بعد أن شرط عليهم فيه عمر بن الخطاب ﵁ أن لا يحدثوا كنيسة في أرض الصلح، فكيف في بلاد المسلمين؟!
بقاء الكنائس في مدائن الإسلام:
بل إذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة، كالعراق ومصر ونحو ذلك فبنى المسلمون مدينة عليها، فإن لهم أخذ تلك الكنيسة؛ لئلا تترك في مدائن المسلمين كنيسةٌ بعد عهد (١) . فإن في سنن أبي داود بإسنادٍ جيد عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: "لا تصلح قبلتان بأرضٍ، ولا جزية
_________
(١) هكذا في جميع النسخ ولعل الأصح ما في المطبوعة: بغير عهد.
وهذا طرف مما جاء في هدم كنائس المشركين خصوصًا اليهود والنصارى، وغيرهم من باب أولى: فقد روى البيهقي بسنده ٢٠٢١٩ إلى ابن عباس ﵄ قال: صالح رسول الله ﷺ أهل نجران - يعني النصارى - على ألفي حلة وقال: على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم، ما لم يحدثوا حدثًا، أو يأكلوا الربا. وهذا معنى ما رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١٠٠٠٤) بسنده قال. قال عمرو بن ميمون: واستشارني عمر - يعني ابن عبد العزيز - في هدم كنائسهم - فقلت لا تهدم، هذا صولحوا عليه، فتركها عمر. والمقصود بها الكنائس التي صولحوا وهي قائمة بأيديهم، ليس ما أحدثوا بعد.
ولهذا قال عبد الرزاق (رقم ١٩٢٣٤، ١٠٠٠٢) أخبرنا ابن التيمي عن أبيه قال حدثني شيخ من أهل المدينة يقال له: حنش أبو علي أن عكرمة أخبره، قال: سئل ابن عباس: هل للمشركين أن يتخذوا الكنائس في أرض العرب؟ فقال: أما ما مصر المسلمون فلا ترفع فيه كنيسة، ولا بيعة، ولا صليب، ولا سنان، ولا ينفخ فيها ببوق، ولا يضرب ناقوس، ولا يدخل فيها خمر ولا خنزير.
وما كانت من أرض صولحوا صلحا، فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم. وتفسير ما مصر المسلمون: ما كانت من أرضهم أو أخذوها عنوة.
وهذا بنحوه ما رواه البيهقي عنه في الكبرى ٩/ ٢٠٢ وفي آخره: أو أيما مصر اتخذه العجم فعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم فيه، ولا يكلفوهم ما لا طاقة لهم به. ورواه بنحوه أبو عبيدة في الأموال ص ٢٦٩. ومحصل هذا أن كنائسهم التي صولحوا عليها تبقى لهم بالشروط التي ذكرها ابن عباس وقبله عمر بن الخطاب ﵃ وستأتي في آخر الفتوى مفصلة.
أما ما أحدثوا بعد الصلح معهم - سواء على حين ضعف من المسلمين أو غرة منهم - فلا يجوز إقرارهم عليها؟ بل يجب هدمها وتأديبهم. رحم الله حالنا وضعفنا، وجبر مصيبتنا.
1 / 103