العلم مجالسة أقوام يكثرون الكلام في المحبة بلا خشية.. ولهذا وجد في المتأخرين من (أفضى به) ذلك إلى ما ينافي العبودية، ومديد إلى نوع من الربوبية، ويدعي أحدهم ما يتجاوز حدود الأنبياء، ويطلب من غير الله ما لا يصلح إلا لله، وسببه ضعف تحقيق العبودية التي بينتها الرسل، وحررها الأمر والنهي الذي جاؤوا به، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته، وهو شبيه بقول اليهود والنصارى ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ ١ فإن تعذيبهم بذنوبهم يقتضي أنهم غير محبوبين، لأن من أحبه الله استعمله فيما يحبه، لأن فعل الكبائر واحد، فإن الله يبغض منه ذلك، ومن ظن أن الذنوب لا تضره لكون الله يحبه، فهو كمن ظن أن السم لا يضره من مداومته عليه لصحة مزاجه. ولو تدبر الأحمق ما قصه الله في كتابه من توبة الأنبياء، وما جهر لهم من البلاء الذي فيه تطهير لهم (دل) على ضرر الذنوب بأصحابها، ولو كانوا أرفع الناس.
واتباع الشريعة والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله، وبين من يدعي محبة الله ناظرا إلى عموم ربوبيته أو متبعا لبعض البدع. فإن دعوى هذه محبة من جنس دعوى اليهود والنصارى، بل قد تكون شرا منها. بل فيهم من النفاق الذي يكون به في الدرك الأسفل من النار.
وفي التوراة والإنجيل من ذكر محبة الله ما هم متفقون عليه، حتى أن عندهم إذ ذلك أعظم وصايا الناموس. ففي الإنجيل أن المسيح قال: أعظم وصايا
_________
١ سورة المائدة آية: ١٨.
1 / 17