بيد أن الأستاذ المؤلف قد اعتذر بضيق الوقت وبانحراف صحته، فناشدته باسم المصلحة الوطنية أن يلبي طلب الجمهور، فبسط حضرته لي ما ينبغي أن يشتمل عليه كتاب يؤلف في المسألة الحبشية من بيانات وإحصاءات وصور وخرائط وعرض لحالة كل من الحبشة وإيطاليا وعصبة الأمم، وما إلى ذلك من شئون عسكرية واقتصادية وسياسية وعلاقة ذلك بمصر والسودان وأفريقيا، ومثل هذا البحث يحتاج إلى شهور ومراجعات كثيرة، لا يتسع له الوقت.
ولكني ذكرت له أنه يكفي وضع مؤلف يلم بالمسألة الحبشية ويساعد الجمهور على تتبع الأخبار الجديدة؛ لأن من بين القراء من يتعب ويكل ويضل عن مطالعة شتات الأنباء المتناقضة والشروح الناقصة. «الدوتشي» السنيور موسوليني زعيم إيطاليا ورئيس حكومتها.
وبعد إلحاح في الرجاء، تفضل الأستاذ المؤلف فوضع هذا الكتاب وقد أخرجه وافيا ببيان المسألة الحبشية ولا سيما الطور الأخير من أطوارها، وها هو الكتاب قد صدر بحمد الله تعالى. ولا شك في أن القراء سيجدون فيه من الفوائد والبيانات ما سيحملهم على مشاركتنا في شكر حضرة المؤلف على مجهوده، والرجاء في أن يتمكن في القريب العاجل من وضع المؤلفات الأخرى في الحروب الحبشية وفق ما يوده المؤلف من بيان كامل وتحقيق وبالدقة المعروفة عنه في مؤلفاته وكتاباته وبحوثه القانونية المشهورة.
ويجد القارئ في هذا الكتاب بيانات مفيدة عن الحبشة وعاداتها وحكامها وملوكها، وعلاقاتها بغيرها وبإيطاليا والسودان ومصر، وعصبة الأمم ووظيفتها، وقناة السويس ومسألة إغلاقها، والغارات الجوية والغازات الخانقة - وقانا الله شرها، وفضلا عن ذلك فإن حضرة الأستاذ المؤلف يعد أول مؤرخ في العالم قد أرخ الحوادث الأخيرة التي وقعت بين سبتمبر وأكتوبر سنة 1935، وأرجو أن يوفقه الله إلى تأريخ الحوادث التالية.
والله أسأل أن يمنحه وافر الصحة والعافية، وأن يحفظه ذخرا للعلم، وأن ينفع به البلاد والعباد، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
11 أكتوبر سنة 1935
إبراهيم يوسف
صاحب مكتبة الأهرام بشارع محمد علي بالقاهرة
مقدمة
في أثناء مطالعاتي ومراجعاتي وكتاباتي لتأليف كتابي «السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية»، جعلت نصب عيني أن أحيط بعلاقات السودان بجاراته، ولقد ألفيت للحبشة «إثيوبيا» نصيبا كبيرا من الصلات التاريخية المتواصلة مع مصر والسودان، وأصبح لزاما علي أن أتناول الكلام على «إثيوبيا» بشيء غير قليل من البيان.
अज्ञात पृष्ठ