلتفت إليه، ويقول له): أنت هنا أيها الحكيم! أما فرغت من تسميم عقل والدي بإرشاداتك ونصائحك كأنك مأجور على إذلال ألمانيا وطمس معالم مجدها؟!
الحكيم (للكرونبرنس) :
اطمئن يا مولاي، واعلم أن الطبع يغلب التطبيع، فقد شفي والدك من سمومي كما تقول، ولقد كان هنا منذ هنيهة، وقد صرح بأميال كأميالك، ولا تظن أن صبره حتى اليوم نتيجة نصائحي، بل كان لتوقع الفرصة المناسبة، واستكمال الاستعداد، وستعلمان غدا من منا يسعى لخراب ألمانيا، وطمس معالم مجدها.
الكرونبرنس (للحكيم مشفقا ومستخفا) :
إني أجلك - أيها الحكيم - لسلامة نيتك، لا لإرشاداتك. فحكمتك عصرها قد انقضى، ولو عمل الناس بها لقعدوا عن العمل، ولرضوا بالكفاف من كل شيء، والطمع مهماز وهمة في رءوس الرجال، ولكن دعنا من كل ذلك، أين والدي الآن؟ فإني أريد أن أقابله في الحال. (يدخل الإمبراطور عائدا من القصر، ويرى ابنه ويخاطبه بقوله): كيف أنت هنا يا ويلهلم؟ فماذا تريد؟
الكرونبرنس (لأبيه محتدا) :
يا صاحب الجلال إلى متى هذا الانتظار؟ كأنك عاقد محالفة مع القضاء، فإذا كنت صبورا إلى هذا الحد، تتمجد بأحلامك كأنها حقائق، وأنت جالس على عرش ألمانيا، فأنا لم يبق لي صبر، فلا بد لي من زيارة باريس قبل الشتاء، والأمر - كما لا يخفى على جلالتكم - لا يكلفنا مشقة كبيرة، ولا سيما أن الجند متحمس لإحراز النصر، ومتضجر من القعود، ولا حاجة لأن أقول لجلالتكم إن الجند لا يخفي عني شيئا. (ويناجي نفسه على سمع من أبيه قائلا): آه، ما أحلى هذا اليوم الذي أدخل فيه هذه المدينة الزاهرة في مقدمة جنودي المظفرة، راكبا جوادي المطهم، متخطرا في شوارعها الواسعة، طائفا في ضواحيها الجميلة! نعم، لا بد لي أن أجعلها كرسي مملكتنا الجديدة، وأجلس فيها على هذا العرش الجديد؛ لأتمتع من لذة الحكم بما يتمتع به سواي اليوم.
الحكيم (يسمع ذلك، ويقول في نفسه) :
अज्ञात पृष्ठ