أَلا ترى لَو كَانَ المُرَاد نَفْيه عَن الرجل مُطلقًا لَكَانَ ذكر الْوَصْف ضائعًا ولكان زِيَادَة فِي اللَّفْظ ونقصًا فِي الْمَعْنى المُرَاد. الثَّانِي: أنْ يكون نَفْيه بِاعْتِبَار المقيّد وَهُوَ الرجل، وَهَذَا احْتِمَال مَرْجُوح لَا يُصار إِلَيْهِ إلاّ بِدَلِيل (١)، فَلَا مَفْهُوم حِينَئِذٍ للتَّقْيِيد، لأنّه لم يُذكر للتَّقْيِيد بل ذُكِرَ لغَرَض آخر، كأنْ يكون المُرَاد مناقضة مَنْ أثبتَ ذلكَ الْوَصْف فَقال: (جَاءَنِي (٢) رجل شَاعِر) فَأَرَدْت التَّنْصِيص على نفي مَا أثْبته، أَو كَأَن يُراد التَّعْرِيض (٣)، إِذا (٤) أردْت فِي الْمِثَال الْمَذْكُور أنْ تعرِّض بمَنْ جاءَهُ رجلٌ شاعرٌ. وَهَذِه هِيَ (٥) الْقَاعِدَة الَّتِي يخرج عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى (٦): (لَا يسألونَ الناسَ إلحافًا) (٧) فإنّ الإلحافَ قَيْدٌ فِي السُّؤَال الْمَنْفِيّ، وَالْمرَاد من الْآيَة - وَالله أعلم - نفي السُّؤَال الْبَتَّةَ بِدَلِيل: (يَحْسبهُم الْجَاهِل أغنياءَ من التعفُّفِ) (٨)، وَالتَّعَفُّف لَا يُجَامع الْمَسْأَلَة، وَلَكِن أُرِيد بِذكر الإلحاف - وَالله أعلم - التَّعْرِيض بِقوم ملحفين توبيخًا لَهُم على صنيعهم أَو التَّعْرِيض بجنسهم الملحفين وذمهم على الإلحاف، لأنّ نقيض الْوَصْف (٩) الممدوح مَذْمُوم، والمثال المبحوث فِيهِ متخرج على هَذِه الْقَاعِدَة فِيمَا زَعَمُوا، فإنّ فضلا مقيِّدٌ للدرهم، فَلَو قدّر النَّفْي مسلطًا على الْقَيْد اقْتضى مَفْهُومه خلاف المُرَاد، وَهُوَ أنّه يملك الدِّرْهَم وَلكنه لَا يملك الدِّينَار، ولمّا امْتنع هَذَا تعيّن الْحمل على الْوَجْه الْمَرْجُوح، وَهُوَ تسليط النَّفْي على المقيّد، وَهُوَ الدِّرْهَم، فَيَنْتَفِي الدِّينَار، لأنّ الَّذِي لَا يملك الأقلَّ لَا يملك الأكثرَ فإنّ المُرَاد بالدرهم لَيْسَ الدِّرْهَم الْعرفِيّ، لأنّه يجوز أنْ يملك الدِّينَار من لَا يملكهُ، بل المُرَاد مَا يُسَاوِي من النُّقُود درهما، فَهَذَا تَوْجِيه التَّخْرِيج.
_________
(١) ح: لدَلِيل.
(٢) ح: جَاءَك.
(٣) ب: ذما.
(٤) أ، ح: كَمَا.
(٥) ح: من.
(٦) (قَوْله تَعَالَى): سَاقِط من ح. (٧، ٨) الْبَقَرَة ٢٧٣.
(٩) ح: النقيض للوصف.
1 / 18