الحمد لمن بيده الهداية والتوفيق، والصلاة والسلام على رسوله الهادي لأقوم الطريق، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا للفقراء عند الضيق، كالحميم الصديق، لا سيما مع ما حازوا من العز والجاه كعمر وعثمان وعلي وأبي بكر الصديق.

أما بعد:

فقد استخرت الله سبحانه سائلا عفوه وغفرانه في تلخيص بعض مسائل كرام، تتعلق بجمع أحاديث الإحرام والبيت الحرام، وبيان تفضيل البلد الحرام، وبيان مضاعفة الحسنات والسيئات في ذلك المقام، وتفضيل الطواف على الصلاة هناك في حق الغريب من الأنام، وفي الجمع بين أخبار وآثار يدق فهمها على كثير من ذوي الأفهام.

فأقول راجيا الطول والإنعام، من الملك العلام:

पृष्ठ 23

AUTO المسألة الأولى في الإحرام

وهو ثلاثة أقسام:

تمتع؛ فإفراد، فقران.

التمتع: هو أن يحرم بالعمرة ثم بعد فراغه منها يحرم بالحج.

والإفراد: أن يحرم بالحج فقط.

والقران: أن يحرم بالحج والعمرة معا.

ولا خلاف بين الأئمة في جواز كل من هذه الثلاثة. وإنما اختلفوا في الأفضل منها:

فقالت الحنابلة: التمتع أفضل.

وقالت الحنفية - على الأصح عندهم: القران أفضل.

وقالت الشافعية والمالكية: الإفراد أفضل.

पृष्ठ 24

وقد اختلفت الروايات في إحرام النبي عليه السلام في حجة الوداع: هل كان إفرادا أو قرانا أو تمتعا؟

فعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله عليه السلام أفرد الحج). رواه مسلم والأربعة.

وعن جابر: (أن رسول الله عليه السلام أفرد الحج). رواه ابن ماجه.

وعن ابن عمر قال: (أهللنا مع رسول الله عليه السلام بالحج مفردا). رواه في ((جامع الأصول)).

وعن أنس قال:(خرجنا مع رسول الله عليه السلام إلى مكة؛ فسمعته يقول: ((لبيك عمرة وحجة)).

رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

पृष्ठ 25

وعن ابن عباس قال: (أخبرني أبو طلحة أن رسول الله عليه السلام قرن الحج والعمرة). رواه ابن ماجه.

وعن ابن عباس قال: (تمتع رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان). رواه الترمذي.

وفي ((جامع الأصول))، عن ابن عمر قال: (تمتع رسول الله عليه السلام في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج .. .. ) الحديث.

وفي كل واحد روايات كثيرة، وهي متعارضة في الظاهر.

قال الطيبي في ((شرح المشكاة)):

وقد طعن فيها طائفة من الفئة الزائغة عن منهج الحق؛ فقالوا: اتفقتم أيها الرواة على أن نبيكم عليه السلام لم يحج من المدينة غير حجة واحدة، ثم رويتم أنه كان مفردا، ورويتم أنه كان قارنا، ورويتم أنه كان متمتعا؛ وصفة هذه الأنساك متباينة، وأحكامها مختلفة، وتزعمون أن كل هذه الروايات مقبولة لصحة أسانيدها، وعدالة رواتها!

पृष्ठ 26

فأجاب عن ذلك جمع من العلماء شكر الله سعيهم؛ وقد اخترنا من ذلك جوابا عن الإمام الشافعي؛ وثمرته: أن من المعلوم في لغة العرب، جواز إضافة الفعل إلى الآمر؛ كجواز إضافته إلى الفاعل له؛ كقولك: بنى فلان دارا؛ إذا أمر ببنائها؛ وضرب الأمير فلانا؛ إذا أمر بضربه. ومن هذا الباب: رجم رسول الله عليه السلام ماعزا.

وكان أصحاب رسول الله عليه السلام منهم المفرد والقارن والمتمتع، يضاف كل ذلك إليه عليه السلام.

وأجاب الخطابي بأنه يحتمل أن يكون بعضهم سمعه يقول: ((لبيك بحجة)) وخفي عليه ((وعمرة))، فقال: كان عليه السلام مفردا، ولم يحك إلا ماسمع، وسمعه آخر يقول: ((لبيك بحجة وعمرة))؛ فقال: كان عليه السلام قارنا. ولا ننكر الزيادات في الأخبار؛ كما لا تنكر في الشهادات.

وفي ((البحر العميق في فضائل البيت العتيق)): طريق الجمع بين الأحاديث عند جماعة من محققي العلماء والمحدثين؛ أن سيدنا رسول الله عليه السلام أفرد الحج في أول الإحرام؛ ثم أتاه من ربه [آت] بوادي العقيق؛ كما ثبت في الصحيح؛ فقال: ((صل في هذا الوادي المبارك ركعتين، وقل: عمرة في حجة))؛ فقرن رسول الله عليه السلام.

فمن روى أنه أفرد الحج اعتمد أول الإحرام، ومن روى أنه كان قارنا اعتمد آخر الإحرام، ومن روى أنه كان متمتعا فهو محمول على أنه عليه السلام تمتع بالعمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج، وهذا معنى القران. أو: على أنه عليه السلام أمر بذلك؛ كما مر.

وللعلماء في ذلك جوابات أخر، والله أعلم.

पृष्ठ 27